Jul 06, 2021 2:08 PM
مقالات

عند الامتحان، يُكرم القضاء...

كتب أديب أبي عقل

المركزية- على أبواب الذكرى السنوية الأولى لإنفجار مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة وسقط نتيجته مئات الشهداء والجرحى، تتصدّر القرارات القضائية للمحقق العدلي في الجريمة المشهد السياسي، وتكاد تطغى، لا بل هي طغت، على المشهد الحكومي العالق بين طرفي التأليف، حتى أضحى حكاية ممجوجة من اللبنانيين ومحط قرفهم من هذه الطبقة السياسية التي تتولّى السلطة في البلد.

إلا أن أسوأ ما في تداعيات المشهد القضائي الذي أكّد المؤكد في موضوع الاستنابات والملاحقات والطرق القانونية الواجب اتباعها بحسب الأصول، هو التدخل السياسي في القضاء وعدم التجاوب معه، حيث تُظهر التحقيقات من هو المرتكب والمقصّر والمهمل، ومن هو غير المسؤول مباشرة أو غير مباشرة عن جريمة من هذا النوع.

فإذا كان المسؤولون السياسيون الذين تمّ استدعاؤهم يعتقدون أنهم أبرياء، فليبادروا من تلقاء أنفسهم إلى المثول أمام القضاء وتزويده بالمعلومات التي تثبت براءتهم. فالأمر لا يحتاج إلى تعقيدات وتفسيرات واجتهادات دستورية بدأ "جهابذة" المستشارين في استنباطها للالتفاف على قرارات القاضي بيطار ومحاولات ايجاد ثغرات فيها لتفريغها من مضمونها. تلاقيهم في ذلك تصريحات قيادية عن "عدالة متأخرة" في محاولة معروفة النيات ومكشوفة الأهداف لتعطيل هذه القرارات، تماشيا مع سياسة التعطيل التي يمارسها هؤلاء في حق القطاعات والمؤسّسات في البلد لإبقائه في حال تخبّط وانهيار في انتظار نتائج تطورات الأوضاع في المنطقة.

إلا أنّ محاولات أهل السلطة والسياسة التدخّل والضغط على القضاء مرشحة للفشل هذه المرة لسببين: الأول أن أهالي الشهداء وضحايا الانفجار، ومعهم المعارضة السياسية والثوار على الأرض، لن يكتفوا بحمل صور أحبائهم الشهداء والوقوف في مكان الجريمة أو أمام قصر العدل أو مجلس النواب أو السراي الحكومي، بل ستكون خطواتهم أوسع ومباشرة في اتجاه من سمّتهم القرارات القضائية، في محاولة لتعجيل العدالة التي يؤخر خطواتها من يقول عنها إنها متأخرة.

أما السبب الثاني، فهو لأهل القضاء أنفسهم، حيث من غير المفترض أن يكون مجلس القضاء الأعلى ساكتا أو مستكينا عن أية عرقلة لعمل المحقق العدلي، وهو مصرّ، وهذا واجبه الأول، على استعادة ثقة الناس به، بعدما اهتزت في الآونة الأخيرة بفعل فتح قضاة "على حسابهم". وهم نفّذوا عراضات إعلامية لم توصل إلى أية نتيجة لغاية الآن، وأحرجوا القضاء برمّته، وهو أمر غير مقبول شكلا ومضمونا.

ذلك أن القضاء المستقل والنزيه هو عنوان قيام الدولة القوية والقادرة التي توصل كل صاحب حق إلى حقه، وهو الذي يحاسب المخالفين والمرتكبين والفاسدين من دون التأثر والخضوع لأي هيمنة أو تهديد مباشر أو مبطن من هذه الجهة أو تلك، أو حتى من أطراف مسؤولة.

فلا قيامة لدولة سيّدة حرّة مستقلة وعادلة من دون قضاء.

ولا سيادة لقانون ودستور وعدالة من دون قضاء.

ولا محاسبة لفاسد ومرتكب من دون قضاء.

ولا ضبط لتجاوزات المسؤولين في أي مجال من دون قضاء.  

ولا كشف لجرائم واغتيالات ومجرمين من دون قضاء.

مصلحة الجميع، وفي طليعتهم أهل السلطة أنفسهم، تسهيل عمل السلطة القضائية لا عرقلته أو الضغط على القضاة وتهديدهم، والموافقة السريعة على خطوات السلطة القضائية وقراراتها، وخصوصا وأنها المرة الأولى التي تحاول فيها أن تنظّم نفسها بنفسها، ما يعزّز استقلاليتها، ويُفترض بالرؤساء والوزراء المعنيين تسهيل عملها لا عرقلتها كما الحال راهنا.

القضاء اليوم على المحك. فإمّا أن ينجح وينتصر للحق والعدالة، وإمّا أن يفشل ويخشى مواجهة وقاحة بعض السياسيين. وفي هذه الحال يدفع هو ويدفع اللبنانيون ويدفع لبنان الثمن، بحيث يبدو قيام دولة الحق والقانون والعدالة صعب المنال إذا كانت سلطة العدل والقانون غير قادرة على حماية نفسها أولا.

على السلطة القضائية أن تقف إلى جانب الحق وفي وجه هؤلاء السياسيين الذين يجب أن يخشوها بدلا من أن يهدّدوها، خصوصا وأن مخالفاتهم وارتباطاتهم موثّقة لدى القضاء وآن الأوان لـ "الإفراج" عنها اليوم قبل الغد ايذانا بنهوض لبنان من براثن الحاكمين والمتحكّمين بالشعب اللبناني والقتلة واللصوص الذين يقتلون أبناءه ويسرقون أمواله وغدا لناظره قريب ... 

 

 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o