Aug 12, 2021 3:15 PM
اقتصاد

تقرير بنك عودة للفصل الثاني من 2021: ضبط الوضع النقدي ممكن شرط استعادة الثّقة السياسية وتوفّر إدارة اقتصادية صارمة

المركزية- أصدر بنك عودة التقرير الاقتصادي الفصلي للنصف الأول من السنة لفت فيه إلى أن "ضبط الوضع النقدي ممكن، شرط استعادة الثّقة السياسية وتوفّر إدارة اقتصادية صارمة".

وهنا نَصّ التقرير: "اتّسم النصف الأول من العام 2021 بتقلبية عدّاد كورونا، حيث سجل الفصل الأول من العام ارتفاعاً في عدد الحالات والذي نجم عنه إقفال متكرر للبلاد، بينما شهد الفصل الثاني من العام انخفاضاً حاداً في عدد الحالات والوفبات، ما دفع بعض البلدان إلى رفع حظر السفر عن لبنان. إلا أن الفصل الثالث عاد ليشهد ارتفاعاً في عدد الحالات مع ظهور متحوّرات جديدة في العالم، في حين تخطى التلقيح 12% من مجموع السكان في لبنان. 

إن تحليل أبرز المجاميع الماكرو-اقتصادية لهذا العام يظهر أن الاستهلاك الخاص تأثّر سلباً بالأزمة الاقتصادية عموماً ناهيك عن تأثير أزمة كورونا على السلوك الاستهلاكي. كما أنّ الاستثمار الخاص تلقى ضربة قاسية جراء المخاوف المتنامية بشأن الآفاق السياسية والاقتصادية للبلاد.

وقد واصلت معظم المؤشرات تقلصها خلال النصف الأول من العام 2021 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2020، في ظل التجاذبات السياسية الداخلية المستمرة، والمخاوف الماكرو-اقتصادية والنقدية المتنامية. فيما يبدو أنّ قطاعي السياحة والعقارات هما الوحيدان اللذان استعادا بعضاً من نشاطهما هذا العام في ظل الأسعار المحلية الجاذبة وجراء عودة الملاحة الجوية عالمياً، حيث سجّل عدد المسافرين عبر مطار بيروت والمبيعات العقارية زيادات لافتة.   

إن تطور مؤشرات القطاع الحقيقي هذا العام إنما يعكس أداء الاقتصاد الوطني الآخذ في الانكماش. فالمؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان، وهو متوسط مثقل لعدد من مؤشرات القطاع الحقيقي، سجل تقلصاً سنوياً نسبته 44.1% في الشهرين الأولين من العام 2021. ومن ضمن المؤشرات التي سجلت نمواً سلبياً في النصف الأول من العام 2021، نذكر عدد مبيعات السيارات الجديدة (-49.1%)، وكميّات الإسمنت المسلَّمة (-33.3%)، وقيمة الشيكات المتقاصة (-22.1%). أما المؤشرات التي سجّلت نمواً إيجابياً فهي رخص البناء الممنوحة (+326.6%) وعدد المسافرين عبر مطار بيروت (+18.7% سنوياً) وقيمة المبيعات العقارية (+9.6% سنوياً) وحجم البضائع في المرفأ (+7.4% سنوياً) في النصف الأول من العام 2021.

على الصعيد النقدي، سجل مؤشر أسعار الاستهلاك نمواً نسبته 143% في حزيران 2021 بالمقارنة مع حزيران 2020، وفق مؤسسة البحوث والاستشارات. وانخفضت احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي بقيمة 3.5 مليار دولار في النصف الأول من العام 2021 في ظل التدخل في سوق القطع وتمويل استيراد المواد الأساسية. في موازاة ذلك، أقرّ المجلس النيابي مشروع البطاقة التمويلية بقيمة 556 مليون دولار سنوياً، وبمتوسط 93 دولار للأسرة الواحدة شهرياً على أن تمنح لـ500 أسرة محتاجة، في موازاة ترشيد ممكن للدعم.

على صعيد القطاع المصرفي، أظهرت آخر الإحصاءات المصرفية تراجعاً مستمراً في النشاط خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021 وإن بوتيرة أبطأ بشكل ملحوظ عما كانت عليه خلال الفترة نفسها من العام الماضي. في الواقع، إن النشاط المصرفي المقاس على أساس إجمالي الموجودات المجمّعة للمصارف العاملة في لبنان، قد تراجع بقيمة 4.7 مليار دولار، أو ما نسبته 2.5% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021، في حين كان قد تراجع بقيمة 12.9 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام 2020 (أو ما نسبته 6.0%). وفي ما يخصّ الرسملة، بلغت الأموال الخاصة للمصارف زهاء 17.0 مليار دولار في نهاية أيار 2021 مقابل 19.9 مليار دولار في نهاية العام 2020 و20.7 مليار دولار في نهاية العام 2019. ويعزى هذا التراجع في الأموال الخاصة إلى الخسائر التي تكبّدتها المصارف إبان هذه الفترة على الرغم من جهود ضبط الكلفة، نتيجة حاجات كبيرة الى رصد المؤونات تجاه مخاطر الدولة والقطاع الخاص على السواء.

أما في ما يتعلّق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، فلم تعكس سوق الأسهم التخبّط الاقتصادي في النصف الأول من العام 2021. إذ سجّل مؤشر الأسعار ارتفاعاً لافتاً نسبته 30%، مدعوماً بشكل أساسي من أسهم "سوليدير" التي قفزت أسعارها بنحو 35% خلال النصف الأول من العام في ظل سعي المستثمرين لتجنب أي اقتطاع قد يطال رساميلهم. ويأتي ذلك في ظل نمو سنوي في قيمة التداول الاسمية بنسبة 57.4%، من 119 مليون دولار في النصف الأول من العام 2020 إلى 188 مليون دولار في النصف الأول من العام 2021.

في ما يلي تحليل مفصّل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي خلال النصف الأول من العام 2021، في حين تشمل الملاحظات الختامية تقييماً للأوضاع النقدية، وأسباب تدهور سعر صرف الليرة والتحديات النقدية القادمة.

 

السِّمات الظرفيّة

القطاع الاقتصادي الحقيقي

الزراعة والصناعة

تضرّر نسبي للقطاعين الزراعي والصناعي

ما زال القطاع الزراعي اللبناني يعاني من عدم كفاية التمويل ومن ضعف النمو، خصوصاً بسبب قلّة استخدام المعدّات الحديثة وعدم فعاليّة تقنيات الإنتاج. ولا تزال المخزونات المائية غير كافية لغياب برامج الري المدروسة والسدود اللازمة لاستخدام فوائض مياه الأمطار في الريّ وسواه من الاستعمالات. كذلك، تضرّر القطاع من القرار الذي اتّخذته المملكة العربية السعودية في نيسان الماضي بوقف استيراد الفواكه والخضار اللبنانية.

