Jun 29, 2021 6:36 AM
مقالات

هل يسقط الاتّفاق النووي على حدود أفغانستان

كتب العميد الركن خالد حمادة في "اللواء":

لا ينكر أحد الإندفاعة الأميركية لإعادة الحياة للإتّفاق النووي والحاجة الإيرانية لإسقاط العقوبات الأميركية عنها والخروج من الأزمة الإقتصادية، ولكن التسليم بأنّ اندفاعة واشنطن لإتمام الإتّفاق دون أيّة مكاسب يبدو خارج المنطق. فالقوة العظمى الأولى في العالم التي تقف وراء أو تستثمر في كلّ الصراعات المفتوحة في المنطقة، ومنها اختراع طالبان وإسقاط الشاه ووصول الخميني إلى السلطة، والإستثمار في الحرب العراقية الإيرانية حتى إسقاط صدام حسين وإدخال كلّ الاصوليات الإسلامية إلى العراق وتكريس الجمهورية الإسلامية كفاعل أساس في زعزعة الإستقرار في الشرق الأوسط، لن تتحوّل بين ليلة وضحاها إلى مقدّم خدمات مجانية.

لم تتخلّ الولايات المتّحدة عن هدفها في السيطرة على العالم حيث يمثّل إخضاع المنطقة العربية الإنجاز الأساس في تنفيذ هذه المهمة، لما يتمتع به من مقوّمات جيوسياسية ولما يختزن من ثروات، يضاف إليها العامل الديموغرافي الذي تحوّل أخيراً إلى عامل مقلق ليس من قبيل النمو المتسارع بل لناحية الكفاءات العلمية والتقنية التي اكتسبها الشباب العربي من أرقى الجامعات ودخوله عصر الحداثة بسرعة قياسية. وبهذا المعنى ينهل تقاطع المصالح الإيرانية الأميركية كلّ عناصر الثبات والإستدامة وتصبح الجمهورية الإسلامية في إيران موضع رعاية أميركية. تعيش إيران على وظيفتها الأميركية وتعيش واشنطن على شغف طهران باستعادة إمبراطورية استعارت لها خطاباً إسلامياً لا يجاري تاريخها المنقوش على جدران الإمبراطورية.

تعكس الرسائل المتبادلة بين طهران وواشنطن رغبة مشتركة في التوصل إلى اتّفاق، وتستشعر واشنطن في الوقت عينه طموحاً إيرانياً لتطوير الوظيفة الأميركية إلى مستوى الشريك الإقليمي، حيث تضطلع طهران بوظيفة الناظم للعلاقات الأميركية في الخليج العربي وفي الدول العربية التي تنشر فيها ميليشياتها. وعلى هذا الأساس تعتقد إيران أنّ امتلاك سلاح نووي هو موضوع يجب أن يكون خارج النقاش وأنّ القيود على امتلاكه ينبغي أن تبحث بين الشركاء ودون وجود وسيط أوروبي. وبالمقابل تستشعر واشنطن الحاجة لطهران في استنزاف القدرات العربية في صراعات دائمة والحدّ من نموّها المتسارع، ولكنها تستشعر في الوقت عينه قيود ومحاذير السير بالطموحات الإيرانية وارتفاع نسبة المخاطرة التي تفرضها مروحة التحالفات المتاحة أمام الدول العربية. 

تنظر الولايات المتّحدة بكل جديّة إلى تنامي الدور المصري ليس في أمن سيناء وأمن قطاع غزة، بل في الندّية الواضحة لدور إيران في المنطقة. فقد حملت زيارة الرئيس عبد الفتاح السياسي إلى العراق خلال الأسبوع المنصرم واللقاء الثلاثي الذي جمعه برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أكثر من دلالة. هذه الزيارة هي إحدى الرسائل الموجهة لطهران بشكل مباشر وهي تأتي بعد قمّم ثلاث عقدت في القاهرة والولايات المتّحدة وعمان، حيث أبرمت الدول الثلاث إّتفاقات إقتصادية مشتركة وأخرى ثنائية فيما بينها، تتمحور في الغالب حول الطاقة والتجارة والاستثمار. وإلى جانب ذلك تقيّم الولايات المتّحدة الدور السعودي والإماراتي في ضبط تدفقات الطاقة، وتنامي هذا الدور ليتخذ بعداً يتصل مباشرة بالاستقرار في المنطقة لا سيما بعد اتّفاقات التطبيع التي بدّلت وجه الصراع العربي الإسرائيلي. فقد حمل اللقاء الذي جمع وزيريّ الخارجية الأميركي والإسرائيلي أنتوني بلينكن يائير لابيد منذ يومين في روما بعداً جديداً، حيث بدا واضحاً أنّ الجانب الإسرائيلي قد تجاوز حساسيات الإدارة الحالية وكان واضحاً في التشديد على خطورة السير بالإتّفاق النووي بصيغته الحالية مطالباً الولايات المتّحدة بتطوير إتّفاقات التطبيع مع الدول العربية. وقد يكون قيام أول إئتلاف عربي يهودي لتشكيل الحكومة في إسرائيل هو أحد أوجه التغيير الجذرية في العلاقة العربية الإسرائيلية، وربما يؤدي ذلك الى تغيير في طبيعة التهديدات وفي قائمة الأهداف الإسرائيلية. 

قد لا يمنع كلّ الإرث المعروف للعلاقات الإيرانية الأميركية ووحدة الأهداف بينهما تحوّل الإشارات التي ترسلها الولايات المتّحدة لطهران إلى صراع حقيقي. تقلم الولايات المتحدة أظافر طهران من حين لآخر عندما تتجاوز الخطوط الحمراء، وتعبّر الغارات الأميركية القاسية التي تستهدف الميليشيات الإيرانية في شمال شرق سوريا والتي تعترف بها واشنطن، عن الجديّة في ترويض طموحات طهران، كما يستبطن الإنسحاب الأميركي المتسارع من أفغانستان وسقوط المواقع التي تخليها القوات الأميركية بيد طالبان وخصوبة الحدود الإيرانية الأفغانية لصراع مذهبي أكثر من تهديد  لطهران وأكثر من حرب محتملة قد تفجرها الولايات المتّحدة بوجه حليفتها. 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o