Jul 31, 2021 7:52 AM
صحف

"اللقاء الرابع" يحدّد وجهة التأليف.. قلق من تعطيل

فجأة وبلا مقدمات، دخل الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي في استراحة حتى يوم الإثنين؛ استراحة لم تكن منتظرة بحسب "النهار" في هذه «الحشرة» التي يتفق فيها الجميع على أنّ الملف الحكومي لم يعد يحتمل ترف تضييع الوقت، والدافع الى إحاطتها بعلامات استفهام، أنّ الرئيسين سبق أن أسقطا على مقاربتهما ملف التأليف صفة الاستعجال واستغلال كل دقيقة بإرادة تعاون جدّية في سبيل إنضاج سريع لحكومة طال انتظارها.

ربّما كانت للضرورة التي فرضت هذه الإستراحة أحكامها، التي تحجبها غيمة كثيفة من التحليلات والروايات. لكن ثمة سؤالاً يشغل كل الأوساط: هل سيأتي الرئيسان بالخبر اليقين يوم الإثنين، ويشكّل اللقاء الرابع بينهما موعد الإبحار الجدّي للسفينة الحكومية وفق ما يشتهي اللبنانيون، أم انّ هذا اللقاء الرابع سيجرّ خامساً وسادساً وسابعاً .. وهكذا دواليك، بما يبقي الاستحقاق الحكومي معلّقا على حبل المراوحة؟

في هذا الوقت، اكّد مرجع مسؤول لـ"الجمهورية" انّ «الرئيس ميقاتي مستعجل على التأليف، وهو نفسه قال إنّه سيعقد لقاءات متتالية مع رئيس الجمهورية بغية الوصول سريعاً إلى حكومة، ما يعني أنّ ميقاتي آتٍ لتشكيل حكومة وليس لتضييع الوقت والدوران في حلقة مفرغة والالتهاء بلعبة الشروط المتصادمة».

إلّا انّ المرجع نفسه يضع علامة استفهام كبيرة حول موقف تيّار رئيس الجمهوريّة، «فمن جهة «التيار الوطني الحرّ» لم يسمِّ ميقاتي، ورئيسه يقول إنّ التيار لن يشارك في الحكومة، ولا يريد شيئاً وسيكون عاملاً مسهلاً، وقال للرئيس المكلّف إنّه لن يمنح الثقة للحكومة. فيما ينبري بعض مسؤولي التيار بالحديث عن معايير التأليف والحقوق التي لا يمكن القبول بأقل منها». امام هذه الازدواجية، والكلام للمرجع نفسه، «ليس في الإمكان توقّع انفراج حكومي».

الأمر الوحيد المحسوم في هذا السياق، وكما تؤكّد المصادر نفسها، هو أن لا حكومة قبل الرابع من آب. ولكن ما هو متوقع أن تنطلق لقاءات الرئيسين، اعتباراً من يوم الاثنين بوتيرة متتالية قد تتولّد عنها حكومة ضمن سقف زمني لا يتجاوز منتصف شهر آب. وخصوصاً أنّ شكل الحكومة محسوم؛ حكومة من 24 وزيراً، تضمّ اختصاصيين من غير الحزبيين (ترضى عنهم طوائفهم ولا يستفزون المرجعيّات السياسية). ومهمّتها معروفة باتخاذ اجراءات وخطوات في سياق عملية اصلاح شاملة وانقاذ مالي واقتصادي. وما يبقى من تفاصيل لها علاقة بتوزيع الحقائب السيادية والخدماتية «المدهنة»، فيفترض الّا يطول حسمه على جاري ما كان يُعمل به خلال تشكيل الحكومات السابقة. إلا اذا كانت كل هذه التفاصيل ما زالت معلّقة تحت سقف المعايير والأصول والحقوق والثلث المعطّل، فمعنى ذلك بدء العدّ التنازلي لإعلان الفشل وإطاحة الأمل بتشكيل حكومة.