وقد سعى شركاء قطاع الأمن الغذائي والزراعة الى التخفيف من أضرار الأزمة على المواطنين بتقديم معونة غذائية وبدعم سبل العيش الزراعية، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. غير أن التدخّلات الرامية الى مساندة الأنشطة الزراعية تأثّرت سلباً بقرارات الحجر والإقفال المتعاقبة التي استوجبها احتواء انتشار وباء كورونا. بالرغم من ذلك، أمكن إيصال مساعدة الى نحو ألف من صغار المزارعين الذين استفادوا من هبة مالية أو من قسائم شرائية. وبلغ مجموع ما دُفع للمزارعين 200 ألف دولار أميركي لتسهيل حصولهم على المُدخلات الزراعية، كما أن الدعم المقدّم للتعاونيات الزراعية مكّن 529 عضواً من أعضائها من الإستفادة من برامج تدريبية في مجال خطط الأعمال والتغذية.

وتجدر الإشارة الى أن شركة ريسيغروب Recygroup الفرنسيّة تسعى الى تحويل أطنان الحبوب المتحلّلة في مرفأ بيروت المدمّر الى سماد زراعي. وسوف تخصّص هذه المؤسّسة، بالشراكة مع شركة مونديس    Mondis اللبنانية حوالى 1.5 مليون دولار لتحويل القمح الى استخدام جديد في الحقل الزراعي.

أما على صعيد القطاع الصناعي اللبناني، فهو يبدو على شفير أزمة كبرى. ويعود ذلك الى عوامل عدّة تؤثّـر تــؤثّـر سلباً على حسن سير المصانع اللبنانية، وبخاصة النقص في المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي. والجدير بالذكر أن الصادرات الصناعية تراجعت بنسبة تقارب 47.0% في الشهرين الأولين من السنة الحالية.

باختصار، إن الأزمات المتعدّدة التي تعانيها البلاد تنعكس سلباً على القطاعين الزراعي والصناعي، لأن النقص في السلع الأساسية لتسيير عمل هذين القطاعين يؤدّي الى تراجع كبير في أدائهما.

 

1-1-2-البناء

انتعاش حركة البناء والقطاع العقاري في النصف الأول من 2021

 

في النصف الأول من العام الحالي، استعاد قطاع العقارات والبناء شيئاً من عافيته، لا سيّما بسبب أداء أفضل مسجَّل بوجه خاص في الفصل الثاني من السنة، بعد تباطؤ في الفصل الأول.

من ناحية الطلب، ارتفع عدد عمليات البيع من 27216 عملية في النصف الأول من العام 2020 الى 39274 عملية في النصف الأول من العام 2021، حسب آخر الإحصاءات الصادرة عن المديرية العامة للمساحة والسجلّ العقاري.

توازياً، ارتفعت قيمة المبيعات العقارية في النصف الأول من العام 2021 بنسبة 9.6% لتبلغ 5912.6 مليون دولار أميركي، وكانت أبرز الزيادات في المبيعات هي المسجّلة في المناطق الآتية: لبنان الشمالي (+104.9%) النبطيّة (+54.9%) والجنوب (+51.8%). في هذا السياق، انخفض متوسط قيمة الصفقة العقارية من 198276 دولاراً أميركياً في النصف الأول من 2020 الى 150547 دولاراً في النصف الأول من 2021. وفي ما يخصّ توزّع قيمة المبيعات العقارية، لا تزال بيروت تستأثر بالحصة الأكبر منها، وهي 15.7% تليها منطقة كسروان (11.7%). من جهة أخرى، تحسّنت أيضاً قيمة الرسوم العقارية المستوفاة بما نسبتُه 38.6% على أساس سنوي، بارتفاعها من 218.2 مليون دولار أميركي في النصف الأول من العام 2019 الى 302.5 مليون دولار.

أما من ناحية العرض، فإن المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة، والتي تشكّل مؤشّراً على حركة البناء المستقبلية، زادت بما يفوق 100% في النصف الأول من العام 2021، تعبيراً عن اهتمام مثير للجدل بقطاع البناء الذي يشهد ارتفاعاً في الأسعار بسبب تقلّبيّة سعر الصرف في السوق السوداء وعدم استقرار الأوضاع الإجتماعية-الإقتصادية والسياسية.

في الواقع، بلغت مساحة رخص البناء الجديدة 3425278 متراً مربّعاً في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021 مقابل 802996 متراً مربّعاً في الفترة ذاتها من العام 2020. وقد جاء هذا الأداء عقب تراجع سنوي بنسبة 73.8% مسجّل في الفترة نفسها من العام 2020، وذلك خصوصاً بسبب حالة التعبئة العامة المفروضة في لبنان خلال تلك الفترة. ويبيّن التوزّع الجغرافي لهذه الرخص أن معظم المناطق سجّلت ازدياداً في مساحات الرخص الجديدة بنسبة تفوق 100% إبان الفترة قيد الدرس.

وفي ما يخصّ التوزّع العام لرخص البناء، فإن محافظة جبل لبنان ما زالت تستأثر بحصة الأسد من مجموع مساحات الرخص الجديدة الممنوحة في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021 (30.4%)، يليها محافظة لبنان الجنوبي (22.5%) ثم لبنان الشمالي (22.1%) فالنبطيّة (12.4%) فالبقاع (11.6%) وبيروت (1.0%).

وعليه، يبدو أن القطاع أخذ يتعافى نسبياً في النصف الأول من السنة الحالية، مع نمو النشاط من ناحيتي العرض والطلب. أما التحدّي الذي يبقى قائماً، فيكمن في جعل هذا التحسّن مستديماً، لا سيّما في ظلّ الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان.

 

1-1-3- التجارة والخدمات

بقي القطاع الثالث رازحاً تحت الضغط في النصف الأول من 2021، باستثناء السياحة

في ظلّ خلافات سياسية داخلية، وضبابيّة ماكرو- اقتصادية متزايدة ومخاوف نقدية متعاظمة، بقي أداء القطاع الثالث ضعيفاً خلال النصف الأول من العام 2021، باستثناء السياحة التي استعادت شيئاً من حيويّتها هذه السنة بفضل الأسعار المحلية المتهاودة والنفاذ الى سوق السفر العالمية.

على صعيد حركة المطار، تدلّ أرقام مطار رفيق الحريري الدولي أن عدد المسافرين سجّل ارتفاعاً بنسبة 18.7% في النصف الأول من العام 2021. كما ازداد عدد الرحلات الجوية بنسبة 18.5% في الفترة ذاتها. وبالتفصيل، ازداد عدد المسافرين القادمين بنسبة 29.6% وعدد المسافرين المغادرين بنسبة 9.0% على أساس سنوي ليبلغا على التوالي 730794 مسافراً و684205 مسافرين. أما المسافرون العابرون فارتفع عددهم من 15044 راكباً في النصف الأول من العام 2020 الى 27773 راكباً في النصف الأول من العام 2021. وعليه، بلغ العدد الإجمالي لمستخدمي المطار 1442772 شخصاً، أي بزيادة نسبتُها 19.6%.

