Jun 05, 2021 10:14 AM
مقالات

من بيده تشكيل الحكومة؟

كتب الدكتور توفيق الهندي: بتاريخ 25 أيار أطلق السيد نصر الله صفارة البدء لتشكيل الحكومة ووّكل السيد نبيه بري بهذه المهمة. والملاحظ أنه أكد أن ليس من أسباب خارجية تحول دون تشكيلها وأن المشكلة هي بحت لبنانية، أي بين عون-باسيل والحريري، علما" أن الإعلام "المقاوم" كان يضع سابقا" المشكلة في إطار سوء علاقة الحريري مع المملكة العربية السعودية والحصار الأميركي-العربي للبنان "المقاوم".

لفهم هذا الموقف المستجد يجب النظر إلى الصورة الأكبر، أي إلى تطور مباحثات فيينا.

من الواضح أن هذه المباحثات كانت أحرزت تقدما" ذات شأن وفق شروط الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما أفرج السيد نصر الله عن مسيرة تشكيل الحكومة بعد صمت طويل. كانت الأجواء توحي بأن الإتفاق بات على بعد أسبوع من توقيعه.

والمعلوم أن إيران كانت تتشدد في مفاوضاتها وتضغط لفرض شروطها في مسار العودة إلى الإتفاق النووي بنسخته الأصلية مقابل هرولة إدارة بايدن، كما كانت تضغط ميدانيا" في اليمن ومن اليمن، في العراق، في سوريا وفي لبنان من خلال الإمساك بورقة تشكيل الحكومة حيث عدم تشكيلها قد يخلق أوضاعا" في غاية الخطورة على مصالح الدول في المنطقة، أكانت إقليمية أو دولية وتحول لبنان إلى قنبلة موقوتة للأمن والإستقرار والسلام الإقليمي والدولي، ما قد يستدعي جدية في التدخل الخارجي فيه.

وكانت قد توالت الأحداث في فلسطين المخطط لها بإتقان من قبل "محور المقاومة" الذي يتزعمه نصر الله في توقيتها وآلياتها إدارتها لتضغط من أجل وضع مسار فيينا على طريق الحسم لصالح إيران.

غير أن تعثر مهمة بري هي مؤقتة ريثما تجرى الإنتخابات الإيرانية في 18 حزيران وينجح مرشح من المقربين من الخامينئي، كما هو متوقع، ويقطف ثمرة رفع العقوبات عن إيران شعبيا".

وهنا، يجب التوقف عند الملاحظات التالية:

1) عكس كل ما يحكى سياسيا" وإعلاميا"، السلطة في لبنان هي كاملة" في يد حزب الله للأسباب التالية:

أ- المكون الرئيسي لميزان القوى هو المكون العسكري-الأمني ومعلوم أن حزب الله يمتلكه دون منازع، علما" أنه بالإضافة هو متحكم بكافة مفاصل الدولة وأن هذا المكون لا أثر له في الإقليم ليلقي بثقله على الساحة اللبنانية على غرار ما كان عليه الوضع في العام 2005.

ب- حزب الله متحكم بالمؤسسات الدستورية الثلاث: رئاسة الجمهورية المتربع على كرسيها ميشال عون، حليفه الإستراتيجي، وهو يمتلك الأغلبية في مجلس النواب ومتحكم برئيسه نبيه بري، حليفه اللدود، بالإضاقة إلى أن أية حكومة سوف تشكل سوف يكون قرارها بيده.

ج- تخضع الطبقة السياسية المارقة والقاتلة بجميع مكوناتها بما فيها الثلاثي جنبلاط- الحريري-جعجع لسطوته كونها تتحرك في إطار دولة-شبح وفق آلياتها الدستورية المفترضة للإستحصال على فتات مائدة السلطة والمال. لذا، كافة الأحاديث في الإعلام وفي الصالونات السياسية، عن خطط عون-باسيل أو الحريري أو بري وغيرهم، لايستقيم لأنهم جميعهم ليسوا من اللاعبين بل من الملعوب بهم.

