Jul 09, 2021 12:37 PM
مقالات

أقدِم أيها اللواء... فيتبعُك الآخرون

كتب أديب أبي عقل

المركزية- التفسيرات السياسية التي أُعطيت للقرارات القضائية الأخيرة للمحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت والاجتهادات القانونية الباحثة عن ثغرات فيها لتفريغها من مضمونها، وجعل طلبات رفع الحصانة والأذونات بملاحقة مسؤولين سياسيين وأمنيين وإداريين غير ذي جدوى، لا تلغي حقيقة أن الأسماء الواردة في قرار المحقق الأول هي نفسها الواردة في قرار المحقق الثاني، ما يؤكد المؤكّد وتاليا لا مجال للتفسيرات والتأويلات.

غير أن الجديد في قرار المحقق البيطار هو ورود اسم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والتعليقات التي صدرت ونُشرَت عن مناقبية الرجل ونزاهته وشفافيته، وهو رجل المهمات الصعبة بلا منافس، وصاحب المهمات المستحيلة بلا منازع، الذي أقدم حيث لا ولم يجرؤ الآخرون في ملفات هي كرة نار ذات أبعاد وصلات إقليمية ودولية، وإن كانت لبنانية الأرضية والانطلاقة.  

واللواء ابراهيم يحمل في اسمه وشخصه وموقعه هدوء التصرّف الصامت والكلمة المدروسة والموزونة وقوة شكيمة وعزم ولين في التعاطي، ما ساعده في النجاح في أكثر من مهمة تمّ تكليفه بها، حيث باتت القضايا الصعبة والمستعصية تُسند إليه ليبدأ تدوير الزوايا والانطلاق في التفاوض وصولا إلى الخواتيم المرجوّة.

وهذه الصفات وطريقة تعاطيه مع الملفات التي حملها، جعلت منه، على لسان "الخصوم" قبل الأصدقاء، مرشحا للانتقال من "وسيط الجمهورية" إلى "مشرّع الجمهورية"، ما جعل ورود اسمه في القرار القضائي محط استغراب من عارفيه ومتابعيه عبر الملفات  والقضايا التي عمل على حلّها، واستحقّ تكريما دوليا وأميركيا بالتحديد، وإشادة بمزاياه ومناقبيته.

غير أن ذلك كلّه لا يعني عدم احترامه القوانين والامتثال لها، خصوصا أنّ ما تمّ تسريبه من أنه لن يحضر أمام القضاء دحضه موقفه عن استعداده للحضور، وإن كان مشروطا باحترام الآليات الإدارية والقضائية.

ذلك أن جريمة من هذا النوع وبهذا الحجم حصدت مئات القتلى وآلاف الجرحى ودمّرت نصف العاصمة، لا يمكن أن تمرّ كغيرها من الجرائم التي ارتكبت ولم تصل التحقيقات إلى الخواتيم فيها.

وفي وقت كان النواب والوزراء الواردة أسماؤهم أعلنوا أنهم سيمثلون أمام القضاء، وفيما تعقد هيئة مكتب المجلس النيابي واللجان النيابية المشتركة اليوم اجتماعا لدرس موضوع رفع الحصانات، يُفترض في جميع من وردت أسماؤهم عدم انتظار رفع الحصانات وإعطاء الأذونات، بل اتّخاذ القرار الجريء بالحضور أمام القضاء، نظرا إلى هول الجريمة وفظاعتها، ووجوب عدم السكوت عن المسؤولين عنها، أيا كانوا، كي يصل أصحاب الحق إلى حقوقهم، وترتاح نفوس شهداء الانفجار المجرم، ويطمئن أهاليهم إلى سيادة القانون والعدالة وينكشف المسؤولون عن هذه المجزرة.

إلا أنّ المهم، لا بل الأساسي، هو المبادرة الذاتية، ولو مشروطة، من اللواء ابراهيم للمثول. ومجرّد قيامه بهذه الخطوة يجرّ الآخرين حكما إلى سلوك مسلكه، ونحن من العارفين إلى حد اليقين أنه غير مسؤول مباشرة عن الجريمة، وحضوره أمام القضاء سيكون مفيدا جدا للتحقيق، خصوصا وأنه الوحيد الذي يمتلك من المعلومات والمعطيات، أكثر وأعمق ممّا يعرفه الآخرون. ولأنّ الشيء بالشيء يذكر، فحاكم مصرف لبنان مَثل هو الآخر أمام القضاء، وهذا دليل آخر إلى أن المسؤول الذي يقوم بواجبه لا يخشى الامتثال للقانون.

فرؤساء دول كبرى امتثلوا في أثناء ولايتهم، ومنهم بعد انتهائها، لاستدعاءات قضائية، وكانوا أمثولة في أن الجميع، مهما علت رتبهم وسمت مسؤولياتهم، تحت القانون، والعدالة عنوان كبير لدول تحترم نفسها والإنسان فيها.

واللواء ابراهيم الذي عمل على ملفات انسانية بامتياز كتحرير مخطوفين، هو أكثر العارفين بمعنى العدالة ومفهوم القانون. لذلك أقدِم يا حضرة اللّواء ولا تتأثر- وأنت أكيد لا تتأثر- بالمطالعات "الخنفشارية" لبعض الجهابذة وبعض المطبّلين و"مبيضي الوجه"، لأنك ابن مؤسّسة تحافظ على القانون، وقائد مؤسّسة عنوانها أمن المواطن، ومرشّح لمرحلة أساسية ومهمّة في مسيرتك الشخصية ومسيرة الوطن.

أقدِم ولا تتراجع، وأنت المقدام الشجاع، لأنك بخطوتك هذه، تضع اللّبنة الصلبة والمدماك الأساس لتكريس سلطة القضاء النزيه وقيام دولة القانون والعدالة واللبنانيون معك.   

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o