وفي ما يخصّ حركة الطيران، انخفض عدد رحلات الطيران القادمة والمغادرة بنسبة 18.5% على أساس سنوي، ليبلغ الأول 7532 رحلة والثاني 7520 رحلة في النصف الأول من السنة الحالية. أما في ما يتعلّق بحجم عمليات الشحن عبر المطار، فقد تمّ استيراد وتفريغ 13262 ألف طن وتحميل وتصدير 22501 ألف طن في النصف الأول من العام 2021.

وبحسب "مسح القطاع الفندقي في الشرق الأوسط " الذي تجريه مؤسّسة إرنست إند يونغ، فقد سجّل أداء القطاع الفندقي اللبناني تحسّناً ملحوظاً، كما يُستدلّ من نسبة الإشغال ومتوسط أسعار الغرف ومتوسط مردود الغرف في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021. ففي الواقع، بلغ معدل إشغال فنادق العاصمة اللبنانية من فئتَيْ 4 و5 نجوم 33% في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2021 مقابل 19% في الفترة ذاتها من العام 2020. ولعلّ هبوط سعر الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي قد شرّع أبواب بيروت أمام مصطافين أكثر تأثّراً بعامل السعر، ما أتاح زيادة نسبة الإشغال. في موازاة ذلك، يبدو أن استئناف النشاطات الاقتصادية والترفيهية وانخفاض عدد حالات المصابين بوباء كورونا، ساعدا الفنادق على استقطاب أعدادٍ أكبر من الوافدين مقارنةً مع السنة الماضية.

الى ذلك، بيّنت إحصاءات شركة غلوبال بلو التي تسدّد للسيّاح على النقاط الحدودية الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة، أن قيمة المشتريات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة، والتي تعطي صورة صادقة عن الميول الشرائية للسيّاح، ارتفعت بنسبة 232% في النصف الأول من العام 2021 مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام 2020. ويعود هذا الارتفاع بصورة خاصة الى الزيادة الكبرى المسجّلة خلال الفصل الثاني من السنة.

وتظهر آخر الإحصاءات الصادرة عن مرفأ بيروت أن عائدات المرفأ سجّلت في الأشهر الستة الأولى من العام 2021 انخفاضاً بنسبة 11.6% مقارنةً مع الفترة ذاتها من السنة السابقة. في موازاة ذلك، ارتفع عدد الحاويات في المرفأ بنسبة 17.4% على أساس سنوي ليبلغ 248323 حاوية في النصف الأول من العام 2021، فيما انخفض عدد البواخر الراسية في المرفأ بنسبة 16.7% على أساس سنوي ليبلغ 614 باخرة في الأشهر الستة الأولى من العام 2021. وعليه، زاد حجم البضائع بنسبة 7.4% ليبلغ 2412000 طن في النصف الأول من العام 2021 بعدما كان قد انخفض بنسبة 36.0% في الفترة ذاتها من العام 2020.

أخيراً، فإن القيمة الإجمالية للشيكات المتقاصة، والتي تشكّل مؤشّراً ثانوياً على الإنفاق الإجمالي في الإقتصاد المحلّي، انخفضت بنسبة 22.1% على أساس سنوي في النصف الأول من العام 2021، بسبب تراجع الإنفاق في الفترة المعنيّة. وبلغت قيمة الشيكات المتقاصة 20603 ملايين دولار أميركي في النصف الأول من العام 2021 مقابل 26456 مليون دولار أميركي في النصف الأول من العام 2020. ويبيّن توزّع هذه الشيكات حسب نوع العملة أن قيمة الشيكات المحرَّرة بالليرة اللبنانية بلغت 13905 مليارات ليرة لبنانية (-3.0% على أساس سنوي) في الأشهر الستة الأولى من العام 2021 فيما بلغت قيمة الشيكات المحرّرة بالعملة الأجنبية 11379 مليون دولار أميركي (-32.8% على أساس سنوي). توازياً، بلغ العدد الإجمالي للشيكات المتقاصّة 1881673 شيكاً في النصف الأول من العام 2021 مقابل 3041067 شيكاً في الفترة ذاتها من العام 2020، أي بتراجع نسبتُه 38.1%. وعليه، يكون متوسط قيمة الشيك المتداول في المقاصة قد ارتفع بنسبة 25.9% على أساس سنوي ليبلغ 10949 دولاراً أميركياً في النصف الأول من العام 2021. أما قيمة الشيكات المرتجعة فبلغت 275 مليون دولار أميركي في النصف الأول من العام 2021، أي بانخفاض نسبتُه 51.7% على أساس سنوي، فيما انخفض عدد هذه الشيكات المرتجعة من 79671 شيكاً في النصف الأول من العام 2020 الى 15361 شيكاً في الفترة ذاتها من العام 2021.

 

1-2- القطاع الخارجي

انخفاض التدفّقات المالية الوافدة بنسبة 12% مع ارتفاع العجز التجاري بنسبة 9%

تبيّن آخر الإحصاءات الصادرة عن المديرية العامة للجمارك أن الواردات بلغت 1949 مليون دولار أميركي في الشهرين الأولين من العام 2021، بتراجعٍ نسبتُه 7.5% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام 2020، بينما بلغ مجموع الصادرات 384 مليون دولار، بتراجعٍ نسبتُه 43.0% في الفترة ذاتها. ومن جرّاء ذلك، بلغ العجز التجاري للبنان 1565 مليون دولار، بارتفاعٍ نسبتُه 9.3% قياساً على الفترة نفسها من السنة الماضية.

وفي موازاة عجزٍ تجاري أكبر خلال شهرَيْ كانون الثاني وشباط 2021، اتّسع عجز ميزان المدفوعات من 505 مليون دولار أميركي في الشهرين الأولين من العام 2020 الى 751 مليون دولار في الشهرين الأولين من السنة الجارية. ويعود ذلك الى انخفاض التدفّـقات المالية الوافدة من 924 مليون دولار الى 814 مليون دولار، أي بما نسبتُه 11.9%.

