Jun 25, 2021 12:01 PM
مقالات

من "المارونية السياسية" إلى "اللبنانية السياسية"؟

كتب أديب ابي عقل

المركزية- على مرّ الحقبات في تاريخه الاستقلالي، لم يبلغ الواقع اللبناني بكل قطاعاته، السياسية والاقتصادية والمعيشية، مستوىً بائساً كالذي نعيشه اليوم، حيث القدرة على الاحتمال والصمود تلاشت، خصوصاً وان المجهول هو الوجهة لغاية الآن، من دون أن تبرز من أهل الحل والربط المعنيين، أية بادرة تعكس إرادة حقيقية للخروج من المأزق، تمهيداً لمحاولة الإنقاذ .

وبعيداً ممّا هو قائم من محاولات وتصرفات، ثبت أنها استعراضية، ولا تعكس توجهاً حقيقياً لحلحلة القضايا الملحّة، وفي طليعتها تأليف الحكومة، مفتاح عودة التعاطي الخارجي مع لبنان ومساعدته في انتشال نفسه من القاع، يجدر التبصر بهدوء، وقراءة مراحل التحول في شخصية البلد وهويته ودوره.

ذلك أن فرادة الصيغة اللبنانية، التي جعلت من البلد وطن رسالة، وواحة محبة وتسامح، وأرض انفتاح وعيش مشترك، ونقطة التقاء الشرق والغرب، تراجعت من دور ريادي مشرق، إلى دور تابعٍ غير قادر على اتخاذ وضعية نابعة من ذاته اللبنانية المستقلة، المتفاهمة والمتناغمة في علاقاتها بين الشرق والغرب.

فمنذ الاستقلال، وحتى إقرار الوثيقة الدستورية في الطائف، وما تخلّل هذه الفترة من حروب وثورات وأزمات اقتصادية ومصرفية، نجح الذين تسلّموا المسؤولية، من رؤساء جمهورية وحكومة ومجلس نواب، في بناء مؤسسات تربوية وصحية واقتصادية ومالية وغيرها، جعلت من البلاد مستشفى الشرق ومدرسته وجامعته، فكانت قبلة الأنظار، وميدان التقاء الحضارات، وساحة حوار، واستحقت بجدارة لقب "سويسرا الشرق".

وهذه المرحلة، كان المسيحيون فيها أصحاب القرار والهيمنة، ومعهم شركاؤهم المسلمون، وكان قادة تلك الحقبة، قامات وقيادات وطنية ورجال دولة، نجحوا في المزج بين مسؤولياتهم الوطنية ومصالحهم السياسية، من دون أن يهتزّ بنيان الدولة، على رغم أخطاء وتجاوزات، كان يتمّ احتواؤها، من دون تأثير على الواقع القائم.

وإذ سُمِّيت هذه الحقبة شعبوياً بـ"المارونية السياسية"، إلا أنها لم تكن تتناول الموارنة كطائفة، بمقدار ما كانت توصيفاً لنمط حكم وحالة سياسية، كانت تضم مسؤولين مسلمين ومسيحيين.

فالمسيحيون في تلك المرحلة، كانوا رواد العروبة والفكر السياسي، والقومية والدولة المدنية، من ميشال عفلق، أحد مؤسّسس حزب البعث، إلى انطون سعاده مؤسّس الحزب القومي، وغيرهم في الأدب والصحافة والفنون ومجالات أخرى.

وكانت الأحزاب المسيحية، منتشرة على طول خريطة الوطن، ولها ممثلون في الندوة النيابية من المناطق كافة.

هذا الدور، تراجع مع بداية الحرب الأهلية، وما سبقها من شحن طائفي، تلاه فرز ديموغرافي، حيث تقوقعت الطوائف، ليتوقف الاقتتال عبر اتفاق الطائف، الذي أنتج تغييراً في الصلاحيات والأدوار والمسؤوليات.

ومع هذا التغيير، بدأت مرحلة هيمنة "السنّية السياسية"، وسطع نجم العراب الخفي للطائف الرئيس رفيق الحريري، الذي، معتمداً على المال أساساً والدعم السعودي، نجح في اختزال القيادات السنّية في بيروت والمناطق، واستعان ببعض الأسماء المسيحية لتقديم تيار عابر للطوائف، ونسج علاقات جيدة مع بكركي. إلّا أن الثقل الأساس لتياره، كان محصوراً في بيروت وصيدا وطرابلس بشكل أساسي.

وعلى رغم قيادته مشروع إعادة الإعمار، ولو بكلفة أضعاف مضاعفة، استناداً إلى رهانه على السلام في المنطقة، ما كانت نتيجته إرهاقًا للخزينة واللّبنانيين بالدين، فإنّ شغفه بالإعمار استحوذ اهتمامه أكثر من وجوب إعادة تكوين الادارة اللبنانية بأجهزتها وإداراتها بشكل سليم. وكانت النتيجة فشلا في قيام دولة المؤسسات.

ومع استشهاده، وانسحاب سوريا،صاحبة القرار الوحيدة والنفوذ الواسع، وتدخلها في التفاصيل اليومية، بدأت مرحلة "الشيعية السياسية"، التي جسدها الثنائي حركة أمل وحزب الله الذي، معتمداً على السلاح لمقاومة العدو أساساً والدعم الايراني، اختزل القيادات الشيعية الاخرى، وتحول بعد العام ٢٠٠٠ إلى الداخل، معتمداً قوة سلاحه أيضاً، واستقطب عبر تفاهم مار مخايل، غطاء الشريحة المسيحية الأقوى آنذاك، وفرض توجّهاته واتجاهاته على قرار السلطة، وأمسك زمام الأمور، من دون الاهتمام الفعلي ببناء الدولة،. واكتفى تحت شعار  الحرمان، بحشر الأنصار والأزلام والمحاسيب في الإدارة. والنتيجة أيضا فشل في قيام دولة مؤسسات.

هذه البانوراما المختصرة، تستوجب من المسؤولين والغيورين على الشأن الوطني، التفكير ملياً وبروية، في كيفية إعادة لبنان إلى دوره الريادي، والنموذج المنفتح، البعيد من المحاور شرقاً وغرباً، التي جلبت للبنان الثورات والخضّات، والابتعاد عن مشكلات الآخرين ومحاورهم، وابعاد مشكلاتهم عنا، كي يعود لنا وطن نفتخر بالانتماء اليه.

الجمهورية الأولى نشأت على يد البطريرك الياس الحويك، وكانت مشروع حكم وضع مرتكزات الدولة وأسسها.

الجمهورية الثانية كان ملهمها ومطلق شرارتها البطريرك نصرالله صفير، ولكنها تحوّلت مشروع سلطة وتسلّط بالمال ثم السلاح.

الجمهورية الثالثة المنتظرة يرعى قيامها البطريرك البطريرك بشارة الراعي على قاعدة الحياد المنطلق من إعلان بعبدا. فهل تكون مشروع دولة حديثة، دولة الحق والحرية والعدالة؟

فهل نصل إلى "لبنانية سياسية" تحقّق هذه الأهداف والتطلّعات؟  

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o