May 21, 2021 12:20 PM
مقالات

صعوبة التسوية الحكومية بين الرسالة الرئاسية والتوريث السياسي

كتب أديب ابي عقل

المركزية- لم يكن ينقص اللّبنانيين الصابرين على قساوة الوضع الاقتصادي والمعيشي، والمنتظرين باب فرج للوضع المأزوم، سوى استفحال الخلاف السياسي حيال تأليف الحكومة الجديدة، ونقله الى البرلمان، عبر الرسالة الرئاسية الى مجلس النواب الذي يستمع الى تلاوتها اليوم.

ذلك أن ما رافق الرسالة من تباينات في دستورية الخطوة شكلاً ومضمونًا، وما قد يترتّب على ذلك من تداعيات مرتقبة بفعل المواقف، قد يزيد بالتأكيد في الشرخ القائم، وتوسيع دائرة الخلاف، وتحوّله من خلاف ناتج من عدم التفاهم على تسوية حكومية-يُراد منها ان تكون مقدمة لتسوية رئاسية جديدة لاستحقاق العام المقبل- إلى تعميق الانقسام السياسي والطائفي، ما يضع البلاد امام مرحلة جديدة غير محمودة العواقب.

وبعد الرسالة الرئاسية الى الرئيس الفرنسي، وفيها طلب المساعدة في حل المأزق الحكومي،من خلال حمل الرئيس المكلف على الاعتذار لعدم استطاعته تأليف الحكومة لغاية الآن والشكوى منه وعليه، وفي ضوء المأزق الديبلوماسي الذي احدثه كلام الوزير السابق للخارجية-الذي أُعفي من مهامه بناءً على طلبه- وما تبع ذلك من ردود فعل خليجية، ساهمت بجمع معارضي العهد في دارة السفير السعودي في اليرزة، يبدو المشهد السياسي قاتماً ولا يبشر بالخير في المدى المنظور.

وهذا المشهد، مرشّح للاستمرار في غياب نص دستوري واضح يحسم الصراع القائم، وأي تفسير للدستور قد يكون اجتهاداً أكثر ممّا هو نص واضح، ما يترك تداعيات جدلية حياله.

وهذا المشهد يكشف أيضاً العجز الواضح لدى فريقي التأليف، في ضوء الاشتراطات المسبقة التي تتجاوز الشكليات والتعقيدات، من الثلث المعطل-أو الضامن- إلى حقيبتي الداخلية والعدل، ليصبّ في خانة الرغبة في انتاج تسوية رئاسية جديدة منذ الآن، معروفة الشخص والهوية والانتماء. وإلا فالأمور مرشحة حكماً للبقاء في المراوحة والجمود، في انتظار تسوية من الخارج المنهمك بقضايا إقليمية ودولية، تأتي في حسابات المتعاطين بها قبل الوضع اللبناني الذي، على رغم انهياره، لا يستجيب المسؤولون فيه للدعوة إلى مساعدة أنفسهم وبلدهم.

فالتوريث السياسي الذي طبع أنظمة جمهورية في العقود الاخيرة، وحوَّل رؤساءها-وغالبيتهم قادة الثورة فيها- إلى ملوك غير متوّجين، نجح في جعل لبنان-أول نظام ديموقراطي في محيطه- يدور منذ سنوات في هذا الفلك على رغم الاستثناءات لبعض الرؤساء، وترك آثاره السيئة لدى الغالبية الساحقة من اللبنانيين، التي لا تزال تؤمن بقوة وتصرّ بشدة على تداول السلطة، وفق اللعبة الديموقراطية وكفتي ميزانها، الموالاة والمعارضة، تحت مظلة الوحدة الوطنية.

ولم يعد جائزاً ولا مقبولاً في القرن الحادي والعشرين، أن تسود هذه العقلية وهذا التفكير لدى كل من يتولّى مسؤولية عامة، سواء بالانتخاب أو التسوية أو التعيين، بحيث ينحصر همّه في التحضير لمن سيخلفه، بدلا من الاهتمام بتأمين سبل العيش الحر والكريم للمواطنين، وتركيز المؤسسات، وقيام دولة الحق والعدالة والديموقراطية.

فالمطلوب من المسؤولين المعنيين، التخفيف من المكابرة والعناد في التعاطي في ما بينهم، وعدم اعتبار أي تنازل انكساراً امام الآخرين، لأن مصلحة الوطن والمواطنين أسمى وأرفع من مصالحهم وخلافاتهم.

والمطلوب من رئيس الجمهورية دعوة الرئيس المكلَّف إلى اجتماع للبحث في الحلول الممكنة، ومن الرئيس المكلّف بدوره أن يحمل اكثر من طرح، قد يساعد في ردم الهوة وتقريب وجهات النظر مع رئيس الجمهورية، من دون الغوص في "صلاحيات" التأليف المنصوص عنها بوضوح في الدستور، خصوصاً لجهة الشراكة من خلال التشاور.

فدقّة الأوضاع الإقليمية والدولية، تفرض على أهل السلطة، الإقلاع عن التلهي بـ"جنس الملائكة"، والملائكة غائبة عنا. وتفرض كذلك العمل على وجود دولة مكتملة المؤسسات والسلطات، ولو في الشكل-خصوصاً السلطة التنفيذية- كي يتعاطى المجتمع الدولي، القريب والبعيد، معنا من منطق دولة إلى دولة، ولا يكون تعاطيه مع افرقاء ينفّذون مصالحه-كما هي الحال منذ عقود- على حساب الدولة اللبنانية وسيادتها وكرامتها، ما يفتح الباب على احتمالات سلبية، أقلها الفوضى وعودة أوضاع لا يرغب فيها اللبنانيون ولا يريدون استعادتها.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o