يبيّن توزّع الواردات حسب أنواع السلع والمنتجات في الشهرين الأولين من العام 2021 أن التراجع الأكبر بين أنواع الواردات الرئيسية طاول الأسلحة بنسبة 100% قياساً على الفترة ذاتها من العام 2020، يليه تراجع كبير للواردات من الجلد والفرو (-60%) تلتها الواردات من الأحذية والقبعات (-54.4%) ثم من المنتجات المنجمية (-38.8%) فمن النسيج والمنتجات النسيجية (-38.2%) فمن المجوهرات (-23.1%) ومن المواشي والمنتجات الحيوانية (-9.9%) فالواردات من المعدّات والمنتجات الكهربائية (-5.9%). من جهة أخرى، كانت أهم أنواع الواردات التي شهدت زيادة في الفترة المعنيّة هي السيارات والمركبات (+74.0%) تلتها الزيوت والشحوم (+66.7%) ثمّ المنتجات الإسمنتية والحجرية (+64.7%) فالمنتجات البلاستيكية (+63.6%) والأخشاب والمنتجات الخشبية والتحف (+50%).

أما توزّع الواردات حسب بلدان المنشأ في الفترة ذاتها، فيُظهر أن تلك الآتية من رومانيا شهدت التراجع الأكبر (-45.5%) تلتها الواردات من إيطاليا (-22.4%). أما الواردات الآتية من كوريا الجنوبية فقد زادت بنسبة 450%، تلتها الواردات من الولايات المتحدة الأميركية (+324.2%) ثم من البرازيل (+257.1%) ومن الصين (+215.1%) واليابان (+214.3%) وإسبانيا (+183.3%) وهولندا (+175.0%) في الشهرين الأولين من العام 2021.

في المقابل، يبيّن توزّع الصادرات حسب أنواع السلع والمنتجات في الشهرين الأولين من العام 2021 أن التراجع الأبرز بين فئات الصادرات الرئيسية، على أساس سنوي، أصاب الصادرات من الأحذية والقبعات (-75.0%) تلتها الصادرات من المجوهرات (-67.7%) ثم من الجلد والفرو (-66.7%) فمن النسيج والمنتجات النسيجية، والإسمنت والمنتجات الحجرية، والمنتجات المنجميّة، والأجهزة السمعية-البصرية (-50.0% لكل منها). وتجدر الإشارة الى أن الحيوانات والمنتجات الحيوانية المنشأ وكذلك التحف سجّلت زيادة بنسبة 300% خلال الفترة ذاتها، مشكّلةً ما نسبته 3.1% من مجموع الصادرات.

أما توزّع الصادرات حسب بلدان المقصد في الفترة ذاتها من العام 2021، فيُظهر أن الصادرات الى سويسرا هي التي عرفت التراجع الأكبر (-62.6% على أساس سنوي)، تلتها الصادرات الى تركيا (-53.3%) ثم الى نيجيريا (-50.0%) فإلى فرنسا (-40.0%) فإلى ألمانيا (-33.3%). في المقابل، زادت الصادرات الى كوريا الجنوبية بنسبة كبيرة بلغت 175.0% تلتها الصادرات الى إيطاليا (+150.0%) ثم الى مصر (-111.1%) فإلى قطر (+90.9%) والكويت (+83.3%) على أساس سنوي في الشهرين الأولين من العام 2021.

أخيراً، تجدر الإشارة الى أن الصادرات المشحونة بـحراً عبر مرفأ بيروت تشكّل القسم الأكبر من الصادرات اللبنانية، إذ بلغت قيمتها 184 مليون دولار أميركي في الشهرين الأولين من العام 2021، بانخفاضٍ نسبتُه 15.0% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام 2020، تلتها الصادرات عبر المطار (131 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام 2021، بتراجع نسبتُه 32.8%). وفي الفترة نفسها، بلغت قيمة الصادرات عبر مرفأ طرابلس 24 مليون دولار، مسجّلةً زيادة نسبتُها 41.2%. أخيراً، بلغت قيمة الصادرات المرسلة برّاً عبر سورية 35 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام 2021، متراجعةً بنسبة 75.0% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام 2021.

 

1-3-القطاع العام

تراجع ملحوظ في عجز الموازنة بالقيم المطلقة والنسبية

في حين لم يتوافر بعدُ أيُّ رقم من أرقام المالية العامة لسنة 2021، فإن الإحصاءات المالية التي نُشرت عن العام 2020 تبيّن أن ثمّة وفورات كبيرة في عجز الموازنة سُجّلت في السنة الماضية. ففي الواقع، مع الانخفاض الكبير لخدمة الدين نتيجة توقف الدولة عن سداد دينها بالعملات الأجنبية، من جهة، والجهود التقشّفية، من جهة ثانية، انخفض عجز الموازنة العامة من 8799 مليار ليرة لبنانية في العام 2019 الى 4083 مليار ل.ل. في العام 2020، أي بتراجعٍ نسبتُه 53.6%. وقياساً على النفقات، انخفضت نسبة عجز المالية العامة من 34.5% في 2019 الى 21.0% في 2020. أما قياساً على الناتج المحلّي الإجمالي، فقد تقلّصت نسبة عجز الموازنة من 9.7% الى 3.7%.

يعود القسم الأكبر من الوفر المحقَّق في عجز الموازنة الى انخفاض الفوائد المدفوعة خلال السنة، من 8068 مليار ل.ل. في العام 2019 الى 2917 مليار ل.ل. في العام 2020. ونتج هذا الإنخفاض بمعظمه عن تراجع الفوائد المدفوعة على الدين بالعملة الأجنبية بنسبة 92.8% بينما انخفضت الفوائد المدفوعة على الدين بالعملة الوطنية بنسبة 44.3% خلال الفترة ذاتها. وإذا استثنينا خدمة الدين، يكون العجز الأولي قد تضاعف فعلياً، من 433 مليار ل.ل. الى 977 مليار ل.ل. وتكون نسبة العجز الأولي من النفقات قد ارتفعت من 1.7% في العام 2019 الى 5.0% في العام 2020 فيما تكون نسبة العجز الأولي من الناتج المحلّي الإجمالي قد ارتفعت من 0.5% في 2019 الى 1.0% في 2020.

إن تقلّص عجز الموازنة جاء نتيجة انخفاض النفقات العامة بنسبة 23.8% مقابل انخفاض الإيرادات العامة بنسبة 8.0%. فالنفققات العامة تراجعت من 25479 مليار ل.ل. في العام 2019 الى 19425 مليار ل.ل. في العام 2020. والإيرادات العامة تراجعت من 16680 مليار ل.ل. الى 15342 مليار ل.ل. في الفترة ذاتها. ويعود تراجع الإيرادات العامة الى الأزمة الاقتصادية التي أسفرت عن انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي الفعلي بنسبة 25% حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

وقد تأتّى تقلّص النفقات العامة عن انخفاض نفقات الموازنة بنسبة 27.2% في العام 2020 مقابل ارتفاع نفقات الخزينة بنسبة 19.8%. ونتج انخفاض نفقات الموازنة بخاصة عن انخفاض الفوائد المدفوعة خلال السنة بنسبة 63.8% كما عن تراجع التحويلات الى مؤسّسة كهرباء لبنان بنسبة 38.6% في ظل الانخفاض الكبير لأسعار المشتقات النفطية طوال السنة الماضية، ما خفّض فاتورة الفيول المستورد لصالح كهرباء لبنان. وتجدر الإشارة الى أن أسعار النفط في العام 2020 انخفضت في المتوسط بنسبة 22.4% مقارنةً مع العام 2019.