2) وعليه، لا حكومة قبل خضوع بايدن لشروط إيران في فينا والتحقق من رفع العقوبات. عندها، "تنجح" ما يسّمى بمبادرة بري ويكون لا حول ولا قوة لعون-باسيل والحريري إلا "الإتفاق" على تشكيل الحكومة بالصيغة التي يضعها ويرتضيها حزب الله.

قد يعتبر البعض أنه ثمة مبالغة في هذه النظرة. ذلك مرده أن هذا البعض متوهم بأن ميزان القوى ليس لصالح إيران، بل هو لصالح أميركا والغرب عموما"، كما مرده لجهله ماهية الجمهورية الإسلامية في إيران ومشروعها الكوني وبراعتها الإستراتيجية والتكتيكية.

3) حكومة المهمة إستشهدت. حكومة إنتخابات؟ إذا تشكلت على هذا الأساس، وهذا الأمر مستبعد، فهذا لن يعني أن الإنتخابات ستحصل لأن الحزب يرغب أن البرلمان الحالي الذي يمتلك فيه الأغلبية ينتخب الرئيس العتيد الذي لن يكون إلا باسيل كإمتداد لرئاسة عون ولكون أن الأغلبية يؤمنها التيار الوطني الحر ولكون باسيل عندما خّير بين الأميركيين وحزب الله إختار الحزب وحصد العقوبات.

4) برأيي المتواضع لمن يحلم بإنتخابات لإعادة إنتاج السلطة (سلطة دولة أصبحت في خبر كان) أو كوسيلة تغيير، عن حسن نية بالنسبة للبعض أو سوء نية بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه الإنتخابات لن تنتج أي تغيير ذات شأن في ظل السلاح غير الشرعي، فضلا" أن لبنان الكيان والدولة والشعب يكون أصبح في خبر كان بتاريخ إجرائها لأن التطورات الدراماتيكية التي ستوصل لبنان إلى العصر الحجري، سريعة وسريعة جدا".

وليتذكر أصحاب هذا الطرح أنه كان ل 14 آذار الأغلبية النيابية في ال 2005 وال 2009 ولم تتمكن من الصمود في وجه السلاح والإحتلال الإيراني.

أما اليوم، فالوضع أخطر وحزب الله أقوى من أي وقت سبق والطبقة السياسية المارقة المجرمة الواقعة تحت سطوته، وهي شريكته "من تحت"، تتمتع بعناصر القوة الإنتخابية من تغطية السلاح، والمال، والدولة العميقة، والخبرة الإنتخابية، والمكنات الإنتخابية، وغددية مناصريها وتأليههم ل"زعمائها"، مقابل ضعف إمكانات الثورة، قلة خبرتها السياسية والإنتخابية وتفكك صفوفها وإنتهازية بعض المتطفلين عليها.

بالرغم من هذه الصورة القاطمة، الأمل موجود لإنبعاث لبنان مجددا" والتخلص للأبد من عورات بناه الإجتماعية-السياسية التي هي في أساس وجود هذه الطبقة السياسية المارقة القاتلة والفساد الملازم لها.

وهنا، أعيد التذكير بخريطة الطريق لخلاص لبنان التي طالما عرضتها في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية:

1) إتخاذ وتنفيذ قرار لمجلس الأمن يضع القرارين 1559 و 1701 تحت الفصل السابع وتوسيع مهام اليونيفيل.

2) إتخاذ قرار أممي بإخضاع لبنان لانتداب دولي وفق الفصلين 12 و 13 من ميثاق الأمم المتحدة أو من خلال إستخدام إجرام السلطة اللبنانية بحق الشعب اللبناني وعدم إحترامها لحقوقه الإنسانية.

3) في إطار الوصاية الدولية المذكورة أعلاه ، تشكيل سلطة عسكرية مدنية مؤقتة مشكلة من نخبة من المدنيين والعسكريين منهم في الخدمة ومنهم متقاعدين، على غرار ما حدث في السودان، تعلق الدستور وتعمل تحت إشراف دولي لتطهير جميع مؤسسات الدولة من الزبائنية السياسية والفساد، والعودة إلى إنفاذ الدستور. عندها، تجرى الانتخابات النيابية وفقًا لقانون جديد. تليها انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة تمهد الطريق لرفع الوصاية الدولية واستعادة لبنان عافيته في كل الميادين على كافة المستويات.   

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o