Aug 06, 2021 12:08 PM
مقالات

رؤساء الحياد= لبنان دولة محترمة

كتب أديب ابي عقل

المركزية- مشهد الذكرى السنوية الاولى لجريمة الرابع من آب كان متوقعاً، بما تخلّله من مواقف وشعارات ومواجهات بين حزبيين، واُخرى مع القوى الأمنية، إلا أن ما لم يكن متوقعاً، كان مشهد الحشد الوطني الجامع، تضامناً مع أهالي الضحايا والجرحى، المطالبين بجلاء الحقيقة وكشف ملابسات الجريمة والمسؤولين عنها، استيراداً للنيترات، وتخزيناً ونقلاً إلى خارج الحدود، وتفجيرا لما تبقى من كميات أودت بأكثر من مئتي ضحية وآلاف الجرحى ودمَّرت ثلث العاصمة.

والمشهد الموازي، هو المشهد الحكومي، الذي يطلّ بعد أيام على الذكرى السنوية الاولى لاستقالة الحكومة، حيث صعوبة التأليف، إلى حدّ الاستحالة، هي العنوان، بعد التكليف الثالث، بفعل عدم استطاعة السفير مصطفى أديب ومن ثم الرئيس سعد الحريري تأليف حكومة، وهو ما يحاول الرئيس نجيب ميقاتي القيام به اليوم.

والسلطة التي لم تتجاوب مع القضاء لانجاح تحقيق يكشف المسؤولين عن جريمة المرفأ، تقصيراً واهمالاً، تحاول الهروب إلى الامام، بالاستناد إلى اجتهادات وفتاوى دستورية وقانونية، ابتدعها مفوّهو التشريع "غب الطلب"، تتناول قانونية المطالبة القضائية برفع الحصانات وطلب الأذونات لملاحقة وزراء ونواب ومسؤولين إداريين وأمنيين، هي عاجزة حتماً عن تأليف حكومة اختصاصيين، تتطلّبها المرحلة الراهنة داخلياً، ومطلوبة خارجياً، كي يتمكّن المجتمع الدولي من مساعدة لبنان.

ذلك أن الخيار السياسي الراهن للحكم والحكومة، لا يتماهى مع تطلّعات المجتمعات الحرّة والأسرة الدولية. والدليل إلى ذلك عزلة لبنان شبه الكاملة اقليمياً ودولياً، والمحور الذي ينتمي اليه اليوم ويُفترض أن يشكل البديل، ويحصل منه على المساعدات، يقع هو الآخر تحت عقوبات دولية قاسية وصارمة، لم تخفف من حدّتها ووقعها القاسي المفاوضات النووية والجزء الذي تم رفعه منها.

في المقابل، فإن الحياد اللبناني عن صراعات الآخرين وعدم التدخل فيها، ومنع تدخلهم في الشؤون اللبنانية الداخلية، نصت عليه البيانات الوزارية لحكومات ما بعد الاستقلال، من خلال عبارة" لبنان مع العرب اذا اتفقوا وعلى الحياد اذا اختلفوا"، في موازاة علاقات دولية متوازنة ومتوازية، تمّ نسجها مع الغرب والولايات المتحدة، كانت نتيجتها الازدهار والاستقرار السياسي والاقتصادي.

فانحياز الرئيس كميل شمعون إلى حلف بغداد في مواجهة المدّ الناصري، كانت نتيجته ثورة العام ١٩٥٨، وجاء بعده الرئيس فؤاد شهاب، باني دولة المؤسسات، ليقود سياسة الحياد الإيجابي مع العرب، انطلاقاً من قمة "الخيمة" مع الرئيس جمال عبد الناصر، في موازاة علاقات أوروبية وأميركية متوازنة أمّنت لعهده الازدهار والاستقرار.

والرئيس الياس سركيس، جاء بعد الرئيس سليمان فرنجية، الذي اندلعت قرابة نهاية عهده الحرب الأهلية، وحاول تحييد لبنان عن انعكاسات الصراع السوري- الاسرائيلي على أرضه، مواجهةً مرّات، وتقاطع مصالح مرّات أخرى، فكانت فترات هدوء على الساحة اللبنانية حيناً، وتوتر حيناً آخر.

والرئيس ميشال سليمان، حاول من خلال "اعلان بعبدا"، تحييد لبنان عن انعكاسات الحرب في سوريا، ونبّه الذين تورّطوا فيها إلى خطورة قرارهم، لاقتناعه بأن الانخراط والانغماس في محاور، هي على خصومة مع المجتمع الدولي، ستكون نتائجه سيئة على لبنان. ولذلك نسج علاقات خارجية متوازنة شرقاً وغرباً، حمت البلاد ممّا نشهده اليوم، وشكّلت صمّام أمان لعهده الذي تميّز بالاستقرار الأمني والسياسي والنمو الاقتصادي.

أما اليوم، فلا تبدو الصورة مشجعة، بفعل استمرار إدارة الظهر للمجتمع الدولي والمحيط العربي، حيث بات الموقف الدولي واضحاً للغاية في وصف الطبقة السياسية بالفاشلة، إذ لم تستطع لغاية الآن تأليف حكومة، بفعل التشبّث بالمواقف والمطالب والحصص، في ظل وضع اقتصادي مهترئ بالكامل، ومعيشي بائس، وسياسي ميؤوس منه. والاجتماعات الرسمية التي تنعقد والتصريحات العنترية والبهورات في الاعلام وعلى الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن المسؤولين في واد، والشعب في واد آخر، والاهتمام الدولي بلبنان في مكان ثالث.

طريق النهوض يبدأ بحكومة اختصاصيين مستقلين بالكامل سياسياً، تضع خطة سريعة لوقف الانهيار أولاً، يليها العمل على التحضير للانتخابات النيابية وفق قانون عصري حديث يؤمّن صحة التمثيل وسلامته، في موازاة البدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، كي يبدو لبنان جدّياً وصادقاً في أحداث التغيير المطلوب والمنشود، ليعود إلى موقعه في المجتمع الدولي كبلدٍ محترم وديموقراطي ومحايد عن المحاور، ومنحاز إلى مصلحته الوطنية العليا ومصلحة أبنائه حصرا.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o