كذلك، يعود انخفاض الإيرادات العامة الى تراجع إيرادات الموازنة بنسبة 13.9% مقابل تضاعف ايرادات الخزينة تقريباً خلال الفترة المذكورة. وقد نتج تراجع ايرادات الموازنة بدوره عن انخفاض الإيرادات الضريبيّة بنسبة 16.4% بينما انخفضت الإيرادات غير الضريبيّة بنسبة 4.3% فقط، ذاك أن عائدات قطاع الاتصالات، التي تمثّل القسم الأكبر من الإيرادات غير الضريبيّة، ارتفعت بنسبة 6.4% في السنة الماضية. وتجدر الإشارة الى أن معظم أبواب الإيرادات الضريبيّة تراجعت في العام الفائت، فإيرادات الضريبة على القيمة المضافة انخفضت بنسبة 42.8% والإيرادات الجمركية بنسبة 28.4% والايرادات الضريبية المختلفة بنسبة 16.4%. ومن المفارقات أن رسوم تسجيل العقارات ارتفعت بنسبة 109.5% في ظلّ الإزدياد الكبير للصفقات العقارية خلال السنة الماضية، وتزايد اللجوء الى القطاع العقاري كملاذ آمن.

في موازة ذلك، أظهرت ارقام الدين العام الصادرة عن وزارة المالية أن الدين العام الإجمالي بلغ ما يعادل 97.3 مليار دولار أميركي في نهاية شهر آذار 2021، بارتفاع نسبتُه 4.4% مقارنةً مع نهاية آذار 2020. وقد ارتفع الدين الداخلي بنسبة 3.9% قياساً على نهاية آذار 2020 ليصل الى 91.3 مليار ل.ل. في نهاية آذار 2021. أما الدين الخارجي فازداد بنسبة 6.0% مقارنةً مع نهاية آذار 2020 ليستقرّ على ما يقارب 36.7 مليار دولار أميركي في نهاية آذار 2021.

في هذا السياق، زادت ودائع القطاع العام لدى المصرف المركزي بنسبة 6.0% قياساً على ما كانته في نهاية آذار 2020 لتصل الى 4.7 مليار دولار أميركي في نهاية آذار 2021. أما ودائع القطاع العام لدى المصارف التجارية فزادت بنسبة 17.5% مقارنةً مع نهاية آذار 2020 لتصل الى 5.8 مليار دولار أميركي في نهاية آذار 2021. وعليه، يكون الدين العام الصافي، بعد تنزيل ودائع القطاع العام لدى المصرف المركزي والمصارف التجارية، قد ازداد بنسبة 4.1% قياساً على نهاية آذار 2020 ليصل الى ما مجموعه 86.8 مليار دولار أميركي في نهاية آذار 2021. اخيراً، يجدر التذكير بأن الدولة أعلنت التوقف عن سداد دينها بالنقد الأجنبي في آذار 2020 ولم تسدّد سندات اليوروبوند المستحقّة عليها.

 

1-4 القطاع المالي

1-4-1-  الوضع النقدي

انهيار كبير لسعر الليرة اللبنانية في السوق السوداء وانخفاض متواصل لاحتياطيّات القطع الأجنبي

في النصف الأول من العام 2021، هبط سعر صرف الليرة اللبنانية الى أدنى مستوياته في موازاة انخفاض احتياطيّات القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي واستمرار الضبابيّة السياسية. وفي هذا المناخ، أقــرّ مجلس النواب مشروع قانون يرمي الى توزيع بطاقات تمويلية على الأُسر اللبنانية الأكثر حاجة، بالتوازي مع احتمال ترشيد الدعم.

وفي الوقت الذي يعاني لبنان أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، واصلت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان تراجعها في النصف الأول من العام الحالي لتبلغ 20.6 مليار دولار أميركي في نهاية حزيران مقابل 24.1 مليار دولار في نهاية العام 2020، أي بما قيمته 3.5 مليار دولار في ظلّ تنقيدٍ مستمر للعجز من قبل مصرف لبنان ودعم السلع الأساسيّة وتمويل منصّة "صيرفة" الجديدة. وإذا استثنينا سندات اليوروبوندز المملوكة من مصرف لبنان، والمقدَّرة بـخمسة مليارات دولار، والتسهيلات الممنوحة من المصرف المركزي للمصارف التجارية بالنقد الأجنبي، تكون الإحتياطيّات السائلة بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان قد تراجعت حسب تقديرنا الى أقلّ من 15 مليار دولار أميركي.

وفي ظلّ انخفاض احتياطيّات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، والفقدان التام لعامل الثقة، والنقص الكبير في العملات الأجنبية، والإفراط في خلق النقد بالليرة اللبنانية واستمرار الضبابية السائدة على الساحة السياسية في ما يخصّ مستقبل البلد، انهار سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي في السوق السوداء الى مستوياتٍ غير مسبوقة خلال النصف الأول من العام 2021، متخطّياً عتبة الـــ 17000 ل.ل./الدولار الواحد في نهاية حزيران 2021 مقابل 8400 ل.ل./الدولار الواحد في نهاية العام 2020. في هذه الأوضاع وبهدف الحفاظ على ما تبقّى من احتياطيات القطع الأجنبي، أقـرّ مجلس النواب في نهاية حزيران 2021 مشروع قانون يرمي الى توزيع بطاقات تموينية مسبقة الدفع على الأسَر المحتاجة، ما قد يفسح المجال أمام ترشيدٍ محتمل لسياسة الدعم المتّبعة للسلع الأساسية.

في هذا السياق، تجدر الإشارة الى أن السوق السوداء للعملات الأجنبية واصلت تقلّباتها الشديدة خلال شهر تموز 2021، بحيث سجّلت الليرة اللبنانية أدنى مستوياتها التاريخية بسعر 23000 ل.ل./الدولار الواحد قبل أن تعود وتتحسّن الى 18600 ل.ل./الدولار الواحد في نهاية تموز، وذلك على أمل أن يؤدّي تعيين رئيس وزراء مكلّف جديد الى تسريع تشكيل حكومة جديدة تعكف على تنفيذ الإصلاحات المنتظرة منذ مدة طويلة وتحرّر المساعدات الدولية التي لا يزال لبنان بأمسّ الحاجة اليها.

