May 11, 2021 6:32 AM
صحف

باريس لم تؤكد وفاة مبادرتها... والفرنسيون أخطأوا أربع مرات

أبلغت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية انّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت كانت مدروسة بكل تفاصيلها، ويخطىء اللبنانيون اذا اعتبروا انّ رئيس الديبلوماسية الفرنسية حضر ولم يكن يحمل شيئاً معه. بل على العكس من ذلك، جاء ليؤكد بما لا يقبل أدنى شك بأنّ باريس متعاطفة مع الشعب اللبناني، وستبقى حاضنة له ولن تتخلى عنه كما تخلى عنه القادة السياسيون، وستبقى الى جانبه على كل المستويات.

وعكست المصادر شعوراً متزايداً بالغضب لدى الادارة الفرنسية على خلفية تعامل السياسيين في لبنان مع الازمة التي تعصف ببلدهم، لافتة الى انّ المشمولين بالعقوبات الفرنسية في لبنان ينتمون الى اطراف عديدة وليسوا محصورين بجهة واحدة بعينها، جازمة في هذا السياق ان هذه العقوبات لم توفر تيار المستقبل ولا التيار الوطني الحر، الا انها لم تَشأ الدخول في اسماء، قائلة: هذه الاسماء لن تبقى محجوبة لزمن طويل.

على انّ اللافت للانتباه هو ان المصادر الديبلوماسية من باريس لم تؤكد وفاة المبادرة الفرنسية، بل اشارت الى انّ الفرنسيين لا يستطيعون ان ينهوا مبادرهم، او بالاحرى دورهم في لبنان، والذي تشكل المبادرة القاعدة الاساسية له في هذه المرحلة. ولكن ما ينبغي الالتفات اليه هو ان باريس قد منحت نفسها اجازة، ربما طويلة من الملف الحكومي اللبناني. وهو امر يلقي الكرة مجددا في ايدي اللبنانيين، لعلهم في ظل الامر الواقع الجديد يتمكنون من ابتداع مخرج لأزمتهم بدءاً بتشكيل حكومة تضع لبنان على سكة الانقاذ والانفراج.

الى ذلك، كشفت مصادر مسؤولة ما سمعته من معلومات موثوقة حول زيارة لودريان تفيد بأنّ فرنسا لم تخرج مبادرتها، بل انها ما زالت تعتبرها الاساس الصالح لمعالجة الازمة في لبنان وفرصة الحل الوحيدة. وما عبّر عنه لودريان ليس اكثر من اعلان عدم ثقة باريس بالطاقم السياسي وخصوصا من هم معنيون مباشرة بملف تأليف الحكومة، ويتقاذفون بأسباب وعوامل تعطيلها.

ولفتت المصادر الى انّ جُل ما أقدمت عليه الادارة الفرنسية، لجهة العقوبات على شخصيات لبنانية، هو تصحيح خطأ فرنسي ارتكب منذ ايلول من العام الماضي. اذ انّ الجانب الفرنسي قرّر الآن ان ينتصر لكرامة رئيسه ايمانويل ماكرون الذي طرح مبادرته وتلقى وعودا كاذبة من اللبنانيين، وها هو يواجه الكاذبين بالعقوبات.

تبعاً لذلك، اكد مرجع سياسي لـ"الجمهورية" ان الفرنسيين أخطأوا 4 مرات، المرة الاولى عندما اعتقد انّ لبنان مبني على رؤى سياسية واحدة ونظرة واحدة الى الامور والقضايا، وفاتَه انّ اجواء لبنان متقلبة منذ نشوئه، ورماله متحركة تبلع الاخضر واليابس.

والمرة الثانية، يضيف المرجع، عندما طرح مبادرته في آب الماضي من دون ان يضع آلية تطبيقية لها، او ان يواكب تطبيقها بشكل مباشر بل تركها تحت رحمة اللبنانيين الذين أوّل ما فعلوه بها هو انّ كل طرف فَصّلها على مقاسه وقارَبها بما يخدم توجهاته حتى أفرغها من مضمونها.

والمرة الثالثة حينما أعطى ماكرون، بعد طرحه المبادرة، مهلة 15 يوما لتشكيل حكومة مصطفى اديب، ومن دون ان يبادر الفرنسيون الى مدَّها بقوة الدفع اللازمة لتشكيلها سريعاً، خصوصاً انّ كل الاطراف كانت محشورة آنذاك ومتهوّلة من انفجار مرفأ بيروت، وتريد الخلاص. ومع ذلك لم تبادر باريس الى الدفع الجدي بل الى بيان التقريع الصادر عن الرئيس الفرنسي آنذاك واتهم فيه القادة اللبنانيين بالخَوَنة لبلدهم.

اما المرة الرابعة، يتابع المرجع، فكانت عندما انتظر الجانب الفرنسي كل هذه المدة التي تزيد عن 8 اشهر ليُريَ عينه الحمراء لمعطّلي الحل في لبنان. هذا الامر كان يجب ان يتم في الايام الاولى للمبادرة، وتحديدا بعد انقضاء مهلة الـ15 يوماً السالفة الذكر، ولا ينفع اليوم بعدما تبدلت الظروف واصيبت المبادرة الفرنسية منذ اشهر بوَهن واضح تدرّج من سيّئ الى أسوأ منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

وبحسب المرجع ان العقوبات التي تحدث عنها الفرنسيون غير مبررة اساساً، الّا انها قد تكون أخفّ وطأة ان كانت منطلقة من غضب فرنسي على كذب القادة في لبنان على الرئيس ماكرون وعدم إيفائهم بالتزامهم. الا انها لا تكون منطقية ابداً اذا ارتكز فيها الجانب الفرنسي على ابعاد سياسية، اي انه لا يستطيع ان يفرض عقوبات على جهة لها وجهة نظر سياسية مختلفة، ثم انّ في لبنان لعبة ديموقراطية كل طرف يطرح ما يريده عند تشكيل الحكومة او في محطات اخرى. قد يطرح الرئيس المكلف ما يريده من ضمن هذه اللعبة، وقد يطرح وجبران باسيل ما يريده، هذه لعبة سياسية وضمنها يطرح كل طرف ما يريده أسوةً بما يجري في كل دول العالم. فهل يقابل ايّ من هؤلاء بالعقوبات؟ هذا لا يسمّى عقوبات بل يسمّى افتراء.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o