Jun 29, 2021 1:38 PM
مقالات

صفعة المهندسين!!

كتب أديب أبي عقل:

المركزية- من نافل القول إن التركيبة السلطوية في لبنان التي تجاهلت وساطات ونصائح دولية للخروج من الأزمة الحكومية والاقتصادية والمعيشية الراهنة، تصم آذانها عن أصوات معاناة شعبها وتغمض عينيها عن التجاوزات والتهريبات اليومية، المدعومة من أموال اللبنانيين وتعبهم وعرقهم إلى خارج الحدود، وتكتف أيديها عن الامساك بالفاسدين والمرتكبين وزجهم في السجون، فتلقّت الصفعة وزجت بنفسها في أتون الفشل واللامسؤولية الشخصية والوطنية.

وبات واضحا وثابتا أن سياسة دفن الرؤوس في الرمال واللعب على كسب الوقت في انتظار بلورة صورة المحادثات واللقاءات والمفاوضات الهادفة إلى رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة لعقود مقبلة، لن تجدي نفعا ولن توصل لبنان إلى شاطئ الأمان، ولا مسؤوليه أو من يتصل بهم وينتسب إليهم، إلى ما يصبون إليه من مواقع في المرحلة المقبلة لأن إرادة الناس المنتفضين على الواقع المزري القائم هي الأقوى والأفعل .

صحيح أن المجتمع الدولي يتعاطى ويتفاوض مع الدول والحكومات والهيئات الرسمية المسؤولة في البلد ليتم توقيع الاتفاقات والتفاهمات معها. لكن الصحيح أيضا أن هذا المجتمع يتطلع إيضا إلى إرادة الشعوب ومطالبها ومصالحها ويبني على الشيء مقتضاه، خصوصا إذا كانت الارادة الشعبية أكثر تمثيلا للناس من أهل السلطة وأحزابها مجتمعة.

والواضح في هذا السياق أن المجتمع المدني هو المحرك الأساسي ودينامو الارادة الشعبية التي بدأت تتحرر شيئا فشيئا من طبقة سياسية يتبادل أركانها الاتهامات بالفساد. ما يعني بكل بساطة أن أطراف الاتهام جمعيهم فاسدون.

والمجتمع المدني، الذي نجحت السلطة السياسية في اختراقه وشرذمته في الانتخابات النيابية الأخيرة استنهض نفسه من جديد وانطلق من القطاعات النقابية الأكثر التصاقا بالناس، فوجه صفعة إلى الطبقة الحاكمة من خلال انتخابات نقابة المحامين، وصفعة مدوية أمس في انتخابات نقابة المهندسين عكست مزاج الناس ونبضهم الرافض ممارسات هذه المنظومة، ولامسؤوليتها وعن عجزها عن معالجة أي ملف منذ ثورة 17 تشرين لغاية اليوم.

والقراءة الأولية لنتائج انتخابات نقابة المهندسين تكشف أن المواجهة كانت بين المستقلين المعارضين لنهج الحكم ومسؤوليه، وبين أحزاب السلطة وحلفائها التي تجتمع وتتكاتف في مواجهة الناس عند كل استحقاق، كما اجتمعت بالأمس. فلا يحاولنّ أي مسؤول في هذه الأحزاب بعد اليوم أن يظهر على اللبنانيين لافتا إلى مواقفه وخطواته وتنظيراته السياسية ليصل إلى استثناء نفسه وحزبه من شعار "كلن يعني كلن"، لأن صفعة المهندسين ثبّتت هذه المقولة وواجهتها وانتصرت عليها.

لذلك، من نافل القول أيضا أن المسؤولين لن يتبصّروا بنتائج هذه الانتخابات ويقرؤوا أبعادها على اعتبار أنها لا تؤثر على قرارهم وتوجهاتهم من وجهة نظرهم، فيما هي في الواقع مقدمة لخطوات مماثلة في استحقاقات مقبلة من نقابية وبلدية ونيابية ورئاسية، إذا أحسن المجتمع المدني تحصين نفسه عليها والدخلاء والوصوليين والانتهازيين فيها.

ذلك أن الدول المهتمة بمساعدة لبنان سياسيا واقتصاديا أعلنت جهارا أنها ستساعد الشعب اللبناني عبر هيئات المجتمع المدني بعدما تبين لها عجز المعنيين عن تأليف حكومة، من جهة، وفساد غالبية هؤلاء الذين باتت أسماؤهم على لائحة العقوبات الأوروبية الجاهزة للإعلان، من جهة ثانية ولكنها تنتظر فرصة أخيرة بعد إرسال إشارات ورسائل تسهيل من المعرقلين، على أن تبقى العبرة في التنفيذ والمهلة باتت قصيرة.

والمجتمع المدني الموحّد الصف هو اليوم أمام فرصة ذهبية لتضييع الفرصة على المسؤولين وبدء الضغط منذ الآن في اتجاه إقرار قانون انتخاب عصري وحديث وتمثيلي حقيقي لشرائح المجتمع اللبناني، والضغط أيضا مع المجتمع الدولي في اتجاه وجوب وضرورة إجراء الانتخابات المقبلة في مواعيدها الدستورية وقطع الطريق على اي محاولة تمديد تؤدي حتما إلى الفراغ الرئاسي، آفة الآفات.

الرئيس فؤاد شهاب أول من استعان بكفاءات المجتمع المدني وضمها إلى فريقه، وأبرزها القاضي في ديوان المحاسبة الياس سركيس الذي استعان بدوره كرئيس للجمهورية برفيق دربه في مصرف لبنان، الرئيس سليم الحص، الذي تحول قامة سياسية وازنة وضميرا وطنيا. والرئيس سليمان فرنجية ورفيق دربه الرئيس صائب سلام أطلقا "الثورة من فوق: عبر حكومة الشباب "المجهولين" في حينه. والرئيس ميشال سليمان افتتح عهده باختيار المحامي زياد بارود من المجتمع المدني وزيرا للداخلية، وكان هذا الخيار نقطة مضيئة من نقاط كثيرة ميزت ولايته. وهؤلاء الرؤساء كانوا محط احترام وتقدير من هيئات المجتمع المدني وكذلك الدول التي تقدر هذا التوجه.

الناس يريدون الخلاص من الواقع الراهن، ومن حال الذل التي يعيشها اللبنانيون يوميا في المنازل وعلى الطرقات، والشعب اللبناني تواق أكثر من أي يوم مضى إلى طي الصفحة الحاضرة بكل مكوناتها ومندرجاتها لتأتي طبقة بديلة، على اللبنانيين اختيارها عبر الانتخابات لتتحقق الأحلام والأمنيات بقيام وطن  الحق والحرية والعدالة المنتظر منذ عقود.    

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o