Jul 14, 2021 1:13 PM
مقالات

لا حل للبنان قبل بلورة استراتيجية بايدن

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في "اللواء":

لا نغالي إذا قلنا بأن لبنان قد دخل فعلياً في عين العاصفة مع تجاوز سعر صرف الدولار عشرين ألف ليرة لبنانية. اكتب هذا الكلام بعد لقائي نهار أمس بقائدين أمنيين يحتلان موقعين قياديين هامين وحساسين، حيث شرح لي أحدهما بأن راتبه الشهري قد تدنى إلى ما يعادل 230 دولاراً، وبأنه ما يؤرقه بأنه لا يرى أي بصيص نور في نهاية الأزمة السياسية والمالية وانعكاسات آثارها الاجتماعية.

في الواقع تواجه البلاد حالة من الشلل السياسي منذ اندلاع الأزمة في 17 تشرين أوّل 2019، هذا بالإضافة إلى ما تسببت به الاغلاقات الطويلة والمتكررة في مواجهة جائحة «كورونا» وإلى الاضرار والخسائر الكبيرة التي تسبب بها انفجار مرفأ بيروت، والذي تسبب بمقتل ما يزيد عن 200 شخص وجرح بضعة آلاف، والذي بلغت التحقيقات فيه مرحلة حسّاسة وخطيرة، باتت تنذر بمواجهة ما بين المحقق العدلي والطغمة السياسية المسيطرة على المجلس النيابي وعلى المواقع الوزارية الحسّاسة في الحكومة المستقيلة، وذلك على خلفية استدعاء عدد من النواب والوزراء السابقين وبعض المسؤولين الأمنيين الكبار لاستجوابهم كمتهمين في قضية جريمة التفجير الكبير.

في ظل تردي الأحوال المالية والاقتصادية والمعيشية وبلوغها مستويات متردية تنذر بحصول مجاعة تطاول ما يقارب نصف الشعب اللبناني، يستمر صراع «الديوك» الجاري بين الرئيس ميشال عون ومن ورائه ورئيس تياره السياسي جبران باسيل وبين الرئيس المكلف سعد الحريري، ومن خلفه تيّار المستقبل، في الوقت الذي تقف فيه بقية الأحزاب والقوى السياسية متفرجة وعاجزة عن تقديم أية مبادرة لحلحلة عقدة تشكيل الحكومة الإصلاحية، التي وعدت بتشكيلها المبادرة التي قادتها فرنسا بشخص رئيسها ماكرون أثناء زيارته الثانية لبيروت في أيلول 2020.

لم تنفع كل الوساطات والمبادرات الداخلية التي قادها البطريرك الراعي تكراراً، أو تلك التي بذلها الثنائي الشيعي من خلال مندوبيه الذين سعوا إلى تفكيك العقد التي وضعها جبران باسيل لمنع تشكيل الحكومة. كما لم تنجح الضغوط الفرنسية المتكررة التي بذلتها الحكومة الفرنسية عن طريق إيفاد وزير خارجيتها لودريان في مهمات متكررة إلى بيروت في كسر حالة الجمود المسيطر على عملية التشكيل. في الوقت الذي وقعت فيه دعوات البابا فرنسيس والدعوات الصادرة عن موسكو وواشنطن والاتحاد الأوروبي والقاهرة على آذان صماء لدى المسؤولين عن المأزق السياسي المستمر، وذلك بالرغم من ادراكهم لسوء الأحوال التي باتت تسيطر على البلاد في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وأزمة المحروقات وفقدان الأدوية، وتردي الحالة الصحية والمعيشية، وبما بات يؤشر بأننا بتنا على مقربة من حصول احتقان اجتماعي، قد يؤدي حتما إلى انفجار أمني كبير، بدأت بشائره ترتسم من مدينة طرابلس.

اللافت والخطر في آن واحد، تشديد الطرفين المتواجهين سواء على مستوى عون والحريري أو التيار الوطني الحر وتيار المستقبل على قلب المواجهة من معركة حول تفسير الصلاحيات الخاصة بالرئيس المكلف وبرئيس الجمهورية في عملية تشكيل الحكومة وفق المواد الدستورية، إلى معركة توازنات وحقوق طائفية ومذهبية، وذلك في محاولة لشد العصب المذهبي للحفاظ على قواعدهما الشعبية والتنكر لمسؤوليتها السياسية المشتركة عن الانهيار المالي والأزمة الاقتصادية الكبيرة، التي نتجت عن سوء الادارة والفساد الذي عمّ البلاد في ظل التسوية الرئاسية التي توصلا إليها في عام 2016، والتي حملت عون إلى بعبدا والحريري إلى السراي.

