Dec 14, 2021 1:56 PM
مقالات

السنيورة: البيطار يخدم مصالح صاحب نيترات الامونيوم!

كتب احمد عياش في "النهار"

الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان السبت الماضي، قبيل جلسة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، أفصح عن مضمونها  البيان الصادر عن المجلس، لاسيما ما يتعلق بالتحقيق القضائي الجاري في إنفجار مرفأ بيروت. لكن ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة ل"النهار" عشية زيارة الرئيس ميقاتي وبيان المجلس الشرعي، يذهب الى مدى ابعد، ليكشف عن أبعاد مسار عمل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.

بداية، لا بد من التوقف عند ما ورد في بيان المجلس الشرعي ، وهذه ليست هي المرة الأولى التي يسأل فيها المجلس:"لماذا هناك إصرار على محاكمة الرؤساء والوزراء في قضية انفجار مرفأ بيروت من خلال المجلس العدلي، رغم أن الدستور واضح للعيان، أن محاكمتهم تكون من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، كما هو الحال في محاكمة القضاة الذين يحاكمون وفق أصول خاصة؟" ودعا المجلس "الجهات القضائية المختصة إلى التبصر في مآلات الأمور". وفي معلومات ل"النهار" ان توجيه الدعوة الى " الجهات القضائية المختصة الى التبصر"، لا تعني القاضي البيطار فحسب، وإنما تعني أيضا مجلس القضاء الأعلى ورئيسه القاضي سهيل عبود.

ووفق هذه المعلومات ، فإن الرئيس ميقاتي هو بأمس الحاجة لكي يعاود مجلس الوزراء جلساته ،لكنه  لن يستطيع توجيه الدعوة الى أي جلسة جديدة للحكومة قبل ان يحسم الجدل الناشب عن ملف التحقيق القضائي في إنفجار المرفأ ، وتحديدا إمتثال القاضي البيطار للدستور الذي يحصر "محاكمة الرؤساء والوزراء بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء،" وفق ما ورد في بيان المجلس الشرعي. وعلى رغم ان التطور البارز الذي حققه البيان المشترك السعودي-الفرنسي لمصلحة علاقات لبنان بالمملكة العربية السعودية ، فإنه يكاد يضيع بسبب تعطيل عمل الحكومة التي عليها ان تتخذ القرارات اللازمة من اجل ملاقاة هذا البيان. وصار واضحا، انه لم تعد هناك عقدة الثنائي الشيعي حيال ربط معاودة الحكومة جلساتها فقط، بل صارا هناك مطالبة سنيّة جامعة بإن يصار الى إعادة التحقيق القضائي في إنفجار المرفأ الى مساره الدستوري والقانون كي يتم نزع الذرائع من الذين يربطون عمل الحكومة بهذا التحقيق.

ووفق أصحاب المعلومات المشار اليها، فإن ما صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري من مواقف في "النهار" يوم الجمعة الماضي، أتى في السياق نفسه لما أراده الرئيس ميقاتي أن يصدر عن المجلس الشرعي، على الرغم ان الرئيس بري كان حادا في توجيه الانتقادات للمحقق العدلي الذي وصفه ب"المتآمر." كما وجّه الرئيس بري "رسالة الى الناشطين في الغرف السوداء التي تحرّك البيطار، بأن مثل هذا الأسلوب، لم يعد ينفع ،ولا يصب في مصلحة أهالي الضحايا ولا البلد".

ماذا يقول الرئيس السنيورة فوق ما قيل حتى الان في هذه القضية، والتي تحوّلت الى العقدة الكبرى في مسار إعادة تطبيع الأوضاع في البلاد؟

يقول السنيورة ل"النهار" ان عهد الرئيس ميشال عون، يبدو متطابقا مع عهد سلفه الرئيس أميل لحود لجهة تعطيل عمل القضاء. ويروي في هذا السياق، ما حدث معه عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء في آخر عهد الرئيس لحود، عندما قام هو، أي السنيورة،بتوقيع  التشكيلات القضائية التي وردت اليه من مجلس القضاء الأعلى في ذلك الوقت، في حين رفض الرئيس لحود توقيعها. يضيف:" أزعم إنني لم أخالف مبادئ الدستور عندما وقّعت التشكيلات القضائية من دون أراها. فبحسب القانون، تصبح صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل مقيّدة بعد إصدار مجلس القضاء الأعلى التشكيلات، ما يعني ان عليهم فقط توقيعها ." وتابع ان عون كرر ما فعله سابقا لحود . ويستعيد السنيورة واقعة الزيارة الأولى التي قام بها أعضاء مجلس القضاء الأعلى للسراي عندما كان رئيسا للحكومة. وقال ان هؤلاء القضاة وعلى رأسهم القاضي أنطوان خير ما زالوا شهودا . أضاف :" لقد قلت للقضاة: لتكن هذه الزيارة هي أول زيارة وآخر زيارة تقومون بها الى السراي لكونكم تمثلون سلطة مستقلة ."

ويصل الحديث الى قضية التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت والاستعصاء الذي تواجهه. وهنا يشير السنيورة  الى أمريّن يميّز موقفه وأيضا مواقف زملائه رؤساء الحكومات الحالي والسابقين. وهما: "الالتزام الثابت والكامل من جميع المعنيين بإستقلالية القضاء وبعدم التدخل بشؤونه، والالتزام الكامل، وبعيدا عن أية تفسيرات أو إجتهادات لا جدوى منها، بحرفية وإحترام النص الدستوري." وهذا ورد في بيان الرؤساء الحكومات السابقين في 15 تشرين الأول الماضي. ويمضي السنيورة في حديثه ل"النهار" قائلا:" أما آن للقاضي بيطار أن يعلم ان هناك محكمة خاصة للرؤساء والوزراء ، مثل ما هناك محكمة خاصة للقضاة وأخرى للعسكريين اللتيّن يقرّ القاضي بيطار بهما؟"

لماذا هذا السلوك الذي يثابر عليه القاضي بيطار وهو لا يزال مثار جدل، يجيب السنيورة:" سواء أكان يعلم أم لا يعلم ، فإن القاضي البيطار، وبهذه الطريقة يحرف عملية التحقيق عن مسارها. إنه يخدم مصالح أخرى ، ليست بعيدة عمن كان يملك نيترات الامونيوم والذي إستطاع أن يحميها في المرفأ ويقوم بالسحب منها من دون أية عراقيل."

من عادات الرئيس السنيورة ، اللجوء الى الامثال كي يوضح أفكاره. ومن بين هذه الامثال "أن من يسلك مفترقا خاطئا فلن يصل الى المكان الذي يقصده."  فهل هذا المثل ينطبق على حال التحقيق القضائي في إنفجار المرفأ؟ واقع الأمور يؤكد فعليا ان الدخول الخاطئ في البداية شارف بالتحقيق الى العنوان الخطأ الذي وصلت اليه قضية المرفأ الذي هي من بين اهم القضايا في تاريخ لبنان وربما العالم. ويخلص السنيورة الى القول:" كنا منذ البداية، ندرك الى ما ستؤول اليه الأمور عندما يترك للقضاء الداخلي مثل هذه المهمة. وكنا قد طالبنا كرؤساء حكومات سابقين ، بالاستعانة بهيئة دولية مستقلة أو عن طريق الجامعة العربية  للتحقيق في الانفجار."

هل لا يزال الوقت متاحا أمام إخراج التحقيق في إنفجار المرفأ من رمال لبنان المتحركة، ووضعه على أرض صلبة ؟ أنه السؤال الكبير اليوم.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o