May 20, 2021 7:18 AM
صحف

ما مصير رسالة عون؟

في الجانب المتعلق بالرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس النواب، والتي يلقي فيها مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة على الرئيس المكلّف سعد الحريري، ويدعو النواب الى تحمّل مسؤولياتهم، فقد سلكت هذه الرسالة مسارها الطبيعي، وحدّد رئيس المجلس جلسة لتلاوة الرسالة غداً الجمعة في قصر الاونيسكو.

على انّ الثابت في المشهد المرتبط بهذه الرسالة، بحسب "الجمهورية" انّها اربكت الداخل حولها باعتبارها سابقة من نوعها، وراكمت كمّاً هائلاً من علامات الاستفهام والاستهجان حول القصد منها، وخصوصاً انّ مجلس النواب، وان استجاب لها من حيث الشكل وأجرى المقتضى الفوري حيالها بتحديد موعد لجلسة لتلاوتها، فهو لا يملك أن يستجيب لها، ولا أن يماشي الرغبات الشخصية التي صاغتها بمضمون يقفز فوق الدستور والصلاحيات. فما تقرّر في الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، قد تقرّر وانتهى الامر، ولا صلاحية للمجلس ولا لغيره في ان يبدّل او يعدّل في هذا القرار.

على انّ السؤال الكبير دار حول إصرار رئيس الجمهورية على توجيه هذه الرسالة الى مجلس النواب، برغم انه تلقّى في الايام الاخيرة نصائح مباشرة بالعدول عن هذا الامر المحرج للرئاسة قبل اي طرف آخر، وثمة كلام مباشر ابلغ الى الرئاسة مفاده انه من الضروري صرف النظر عن مثل هذه الرسالة، اذ لا طائل من توجيهها على الاطلاق، فضلاً عن انها قد تشعل فتيلاً لاشتباك سياسي يُربك الداخل اكثر مما هو مربَك، وقد تفتح الوضع على منزلقات خطيرة سياسية ومذهبية خصوصاً ان الرسالة تتناول ما تسمّى "المحرمات" المرتبطة بصلاحيات احدى الطوائف الاساسية في لبنان، فهذا الامر يعدّ محاولة فرض اعراف جديدة تتجاوز الدستور وتستفزّ العصب السني، وقد تفتح باباً يصبح من الصعب إغلاقه.

وبحسب مصادر سياسية موثوقة فإنّ رئيس المجلس نبيه بري كان في مقدمة الناصحين، وجرى حديث مطوّل بينه وبين رئيس الجمهورية حول تلك الرسالة قبل إرسالها، الا انّ رأي "مستشاري القصر" كان الغالب في النهاية ووجهت الرسالة، وأوقعت معها رئيس الجمهورية في المحظور... وبالتالي تعاطى الرئيس بري مع الرسالة على قاعدة أن رئيس الجمهورية مارس حقه الدستوري في توجيه رسالة الى مجلس النواب، ولمجلس النواب حقه في ان يمارس دوره الدستوري والقانوني في اجراء المقتضى حيالها، ومن هنا جاء تعيينه لجلسة يوم الجمعة".

وعشية الجلسة، شرحت مصادر مجلسية الرسالة الرئاسية، وسجلت عليها الملاحظات التالية:
- اولاً، من حيث الشكل، هي رسالة تندرج في سياق حق رئيس الجمهورية الدستوري في مراسلة مجلس النواب
- ثانيا، من حيث المضمون، لا تنسجم مع الدستور، ولا مع ما انتهت اليه الاستشارات النيابية الملزمة التي كُلّف الرئيس سعد الحريري بناء عليها.
- ثالثا، مجلس النواب وحتى ولو كان مُجمعاً على تبني مضمون رسالة عون، لا يملك صلاحية ان يبدل في واقع التكليف شيئاً، ولا ان يعلن سحب التكليف من الرئيس المكلف. وحتى ولو انه فعل ذلك وبإجماع اصوات النواب فلا قيمة قانونية او دستورية لذلك. فلا قيود على الرئيس المكلّف، ومصير التكليف يحدده فقط الرئيس المكلف سواء بالتمسك به طالما انه ليس مقيّدا بسقف زمني، او التخلي عنه ساعة يشاء هو بالاعتذار. ومن دون ذلك لا يستقيم ابداً.
- رابعا، اذا كان القصد منها دعوة النواب الى سحب التكليف من الحريري، فهذه هرطقة قانونية ودستورية، من شأنها ان تفتح الباب في المقابل على هرطقة مماثلة بأن تعمد جهات سياسية الى مطالبة النواب الذين انتخبوا رئيس الجمهورية بسحب اصواتهم وانتزاع الرئاسة منه. وبالتالي، لا يستطيع رئيس الجمهورية ان يكرّس سابقة من هذا النوع لم يسبقه اليها اي من رؤساء الجمهورية السابقين.