والحالة هذه، ظلّت تسود سوق القطع اللبنانية في النصف الأول من العام 2021 أسعار صرف عدّة، تشمل سعر الصرف الرسمي (1507.5 ل.ل./الدولار الواحد) والسعر الذي حدّدته المصارف لزبائنها من أصحاب الحسابات بالدولار الأميركي كي يسحبوا ودائعهم جزئياً بالليرة اللبنانية (3900 ل.ل/ الدولار)، والسعر الذي حدّدته منصّة الصرف الجديدة بـــ 12000 ل.ل./الدولار، وسعر صرف الليرة/الدولار في السوق السوداء.

توازياً، بلغت الإكتتابات الإجمالية للقطاع المالي (المصارف ومصرف لبنان) بسندات الخزينة بالليرة 7205 مليارات ليرة خلال النصف الأول من العام 2021 مقابل 6115 مليار ليرة في الفترة ذاتها من العام 2020، أي بارتفاع نسبتُه 17.8% على أساس سنوي، بعد انخفاضها بنسبة 19.3% في العام 2020. وتجدر الإشارة الى أن السندات ذات المردود الأعلى والأجَل الأطول، ولا سيّما السندات من فئة 5 و7 و10 سنوات، شكّلت ثلثي الإكتتابات الإجمالية في النصف الأول من السنة الجارية.

وقد واصل مصرف لبنان في النصف الأول من العام 2021 تأدية دور الوساطة بين الدولة والمصارف، كما يدلّ على ذلك نمو محفظته من سندات الخزينة بالليرة بما قيمته 643 مليار ليرة، بعدما كانت قد زادت بقيمة 3011 مليار ليرة في العام 2020. وفي ما يخصّ معدلات الفوائد، فقد ظلّت معدلات الفوائد على سندات الخزينة بالليرة مستقرّة في النصف الأول من العام 2021 حيث راوحت بين 3.50% على فئة الثلاثة أشهر و7.0% على فئة العشر سنوات، عقب خفض عموم معدلات الفوائد على سندات الخزينة في العام 2020.

في ما يخصّ شهادات الإيداع، تقلّصت المحفظة الإجمالية لشهادات الإيداع بالليرة في النصف الأول من العام 2021، فتراجعت قيمتها من 45211 مليار ليرة في نهاية كانون الأول 2020 الى 43245 مليار ليرة في نهاية حزيران2021، أي بانخفاض قدره 1966 مليار ليرة مقابل انخفاض بقيمة 2832 مليار ليرة في العام 2020.

وبالنسبة الى المستقبل، وفي حال أدّى تعيين رئيس وزراء مكلّف جديد الى تشكيل حكومة "مهمة" منتظرة منذ مدة، تباشر سريعاً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية وتحصل على مساعدة مالية دولية، فإن من شأن ذلك أن يسهم في استعادة الثقة وفي احتواء الضغوط على سوق القطع السوداء.

 

 

          1-4-2- النشاط المصرفي

     تقلّص النشاط المصرفي، ارتفاع دولرة الودائع وتراجع دولرة التسليفات

يبيّن تحليل الإحصاءات المتعلّقة بالقطاع المصرفي في الأشهر الستة الأولى من العام 2021 سمات أداء القطاع والاتّجاهات المالية التالية:

-تراجع مطّرد للنشاط المصرفي هذه السنة، وإن بدرجة أقلّ منه في الفترة ذاتها من العام 2020. فهذا النشاط، المُقاس بإجمالي موجودات المصارف، تقلّص بقيمة 7.0 مليار دولار أميركي خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2021 (ما يعادل -3.7%) مقابل انحساره بقيمة 15.7 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2020 (ما يعادل -7.2%).

-تراجع أبطأ في ودائع الزبائن مردّه إلى القيود على السحوبات كما إلى تسديد القروض بوتيرة أقل عما كان عليه من قبل: ودائع الزبائن، والتي تشكل المحرك الرئيسي للنشاط المصرفي، تقلصت بقيمة 4.9 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام 2021 بالمقارنة مع تقلص أبرز قيمته 14.4 مليار دولار في الفترة عينها من العام 2020. ويعزى هذا التراجع الأبطأ إلى القيود على السحوبات كما إلى تسديد القروض بوتيرة أقل عما كان عليه من قبل. فقد انخفضت التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص بقيمة 4.3 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام 2021 بالمقارنة مع تقلص أكبر قيمته 8.4 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2020.

-يعود التراجع بخاصة الى نشاط العملاء المقيمين: فتوزّع الودائع والقروض حسب محل إقامة الزبائن يُظهر أن القسم الأكبر من هذا التراجع عائد لنشاط المقيمين. ففي الواقع، انخفضت ودائع المقيمين بقيمة 4 مليار دولار أميركي في الأشهر الستة الأولى من العام 2021، بينما انخفضت ودائع غير المقيمين بقيمة 0.9 مليار دولار. كذلك، تراجعت التسليفات للقطاع المقيم بقيمة 3.8 مليار دولار أميركي مقابل تراجع التسليفات لغير المقيمين بقيمة 0.5 مليار دولار.                                                          

-وصلت دولرة الودائع الى أعلى مستوى لها منذ 28 سنة، أي الى 80.3% في حزيران الماضي، بينما تراجعت دولرة التسليفات الى أدنى مستوى لها منذ 34 سنة، وهو 58.4%. إن ارتفاع دولرة الودائع عائد الى وتيرة السحوبات الأكبر بالليرة اللبنانية منها بالعملات الأجنبية كما الى التحويلات المتواصلة لموجودات بالليرة الى موجودات بالعملات الأجنبية. ويعود انخفاض دولرة التسليفات الى أن المقترضين يسدّدون قروضاً بالعملات الأجنبية أكثر منها بالليرة اللبنانية، نظراً لاحتمال هبوط سعر الليرة اللبنانية في السوق الرسمية. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام 2021، تراجعت القروض بالعملات الأجنبية بقيمة 2.9 مليار دولار أميركي بينما تراجعت القروض بالليرة بما يعادل 1.4 مليار دولار أميركي.

-واصلت معدلات الفائدة على الودائع بالليرة منحاها التراجعي الى أدنى مستوى لها في حزيران الماضي حيث بلغ متوسط معدلات الفائدة الدائنة بالليرة اللبنانية 1.84% في حزيران 2021، أي بانخفاضٍ قدره 80 نقطة أساس منذ بداية السنة (بعد تراجعها بمقدار 472 نقطة أساس في العام 2020)، بينما بلغ متوسط الفائدة الدائنة بالدولار الأميركي 0.39% في حزيران 2021، أي بانخفاضٍ قدره 55 نقطة أساس منذ بداية السنة (بعد انخفاضها بمقدار 368 نقطة أساس في العام 2020). وعليه، يكون الفارق بين معدلات الفائدة الدائنة بالليرة ومعدلات الفائدة الدائنة بالدولار قد بلغ حدّاً أدنى قدره 1.45%(مقابل 1.70% في كانون الأول 2020 و2.74% في كانون الأول 2019)، فيما بلغ الفارق بين معدل الفائدة الدائنة بالدولار ومعدل ليبور لثلاثة أشهر مستوى غير مسبوق قدره 0.24% في حزيران 2021 (مقابل 0.70% في كانون الأول 2020 و2.71% في كانون الأول 2019).