كلّ العالم الصديق والشقيق، أجمع على حكومة باتت حاجة ملحّة لأخذ دورها في مواجهة الأزمة، فطيّر المنحى التعطيلي تكليفين، وأمّا التكليف الثالث، فيحاول أن يجرّب حظّه إن كان في مقدوره الصّمود والإفلات من قبضة المعطّلين، وبعضهم بدأ يطلّ برأسه منزّها نفسه ومتعفّفاً ومتعالياً على المشاركة في الحكومة، ونائياً بنفسه عن التدخّل في تأليفها، ويقول إنّه لا يريد شيئاً، ثم ترى حقيقة موقفه تظهر في فلتات لسانه، ويشترط «إننا نريد حقوقنا»، ويتوعّد «إن لم تتشكّل الحكومة كما نريد فلن نكون ساكتين»؟!

وبحسب معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، فإنّ القلق من هذا المنحى، أُبدي صراحة في مجالس الشريكين في تأليف الحكومة، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وكان التزام متبادل بينهما بأقصى درجات التعاون خارج أي مؤثرات.

نَفَسُ الشريكين؛ وكما يحرصان على إظهاره، إيجابي حتى الآن، وهو ما يلاحظه أيضاً سائر المعنيين بالملف الحكومي، ولكنّ اللقاءات الثلاثة التي عقداها منذ تكليف ميقاتي، مع ما جرى فيها من طرح صيغ وتبادل افكار وتسجيل ملاحظات، لم تحقّق شيئاً يعتدّ به، سوى اشاعة مناخ هادئ يمكن أن يفتح الطريق على تفاهم. يعني ذلك أنّ الأمر ما زال في إطار التمنيات لا أكثر.

ولفت مصدر عبر "الشرق الأوسط" إلى أن ميقاتي قاد هجوماً إيجابياً باتجاه عون وتجنب الخوض علناً في النقاط الخلافية في ضوء ما انتهت إليه الجولات الأولى من المشاورات، وعزا السبب إلى أن ميقاتي يراهن على أن يتعامل معه عون بإيجابية تؤدي إلى حسم الخلاف حول التوزيع الطائفي للحقائب كشرط للانتقال في اجتماعهما المقرر بعد غد الاثنين إلى تسمية الوزراء. ورأى أن ميقاتي لم يكن يرغب في حشر عون وذهب بعيداً في محاصرته إيجابياً وصولاً لتشجيعه على التعاون، فيما بات البلد بحاجة إلى حكومة قادرة على وقف الانهيار.

وأكد المصدر نفسه أن ميقاتي لم يتطلع من خلال المواقف التي أعلنها إلى الانقلاب على عون الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن من يراهن على وجود نية لدى ميقاتي للانقلاب على زملائه في نادي رؤساء الحكومات وتحديداً سعد الحريري سيكتشف أن رهانه ليس في محله، وهذا ما عكسه في موقفه بإصراره أن يبقى تحت سقف الثوابت التي حددوها في بيانهم وكان أحد الذين شاركوا في وضعها.

واعتبر أن ميقاتي أجاد في الدفاع عن موقفه وأحسن في تدوير للزوايا من دون المساس بالثوابت الوطنية التي يتمسك بها رؤساء الحكومات، وقال إن إسناد وزارة المالية لوزير شيعي يجب أن ينسحب على الطوائف الرئيسة الأخرى لجهة عدم تطبيق مبدأ المداورة على الأقل فيما يتعلق بالحقائب السيادية ولمرة واحدة وبصورة استثنائية.

ورأى أن الحريري عندما وافق على إسناد حقيبة المالية لوزير شيعي فإن موافقته جاءت استجابة لطلب باريس انطلاقاً من حرصه على التمسك بالمبادرة الفرنسية وتوفير الشروط لإنجاحها بإزالة العراقيل، وقال إن باريس أخطأت في تعاطيها مع التضحية التي قدمها الحريري وبدلاً من أن توظفها للضغط على من يعيق ترجمة مبادرتها إلى خطوات ملموسة ذهبت إلى دفعه لتقديم المزيد من التنازلات. وأضاف بأن باريس لم تحسن استخدام تسليم الحريري بالمالية للشيعة للحصول على الثمن السياسي لهذا التنازل من الآخرين.

