Dec 28, 2021 7:35 AM
مقالات

بيروت وصنعاء وتلسكوب "جيمس ويب"

كتب العميد الركن خالد حماده في "اللواء":

إهتمت وسائل الإعلام الدولية خلال الأسبوع المنصرم بتغطية حدثين هامين كلّ منهما عن نظرة مختلفة لوظيفة الإجتماع الإنساني : 

الحدث الأول مواكب للتطور العلمي والتقني، وقد تجلى بإطلاق الصاروخ «أريان 5» يوم السبت عند الساعة 12.20 بتوقيت غرينيتش من مركز الفضاء في غويانا الفرنسية حاملاً إلى الفضاء التلسكوب «جيمس ويب»، وهو أقوى تلسكوب فضائي على الإطلاق وفق وكالة الصحافة الفرنسية. سيستقر «جيمس ويب» الذي كلّف تطويره ما يقارب عشرة مليارات دولار على بُعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، وهو يتفوق على إمكانيات التلسكوب هابل بمئة مرة وفقاً لتقارير الخبراء. ومن شأن نجاح هذه العملية أن توطّد الشراكات القائمة بين «ناسا» وشركائها الأوروبيين في ريادة المستقبل.

والحدث الثاني وهو الأبرز على صعيد الامن الإقليمي والعلاقات الدولية ويتعلّق بدور حزب الله وطهران في تدريب وتطوير القدرات العسكرية للميليشيات الحوثية في اليمن. حصيلة هذا التعاون، وفق ما جاء في المؤتمر الصحفي الذي وضعه التحالف العربي أمام الرأي العام العربي والدولي، كانت إطلاق 851 مسيّرة و430 صاروخاً على المملكة العربية السعودية وأهداف أخرى وإرسال 100 زورقاً مفخخاً لتنفيذ عمليات قرصنة في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية عبر باب المندب. 

الهدف المنشود من «جيمس ويب»، أداة المراقبة الفضائية الأكثر دقّة في التاريخ كما يقول مصممو التلسكوب، هو سبر أغوار ما يُعرف بـ»الفجر الكوني»، والإضاءة على سؤالين يشغلان البشرية: «من أين نأتي؟» و»هل نحن لوحدنا في هذا الكون؟» وهذه تساؤلات مطروحة أمام العالم المتحضّر الذي خرجت مجتمعاته من سردياتها وأساطيرها الماورائية، وتوسّلت العلم والعقل لإدراك الحقائق وفهم فلسفة الوجود الإنساني. وفي كلّ ما يحيط بهذه التساؤلات هناك تحديّات للخروج من الموروث المتداول الذي يكتنفه الغموض، وارتقاء يتيح إشراك العقل ويفتح أمام الخيال العلمي آفاقاً لا حدود لها . 

أما الهدف المنشود من تدريب الميليشيات الحوثية فهو سبر أغوار الموروث المتراكم، والإمعان أكثر فأكثر في استنفار الذات الكامنة واستنهاض توتراتها وإطلاق غرائزها، بعيداً عن أي دور للعقل، واستثمار كلّ ذلك لخدمة الخيار السياسي لطهران بتدمير  كلّ معلم عربي من الخليج العربي الى شمال أفريقيا ومن باب المندب حتى البحر المتوسط.  وفي خضم ذلك تحاكي طهران من اختارتهم وقوداً لطموحاتها فتقدّم لهم الإجابات على السؤالين : من أنتم؟ ولماذا خُلقتم؟ فالطريق إلى بيت المقدس تمرّ بمكة المكرّمة، والسبيل إلى ذلك إسقاط العروش والممالك وأعمال السيف في رؤوس أعدائها وسط ملحمة دموية، وفي هذا الخيار تصبح اليمن قاعدة الإنطلاق لتحقيق الهدف المنشود ويدفع اللبنانيون والسوريون والعراقيون ضريبة الدم والدمار والفقر والفوضى لضرورات استكمال متممات المشهد في المعركة الكبرى المزعومة.

ينغمس العقل المدبّر للجمهورية الإسلامية في الرهان على التاريخ المظلم، مما أفقده القدرة على اكتساب الحيوية اللازمة لقراءة المتغيّرات في محيطه الجيوسياسي. تشيح طهران النظر عن كلّ المتغيّرات التي طرأت على البيئة الحاضنة للسلفيّة الإسلامية، وكأنّها لا تريد أن تصدق أنّ الحلم الأمبراطوري القائم على العبث باستقرار المنطقة يتراجع أدراجاً، وقد عكفت على الإستمرار في ما اعتبرته نجاحاً لمشروعها التوسّعي وتوجيه الصراعات خارج حدودها واحتفظت لنفسها بالملف النووي كمنصّة تليق بقدراتها للحوار مع المجتمع الدولي.  فيما نجحت المملكة العربية السعودية في ظلّ قيادتها الحالية في سبر أغوار المعرفة والتكنولوجيا ونجحت في الإنضمام للمجتمع الدولي من بوابة الإسلام الحداثي المنفتح على الثقافات والقوميات على اختلافها ضمن إطار احترام الحريات التي يرعاها القانون، بما أسقط كلّ الخطاب الغربي الذي عاش على الإسلاموفوبيا وتغذّت منه طهران في التسويق لنظريتها القائمة على حلف الأقليات. المملكة العربية السعودية المتجدّدة هي التي تمكّنت من تبديل النظرة للحرب اليمنية، وإقناع المجتمع الدولي بهيّمنة الدور الإيراني الرافض للتسويّة. هذا النجاح لا يمكن فصله عن القناعة الدولية بدور المملكة كشريك وازن في الأمن والإستقرار الإقليمي وإسقاط كلّ الإلتباسات التي اعترت علاقاتها بالقوى الكبرى. 

وفي خضم النجاحات الميدانية في اليمن التي لا تعبّر عن تغيّر في ميزان القوى العسكري بل عن نجاح الرهان على الثقة الدولية فإنّ الشعوب التي تدفع ضريبة الدم نيابة عن طهران من صنعاء الى بيروت مدعوّة للإنضمام الى عالم «جيمس ويب» والبحث مجدداً عن ماهيّة وجودها ولماذا خلقت؟؟؟.... 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o