-تراجع انكشاف المصارف على سندات الدين الحكوميّة مع تقلّص محفظتها من سندات اليوروبوند. فقد واصلت محفظة سندات اليوروبوند لدى المصارف انخفاضها هذه السنة لتبلغ 8.2 مليار دولار أميركي في نهاية حزيران 2021 مقابل 9.4 مليار دولار أميركي في نهاية كانون الأول 2020 و13.8 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2019. أما نسبة هذه المحافظ من ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية، فتراجعت من 11.4% في نهاية 2019 الى 8.4% في نهاية 2020 فإلى 7.6% في نهاية حزيران 2021. وعليه، فإن محفظة سندات الدين الحكومية المملوكة من المصارف توازي اليوم 0.50 مرّة أموالها الخاصة مقابل ضعفَيْ هذه الأموال قبل زهاء 15 سنة.

-إن الأموال الخاصة آخذة في الانخفاض في ظلّ خسائر مصرفية صافية: فقد بلغت الأموال الخاصة للمصارف 16.4 مليار دولار أميركي في نهاية حزيران 2021 مقابل 19.9 مليار دولار في نهاية 2020 و20.7 مليار دولار في نهاية 2019. ويعود تراجع الأموال الخاصة الى تراكم الخسائر المصرفية رغم الجهود المبذولة لضبط التكاليف في ظلّ ما تواجهه المصارف من متطلّبات كبيرة لرصد المؤونات تحسّباً للمخاطر السيادية ولمخاطر القطاع الخاص.

 

1-4-3- البورصة وسوق السندات

انتعاش لافت لأسعار الأسهم اللبنانية في النصف الأول من 2021، فيما تسجّل أسعار سندات اليوروبوندز مستويات دنيا قياسية

انتعشت سوق الأسهم اللبنانية في النصف الأول من العام 2021، مسجّلةً ارتفاعاً كبيراً في الأسعار بفضل التحوّط ضد الأزمة، فيما واصلت سندات اليوروبوندز اللبنانية منحاها التراجعي مع استمرار الضبابيّة السياسية المحلّية والتأخّر في أجندة المباحثات مع المؤسّسات المالية الدولية وحمَلة سندات الدين.

ففي التفاصيل، سجّلت أسعار سوق الأسهم اللبنانية انتعاشاً قوياً في النصف الأول من العام 2021، كما يُستدلّ من ارتفاع مؤشّر أسعار بورصة بيروت بنسبة 29.8% بعد تراجعه بنسبة 8.9% في العام 2020، إذ يسعى المتعاملون في السوق الى إضافة أسهم لبنانية الى محافظهم بغية الإتّـقاء من خسائر أسعار الصرف المحتملة في السوق السوداء. 

ويُظهر التوزّع القطاعي لأداء البورصة أن أسعار أسهم سوليدير من الفئتين " أ " و "ب" هي التي سجّلت أفضل تحسّن، إذ ارتفعت بنسبة 34.1% و34.8% على التوالي لتصل الى 24.81 دولاراً و24.65 دولاراً على التوالي في نهاية حزيران 2021، وهذه أعلى مستوياتها منذ نهاية كانون الأول 2009. وفي ما يخصّ أسهم المصارف، سجّلت ستّة من المصارف العشرين المدرجة ارتفاعاً في أسعارها بينما انخفضت أسعار ثلاثة مصارف، وظلّت أسعار 11 مصرفاً مستقرة خلال النصف الأول من العام 2021. ويبيّن تحليل أكثر تعمّقاً للأسهم الإفرادية أن أسعار الأسهم وايصالات الإيداع العمومية العائدة لبنك عوده وبنك لبنان والمهجر وأسهم بنك بيبلوس العادية سجّلت قفزات كبيرة راوحت نسبتها بين 45.5% و80.0%، في حين تراجعت أسعار الأسهم التفضيلية إصدار 2008 و2009 العائدة لبنك بيبلوس بنسبة 23.0% و3.8% على التوالي، كما تراجعت أسعار الأسهم التفضيلية العائدة لبنك عوده “I” بنسبة 2.2%. وفي الواقع، سجّلت أسعار الأسهم المصرفية ارتفاعاً وسطياً بنسبة 15.9% في النصف الأول من العام 2021. أما في فئة الأسهم الصناعية والتجارية، فقد سجّلت أسهم مثل أسهم شركة "الإسمنت الأبيض" وشركة "هولسيم لبنان" ارتفاعاً بنسبة 9.8% و17.2% على التوالي بينما ظلّت أسهم شركة "ريمكو" مستقرة في الفترة المعنيّة بهذا التقرير.

وترافقت قفزات الأسعار الكبيرة في بورصة بيروت خلال النصف الأول من العام 2021 مع ازدياد تقلّبية الأسعار. فهذه التقلّبية، التي تُـقاس بنسبة الفارق المعياري للأسعار/على متوسط الأسعار، بلغت 6.0% في بورصة بيروت في النصف الأول من العام 2021 مقابل 5.3% في الفترة ذاتها من العام 2020.

وفي موازاة المكاسب المهمّة المحقّقة على مستوى أسعار الأسهم، زاد حجم الرسملة البورصية بنسبة 29.9% في النصف الأول من العام 2021، بارتفاعه من 7176 مليون دولار أميركي في نهاية كانون الأول 2020 الى 9321 مليون دولار في نهاية حزيران 2021. وبلغت القيمة الإجمالية لعمليات التداول في بورصة بيروت 187.9 مليون دولار أميركي في النصف الأول من العام 2021 مقابل 119.4 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2020، أي بنمو نسبتُه 57.4% على أساس سنوي، علماً أن أسهم سوليدير ظلّت تستأثر بحصة الأسد من نشاط البورصة (89.9%). ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة حجم التداول السنوي/الرسملة البورصية 4.0% في النصف الأول من العام 2021 مقابل 3.6% لسنةٍ خلت.

في المقابل، انهارت أسعار سندات اليوروبوند اللبنانية لتبلغ أدنى مستوياتها في النصف الأول من العام 2021، متراوحةً بين 12.25 سنتاً للدولار الواحد و12.63 سنتاً للدولار في نهاية حزيران، وسط تأزّم سياسي مصحوب بانخفاض احتياطيّات القطع الأجنبي، وبغموض متزايد حيال إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وحمَلة سندات اليوروبوند اللبنانية. وقد نشأ هذا الوضع بعد انخفاض كبير في الأسعار، إثر إعلان التوقّف عن دفع دين لبنان الخارجي في 9 آذار 2020.