امّا في السياسة، فإنّ التقييم السياسي للرسالة الرئاسية يتقاطع عند الملاحظات التالية:
- اولا، انّ الرسالة جاءت بمثابة "فاول" رئاسي كبير يعكس جهلاً مُدقعاً لدى مستشاري القصر بالدستور والقانون وصلاحيات الرئاسات.
- ثانيا، ان هذه الرسالة لا تعدو كونها محاولة واضحة من رئيس الجمهورية للنأي بنفسه عن تعطيل تأليف الحكومة، وتحميل الرئيس المكلف وحده مسؤولية التعطيل، فيما كل الوقائع المرتبطة بعملية التأليف منذ تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة تظهر بشكل لا يقبل أدنى شك الادوار التعطيلية لكل طرف وتعليق الحكومة على حبل من الشروط التعجيزية ليس اقلها المطالبة بالثلث المعطل وبوازارات معينة.
- ثالثا، ان هذه الرسالة جاءت على طبق من ذهب للرئيس المكلف، اذ ان عدم استجابة المجلس النيابي لها، وهذا امر اكيد، يأتي بمثابة ثقة متجددة بالحريري وتجديداً لتكليفه. بما يعد كسرة معنوية كبيرة لرئيس الجمهورية.
- رابعا، ان الواضح من الاصرار على الرسالة وارسالها الى مجلس النواب، هو الاعلان بصورة مباشرة من قبل رئيس الجمهورية عن رفضه التعايش الحكومي نهائياً مع الرئيس الحريري. وثمة من قرأ في هذا الاصرار محاولة رئاسية لفتح اشتباك سياسي عنيف مع الرئيس المكلف وفريقه السياسي.

كل هذه الاجواء تسبق جلسة الجمعة، فيما انصبّت الجهود في الساعات الماضية على محاولة احتواء تلك الجلسة ومنع انزلاق النقاش فيها الى حد يهدد الاستقرار الداخلي. والرئيس نبيه بري يشد في اتجاه التبريد وعدم جعل المجلس منبراً للقصف السياسي العنيف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، خصوصاً ان الاجواء المحيطة برئيس الجمهورية وبالرئيس المكلف تَشي باستنفار سياسي من قبل الطرفين واستعدادات للمواجهة المحتملة يوم الجمعة، والتي إن سارت في هذا الاتجاه فستكون جلسة فضائح ونشر غسيل وسخ فوق كل السطوح السياسية، ولن تبقى ارتداداتها محصورة داخل الجلسة بل قد تشمل الشارع مع ما يترتّب على ذلك من احتمالات وتطورات غير محسوبة.

وتحدثت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات التي تكثفت أمس عن 3 احتمالات:
- الأول، ان يترك رئيس المجلس الامور في الجلسة تأخذ مداها، وليَقل كل طرف ما يريده بحق الآخر على قاعدة "بطيخ يكسّر بعضو". لكن هذا الامر لا يحل المشكلة اذ نكون في مشكلة معقدة فنصبح في مشكلة اكثر تعقيداً ومفتوحة على سلبيات خطيرة سياسية وطائفية.
- الثاني، ان يكتفي رئيس مجلس النواب بإطلاع المجلس على مضمون الرسالة، وان يفتح النقاش لعدد محدود جدا من نواب الطرفين، ولا شيء يمنعه من ذلك. مع محاولة احتواء اي تفلت بالكلام وهذا امر صعب، اذ ان كلمة واحدة قد تشعل الاجواء والنفوس المحتقنة.
- الثالث، ان تُتلى رسالة رئيس الجمهورية، ويرجّح الا تتلى لأنها اعلنت عبر وسائل الاعلام، على ان يصار بعدها الى تمرير توصية سريعة تفيد بأن المجلس النيابي أخذ علماً بالرسالة الرئاسية، وتدعو المعنيين بملف التأليف الى التفاهم على تشكيل الحكومة وفق ما هو منصوص عليه في الدستور. وبهذه التوصية يؤكد المجلس انه لا يستطيع ان يتجاوز النص الدستوري الذي يرعى التكليف وآلية تسمية رئيس الحكومة.

كل ذلك يؤكد في رأي المصادر المذكورة ان الرسالة الرئاسية لا تحقق المرتجى منها، وكان في الامكان الاستغناء عنها.

الى ذلك، اكدت مصادر نيابية بارزة لـ"الجمهورية" ان الاتصالات نشطت أمس لتجنيب مجلس النواب اي انقسام داخلي حول مسألة لا دور لمجلس النواب فيها.

وقالت المصادر: انّ الرئيس بري يحرص على عدم نقل الازمة السياسية وتعثر تشكيل الحكومة الى مجلس النواب، لأن الدستور واضح وضوح الشمس في هذا الشأن فهو لن يسجل في ولايته اي تدبير او اجراء يخالف مواد الدستور، ولا سيما في خص المادتين53 و64، الاولى المتعلقة بالاستشارات وصلاحيات رئيس الجمهورية بتكليف رئيس الحكومة، والثانية المتعلقة بصلاحيات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة من دون تحديد مهلة زمنية. وطالما الدستور لم يحدد فالمجلس لا صلاحية له بهذا التحديد او بسحب التكليف، والا فليعدّلوا الدستور وهذا الامر غير مطروح حالياً على الاطلاق ولا مصلحة لأحد بالدخول فيه. وبالتالي، فإنّ التوجه حاليا هو لإصدار توصية تعمل على حل توافقي متوازن لا يمس بمبدأ التكليف ويحث على الاسراع بتشكيل الحكومة بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.

امّا عن مسار الجلسة فأكدت المصادر ان المجلس النيابي هو ملعب الرئيس بري الذي احترف الحفاظ على التوازنات فيه، وبالتأكيد سيجنّبه اي شرخ يمكن ان تمتد تداعياته الى البلد برمته في هذا الظرف الدقيق، والمخرج سيوازي ما بين احترام الطائف والدستور والحَث على إيجاد حل وعدم فتح البلاد على زوبعة جدل لتفسير الدستور والصلاحيات ستزيد الطين بلة وتضيف الى الازمات المتراكمة ازمة دستورية جديدة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o