ويؤشر المسار السياسي بتعقيداته الراهنة إلى استبعاد حصول أي اختراق في أزمة تشكيل الحكومة، وبالتالي البحث جدياً عن مخارج للأزمة النقدية والمعيشية الراهنة، وذلك بانتظار حصول تطورات خارجية، تؤمن حصول توافق دولي واقليمي، على المخرج اللازم لتشكيل الحكومة العتيدة التي طال انتظارها. لكن يبدو من الأجواء الدولية والإقليمية الراهنة بأن إمكانية بلورة حل خارجي للأزمة السياسية الراهنة ما زالت دونها صعوبات وتعقيدات، تمنع بلورة مبادرة أميركية - فرنسية - سعودية من أجل الضغط على الأفرقاء اللبنانيين لتشكيل حكومة مهمة، قادرة علىا جرّاء الإصلاحات المطلوبة، وذلك بالرغم من الاجتماع الذي جمع بلينكن مع كل من لودريان وبن فرحان في إيطاليا في 29 حزيران الفائت، على هامش اجتماعات مجموعة الـ20. في نفس السياق يبدو بأن مهمة السفيرتين الأميركية والفرنسية إلى السعودية والتي جاءت في أعقاب اجتماع إيطاليا لم تأت بأية نتائج واعدة في عملية البحث عن مخارج لأزمة تشكيل الحكومة.

وهكذا يمكن الاستنتاج بأن الاجتماعات الدولية والمهمات المكوكية إلى بيروت لدعوة الأفرقاء اللبنانيين للتحلي بالمسؤولية، وبالمواصفات القيادية اللازمة لتسهيل تشكيل حكومة والشروع فوراً بتطبيق الإصلاحات المطلوبة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية، وتأمين الضرورات الملحة للشعب اللبناني لم ولن تجد نفعاً في ظل رئاسة عون، وفي ظل استمرارية حكم الطبقة السياسية الراهنة، وفي ظل استمرارية هيمنة حزب الله على الأرض وعلى القرار الوطني.

في رأينا كان يمكن لمبادرات البطريرك الراعي التي أطلقها في خريف 2020، والتي استمرت على زخمها في شباط وآذار 2021، ان تثمر لو أنها لقيت الدعم الخارجي المطلوب من فرنسا والولايات المتحدة، وكان غياب الموقف الأميركي الداعم، قد أظهر عدم وجود رغبة أميركية لدخول الساحة اللبنانية ومواجهة تحالف عون - حزب الله، وبالتالي استثارة إيران، ودفعها للوقوف في مواجهة التدخل الأميركي في لبنان، والذي يمكن ان يؤخر أو يؤثر على توجهات إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. في ظل غياب مثل هذا الدعم الأميركي نجح عون وحزب الله في احتواء مبادرات الراعي سواء لجهة تشكيل حكومة إصلاحية أو لجهة حياد لبنان والدعوة لمؤتمر دولي. الأمر الذي رفضه حزب الله، على لسان نائبه حسن فضل الله بقوله «يشكل التدويل (الأزمة) تهديداً للبنان، خصوصاً بعد ان رأينا ما حدث في ليبيا واليمن والعراق».

يبدو بوضوح بأن لبنان لا يحتل أية أولوية على الاجندتين الأميركية والسعودية، وهذا ما اشرت إليه نتائج الاجتماع الوزاري الثلاثي في إيطاليا أواخر الشهر الماضي، معطوفة على نتائج المهمة الدبلوماسية باتجاه الرياض التي قادتها السفيرتان الأميركية والفرنسية، هذا بالإضافة إلى التأكيد بأن جهود البطريرك الراعي وما لاقته من دعم فاتيكاني لم تنجح في تحريك إدارة بايدن للقيام بأية مساع فعلية لتشكيل حكومة لبنانية قادرة على الإصلاح. فالادارة الأميركية ما زالت منشغلة بمحادثات فيينا النووية، وهي مصرة على النجاح فيها، وعلى اعتبار ان ذلك يؤسّس لاندفاعة أميركية جدية لبلورة استراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وبما يفتح الباب لمباحثات أميركية - إيرانية حول بعض أزمات المنطقة وعلى وجه الخصوص في العراق ولبنان واليمن.

تدرك جميع القوى اللبنانية هذه الحقائق، وهي عازمة على استثمار غياب الاهتمام الأميركي على فرض مخارج سياسية واقتصادية ومالية للأزمة الراهنة من أجل استعادة المبادرة في حماية مواقعها ومصالحها، مع التحضير لمواجهة الاستحقاقات السياسية المقبلة في عام 2022، سواء لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة أو لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية عون.

في نفس السياق، يبدو بأن موقع لبنان على أجندة الاهتمامات السعودية لم يتبدل، وان الجديد على روزنامتها اللبنانية يتمثل بإطلاق كامل الحرية لسفيرها للتحرك لبنانياً لتوسيع دائرة علاقاتها لتشمل أكبر عدد من القوى اللبنانية في الجانبين الإسلامي والمسيحي، مع ضرورة الاستمرار في تحاشي التدخل في الأزمة الحكومية المتفاقمة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o