وقال إن عون كان وافق على إسناد المالية لشيعي وهذا ما أورده في الجدول الذي سلمه للحريري والخاص بتوزيع الحقائب على الطوائف. لكن عون – بحسب المصدر – سرعان ما تراجع تحت ضغط رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وهو لا يزال على تراجعه بذريعة حرصه على تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب لعله يقايض تسليم المالية للشيعة بأن يعطى حقيبة الداخلية.

وأكد المصدر بأن عون لا يترك مناسبة إلا ويدعي فيها أنه يريد الإصلاح للإمعان في وضع يده على البلد من خلال سيطرته على الحكومة، وقال إن عون يخطئ إذا اعتقد أنه سيكون طليق اليد في الحكومة العتيدة على غرار إمساكه بزمام المبادرة في حكومة الرئيس حسان دياب قبل أن يستقيل وامتداداً إلى ما بعد استقالته.

ورأى المصدر نفسه بأن على عون أن يدرك أن ميقاتي غير دياب، وقال إن دياب استقال من دوره قبل أن يستقيل بصورة رسمية، وسأل: هل أن عون استخلص العبر السياسية وتوصل إلى قناعة بأن البلد لا يدار بنفس الطريقة التي أداره فيها منذ أن اختير دياب رئيساً للحكومة؟

كما سأل إذا كان عون على استعداد للتعاون مع ميقاتي؟ أم أنه بات على قناعة بأنه دفع التكلفة السياسية لإخفاقه في إنقاذ البلد ولم يعد له خيار سوى أن يعيد الاعتبار لباسيل؟ خصوصاً أن الوضع المتأزم لا يحتمل تمديد مشاورات التأليف، مع أن الرهان على أن تشكل الحكومة قبل حلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 (آب) المقبل التي تتلازم مع استضافة باريس للمؤتمر الدولي لدعم لبنان لم يكن صائباً رغم أن الضغوط الأميركية والفرنسية لم تتوقف للإسراع بتشكيل الحكومة، وهذا ما قصده ميقاتي عندما تحدث عن وجود ضمانات دولية لإنقاذ لبنان.

فرئيس الجمهورية من وجهة نظر المصدر نفسه يقع بين حصارين: الأول يقوده باسيل الذي لن يسمح بالإفراج عن تشكيل الحكومة ما لم تأت التشكيلة على قياسه وخدمة لطموحاته الرئاسية، والثاني يتولاه «حزب الله» وإنما بصمت وبخلاف عدم تسمية حليفه لميقاتي بتشكيل الحكومة في محاولة منه لتبرئة ذمته من اتهامه بتعطيل تشكيلها.

حتى أن «حزب الله» وإن كان يتمايز في تسميته عن باسيل من جهة وفي امتناعه عن تسمية الحريري، فإن هذا التمايز يبقى تحت سقف رمي المسؤولية على غيره ما لم يبادر للضغط على عون لتسهيل مهمة الرئيس المكلف لإبعاد الشبهة عنه بأن تعاطيه مع تأليفها يعود لاعتبارات إقليمية معطوفة على تحالفه مع إيران.

فـ«حزب الله» – كما يقول المصدر – وبخلاف الآخرين ينظر إلى تشكيل الحكومة من منظار إقليمي بما يتلاءم مع المقاييس الإيرانية ويأخذ بعين الاعتبار ترحيل مفاوضات فيينا إلى سبتمبر (أيلول) المقبل ويتخذ من شروط عون بالنيابة عن باسيل ستارة لتبرئة ذمته على الأقل داخلياً، متسلحاً هذه المرة بتسمية ميقاتي.

لذلك فإن «التهمة» الموجهة لـ«حزب الله» بعدم حماسته لتشكيل الحكومة في المدى المنظور تبقى قائمة، إلا إذا تبدل موقفه بمبادرة عون للتعاطي مع الرئيس المكلف بمرونة وانفتاح لتصبح الطريق سالكة نحو التأليف مع أن المشاورات ما زالت في بداية الطريق وهي في حاجة إلى جرعة سياسية لاختصار المسافة الزمنية لئلا يغرق البلد في متاهات تبادل الشروط مع أنه لا يحتمل هدر الوقت وإضاعة الفرص، خصوصاً أن ميقاتي الذي يتمتع بنفس طويل يستطيع أن يصبر لبعض الوقت وإلا سيضطر لاتخاذ موقف آخر.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o