وعليه، يقدَّر الاقتطاع (هيركات) الحاصل على السندات السيادية اللبنانية بما يزيد عن 87% قياساً على المستوى الحالي لأسعار السندات، وهو من أعلى مستويات الاقتطاع في الأسواق الناشئة. وتجدر الإشارة الى أن وكالة "ستاندرد إند بورز" أعلنت في تقرير نشرته مؤخّراً أنه في 17 حالة توقّف عن الدفع شهدتها الأسواق الناشئة بين 1999 و2020، بلغ متوسط الإقتطاع على الدين العام 42%.

في المرحلة المقبلة، تتطلّع أسواق الرساميل اللبنانية الى تشكيل حكومة جديدة تتولّى استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتساعد في حصول لبنان على الدعم المالي الدولي الذي طال انتظاره، وتمهّد الطريق أمام مباحثات بنّاءة مع حمَلة سندات اليوروبوند.

 

الخاتمة: نظرة إلى سلوكية سعر صرف الليرة، أسبابها والتحديات القادمة

شهد العام 2021 تقلبات حادة في سعر صرف الليرة في السوق السوداء. إن سلوكية سعر صرف الليرة يحددّها مجموع عوامل منها سيكولوجية ترتبط بعامل الثقة ومنها أساسية متعلقة بالعرض والطلب على الليرة اللبنانية والدولار الأميركي في السوق.

يعزى الصعود في سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء هذا العام بشكل رئيسي إلى الضبابية السياسية المهيمنة على الساحة المحلية، ولا سيما في ظل احتدام التجاذب السياسي بشأن التأليف الحكومي. إنّ مثل هذه الضبابية تلقي بثقلها على عامل الثقة وتشكّل دافعاً لدى اللبنانيين لتحويل كل ما أمكن من وفوراتهم بالليرة إلى الدولار النقدي وتخزينه تحسّباً لأيام أكثر سوداوية.

يضاف إلى ضبابية المشهد السياسي التراجع اللافت في أحجام الأموال الوافدة إلى لبنان بالدولار الأميركي كما يستدل من خلال العجز البارز في ميزان الدفوعات بقيمة 10.5 مليار دولار في العام 2020 (وهو أعلى مستوى قياسي له)، علماً أن العجز استمر خلال الأشهر الأولى من العام 2021 ولو بنمط أبطأ. إن الإحصاءات المصرفية والنقدية الأخيرة تظهر عجزاً في ميزان المدفوعات قيمته 1.8 مليار دولار خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2021، والمحتسب عن طريق تدني الموجودات الخارجية الصافية المجمعة للقطاع المالي (مصرف لبنان ومصارف).

هذا ويترافق التراجع في الأموال الوافدة مع عمليات خلق نقد ملحوظة بالليرة اللبنانية، إذ سجّل حجم النقد المتداول نمواً سنوياً نسبته 194% في العام المنصرم، من 10 آلاف مليار ليرة في بداية العام 2020 إلى 30 ألف مليار ليرة في نهاية العام، وواصل ارتفاعه بشكل لافت في الأشهر الأولى من العام 2021 ليبلغ زهاء 38 ألف مليار ليرة في نهاية حزيران. ويرتبط خلق النقد بتنقيد عجز المالية العامة من قبل مصرف لبنان ولا سيما في ظل غياب أساليب التمويل التقليدية للعجز والتي كان لها مفاعيل تعقيم نقدية. أضف إلى ذلك أن عمليات خلق النقد بالليرة والتي تأتي في سياق تعميم مصرف لبنان رقم 151 ورقم 158، تزيد من إمكانية الطلب على العملة الخضراء في السوق على الرغم من القيود المفروضة على السحوبات المصرفية المحتملة بالليرة.

كذلك، لا بد من الاشارة إلى الطلب المحلي على الدولار الناتج عن الواردات غير المدعومة، علماً أن تأثيره تراجع قليلاً في الآونة الأخيرة بعد إطلاق عمل منصة Sayrafa الجديدة من قبل مصرف لبنان والتي تقوم بتلبية طلب المستوردين جزئياً. يجدر الذكر أنّ الفاتورة الاستيرادية بلغت 11.3 مليار دولار في العام 2020، منها 5 مليار دولار مدعومة من قبل مصرف لبنان بينما الـ6.3 مليار دولار الباقية تمّ تمويلها عبر السوق السوداء بشكل أساسي. هذا ومن المرجح أن يزيد رفع الدعم في نهاية المطاف من مكّون الطلب على العملات الأجنبية.

يضاف إلى هذه العوامل الأساسية التي تقف خلف تدهور سعر الصرف عمليات المضاربة الناجمة عن التلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء والذي يفاقم من تقلبية السوق. وعلى الرغم من جهود ضبط هذه العمليات، إلا أنّ ثمة انحرافات لافتة ما زالت قائمة بين أسعار السوق السوداء وسعر الصرف الفعلي الحقيقي المرتبط بالأساسيات الاقتصادية والنقدية.

هذا وقد كثر الحديث مؤخراً حول إمكانية تطبيق نظام مجلس النقد (Currency Board) في لبنان، علماً أنّ هذا النظام يتّصف بعدد من نقاط القوة والضعف. فمن حسناته تأمين استقرار سعر الصرف من خلال ربط عرض العملة المحلية بالاحتياطيات القائمة من النقد الأجنبي، وبالتالي ضبط التضخم، وإرساء المصداقية الاقتصادية، وخفض معدلات الفوائد.

أما سلبيات نظام Currency Board فتكمن في تداعيات تثبيت سعر الصرف مقابل فوائد تعويم العملة، وصعوبة تأمين الاحتياطيات الأولية المطلوبة لوضع أسس هذا النظام، إضافة إلى مخاطر تركه بشكل مفاجئ. هذا وسواء كان لبنان سيقوم بإنشاء نظام Currency Board أم لا، يبقى التحدي الأبرز في تعزيز الاحتياطيات بالعملات الأجنبية بالمقارنة مع القاعدة النقدية. ولهذه الغاية، لا بد من تأمين الدعم الدولي المرجو والذي بدوره يرتبط بتأليف حكومة جديدة ذات مصداقية تنال ثقة المجتمع الدولي وتعمل على إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية والمالية المرجوة.

ختاماً، نحن نرى أنّه في المرحلة المقبلة، سيعتمد المنحنى الذي ستسلكه العملة بشكل أساسي على الآفاق السياسة المحلية والإدارة الاقتصادية للعجز المزدوج في لبنان، أي العجز الخارجي وعجز المالية العامة. هذا مع العلم أنّه لا تزال هناك إمكانية لضبط سعر صرف الدولار في حال استعادة الثقة السياسية، وإطلاق الإصلاحات الهيكلية والمالية الملحة وإرساء إدارة اقتصادية رصينة للعجز المزدوج والانضباط النقدي في لبنان بشكل عام.       

* * *

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o