Jun 04, 2021 12:40 PM
مقالات

ماذا بعد؟... هنا الخطر

كتب أديب ابي عقل

المركزية- قد يكون السؤال البديهي والطبيعي لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين: ماذا بعد؟

والمقصود بالسؤال يتناول مرحلة ما بعد الانهيار الحاصل على كل المستويات وفي شتى مجالات الحياة الحرة والكريمة المسلوبة من اللبنانيين، في دولة غابت عنها صفات الحق والعدالة والحريّة، وفي كنف سلطة يُفترض أن تتصدى لهذا الانهيار، وتبيّن أنها تهتم بمصالحها الخاصة، وطموحاتها السياسية والانتخابية، بدءاً من البلدية مروراً بالنيابية، وصولاً إلى الرئاسية، وهنا بيت القصيد، وهنا الخطر.

الواضح أن السلطات الرسمية اللبنانية، من تنفيذية وتشريعية وقضائية، في حال "تصريف اعمال" وشلل، وفراغ، بفعل انتهاء الصلاحية او الولاية، والنتيجة انهيار غير مسبوق في تاريخ لبنان القديم والحديث، جَعَله في طليعة الدول الفاشلة والمارقة، المعزولة عن محيطها والعالم، وهنا الخطر.

وفي بانوراما لمشهدية الوضع وتوصيف الواقع يتبيّن الآتي:

سياسياً: الحياة السياسية بمعنى العمل الديموقراطي بين الوزراء والنواب والأحزاب والتنظيمات، غائبة، وميزان الديموقراطية بكفّتيه الموالية والمعارضة معطَّل، لولا خرق محدود لجلسات "تشريع الضرورة"، يتمّ الاتفاق على مواضيعها مسبقاً، لتبادل تمرير مصالح الأفرقاء، وإلا فإنها لا تنعقد، في ظلّ الانقسام القائم، الذي تجاوز المستوى السياسي ليلامس الجدار الطائفي، وهنا الخطر.

حكومياً: بات واضحاً أن لا تأليف للحكومة في المدى المنظور، بعدما استفحل الخلاف علناً بين طرفي التأليف، بحسب الدستور،بفعل عناد كلّ منهما، وتشبثه بمواقفه المحصورة في من سيعيّن الوزيرين المسيحيين لحقيبتي الداخلية والعدل، غير عابئين بالأوضاع المتفاقمة بؤساً وفقراً، وكأنّ الوضع يسمح بترف الوقت، فضلاً عن أن محاولة توريط البطريرك الراعي في التسمية، لم تلقَ الآذان الصاغية لدى بكركي التي حسمت الرفض، وحسناً فعل سيّدها، وإلا هنا الخطر.

مالياً: حدّث ولا حرج عن أموال المودعين ومصيرها، و"الاستعانة" بمجلس شورى الدولة، بعد محاولات سابقة في القضاء لم تصل إلى نتيجة، لتحميل حاكم مصرف لبنان وحده المسؤولية، وهم مسؤولون مثله تماماً وبالمقدار نفسه، بعدما فشلت كذلك الحملات السياسية عليه لأهداف رئاسية، وهنا الخطر.

انتخابياً: على رغم التلويح باستقالات نيابية لكتل وأحزاب، فان القطبة المخفية، تكمن في  العمل من الآن، على التمديد للمجلس النيابي، حيث الأكثرية ممسوكة، وتتحكّم بالاستحقاق الرئاسي المقبل، انتخاباً أو تمديداً، بعدما كشفت احصاءات لشركات أجنبية متخصّصة، تراجع شعبية "الجميع" بفعل سوء إدارة الأوضاع المتفاقمة، وعدم الجدية في معالجتها، في ظلّ المهاترات والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين، مباشرة وعبر وسائل التواصل، وهنا الخطر.

صحياً: وجود الأدوية الأساسية إلى انحسار كبير، نتيجة الوضع المالي والاقتصادي المتدهور، مصحوباً بـ"جشع" بعض المستوردين وتجار الأدوية، فضلاً عن تراجع الدور الاستشفائي، وخصوصاً الجراحات، بفعل نقص الأدوية الأساسية اللازمة والضرورية، وهنا الخطر.

أمنياً: غياب التنسيق بين الأجهزة، وهذا ليس جديداً، ما جعل حبل الأمن يتفلّت على غاربه، ورفع نسبة الحوادث الأمنية على أنواعها، في موازاة بداية حملة على الجيش، ووضع تحركات قائده في إطار سياسي أكثر ممّا هو أمني، لمصلحة ضبط الوضع في هذا الظرف الصعب، وهنا الخطر.

قضائياً: انتهاء ولاية بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى، السلطة الناظمة والضابطة لعمل القضاء، وصعوبة تعيين بدائل، اضافة إلى شغور مراكز قضائية أخرى كرؤساء محاكم التمييز في بعض المناطق، فضلاً عن أن عدم توقيع مرسوم التشكيلات القضائية أدّى إلى شلل كبير في عمل هذه السلطة، إذ إن انهيار القضاء يعني سقوط العدالة، وهنا الخطر.

"تهريبياً": مسلسل تهريب المحروقات والمواد الغذائية من امام اللبنانيين ومن أموالهم مستمر، والسلطة التي تصرّ على رفع شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد، فيما هي عاجزة عن وقف التهريب وتوقيف مهرّب، ما ينعكس في حال حصوله، إيجاباً على استمرار الدعم أولاً، وتوافر المواد في السوق المحلية ثانياً، ويضع حداً لطوابير الذل والانتظار للحصول عليها، وهنا الخطر.

معيشياً: فلتان الأسعار بلا حسيب أو رقيب، والتلطي بالدعم وسعر صرف الدولار قياساً إلى العملة الوطنية، وجشع بعض محتكري المواد الغذائية، جعل الذل والوقوف في الصف للحصول على لقمة العيش أمراً يومياً عادياً، وهنا الخطر.

تربوياً: توزيع التعليم في المدارس والجامعات عن بعد وحضورياً، والتخبّط الحاصل حيال إنهاء العام الدراسي، وكيفية اجراء الامتحانات، في ظل عدم مساواة لناحية إنهاء البرامج المقررة بين مؤسسة واُخرى، ينعكس سلباً على وضع الطلاب، خصوصاً على مستوى الشهادات الرسمية والجامعية، وهنا الخطر. 

سياحياً: كيف سيأتي السياح إلى بلد الأوضاع فيه غير مستقرة، وتعويل المسؤولين على الاغتراب قد لا يلقى التجاوب، خصوصاً وأن المغتربين مستاؤون من الخلافات القائمة بين المسؤولين وعلى مستوى القيادات، وتاليا الثقة مفقودة بالمسؤولين والقيادات، وهنا الخطر.

ماذا بعد؟

وهل هناك من بعد، والوطن في حال موت سريري، وطبقة سياسية غالبيتها العظمى فاسدة، ويفترض أن تسحب نفسها من الساحة، لأنّ الانفجار، اذا حصل، فهو حتماً لن يبقي أحداً من هؤلاء حيث هو. والآتي من الأيام خير مجيب عن السؤال.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o