May 08, 2018 6:43 AM
صحف

قراءة في نتائج الانتخابات: توازنات جديدة ولا تفرّد بالقرارات

أما وقد صدرت النتائج الرسمية للانتخابات النيابية، فينتظر ان تخضع بدءاً من اليوم لقراءة سياسية دقيقة، لأنه بناء عليها سيتمّ التأسيس للمرحلة المقبلة. لكن على إثر صدورها شهدت بعض أحياء بيروت أعمال شغب نشطت الاتصالات ليلاً، لتطويقها في وقت تدخّل الجيش والقوى الامنية وانتشرت في هذه الأحياء.

بدأت الاوساط الرسمية والسياسية تستعد لموعد تولّي المجلس النيابي المنتخب مسؤولياته الدستورية مع انتهاء ولاية المجلس الحالي في 20 من الجاري، بحيث سيدعى المجلس المنتخب الى أولى جلساته التي سيترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر كونه «رئيس السن»، بحيث يتمّ في هذه الجلسة انتخاب رئيس المجلس وسيكون الرئيس نبيه بري مجدداً، كذلك انتخاب نائب رئيس المجلس وهيئة مكتبه واللجان النيابية، وذلك استعداداً لتأليف الحكومة الجديدة خلفاً للحكومة الحالية التي ستصبح مستقيلة دستورياً بمجرد انتهاء ولاية المجلس الحالي.

وفي انتظار ذلك، وفي ضوء النتائج التي أفضى اليها الاستحقاق النيابي، رأى مراقبون ان العهد أراد ان تشكّل هذه الانتخابات نوعاً من "تسونامي" شبيه بتسونامي العام 2005، على قاعدة انها اوّل انتخابات تُجرى بعد انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت عنوان "العهد القوي" الذي يُمسك بالرئاسة، في ظل تعاون مفتوح مع الحريري. أرادها نوعاً من تسونامي يُعيد من خلاله الامساك بكل التمثيل المسيحي، فيستأثر بالمقاعد الوزارية وبالتعيينات الادارية من دون ان يكون هناك ايّ شريك على اي مستوى من المستويات. وبالتالي، اراد ان تؤدي هذه الانتخابات الى تفويضه شعبياً مسيحياً إدارة مُطلقة بلا شريك ولا رقيب.

الا ان نتائج الانتخابات جاءت مخيّبة للعهد، إذ اظهرت على المستوى المسيحي وجود شراكة سياسية فعلية من "القوات اللبنانية" التي خاضت الانتخابات بتحالفات سياسية منسجمة، فيما خاضها "التيار الوطني الحر" من خلال شخصيات متموّلة ورأسمالية، او من خلال وعود مفتوحة بالتوزير والخدمات لشخصيات سياسية اخرى، ومن خلال اختيار شخصيات "من كل وادي عصا" لا تملك الخطاب نفسه ولا المواقف السياسية نفسها.

ويقول هؤلاء المراقبون ان الحريري كان يتمنّى الخروج من هذه الانتخابات بـ"تسونامي" على مستوى الطائفة السنّية، يستطيع من خلاله، بالشراكة والتكامل والتكافل مع رئيس الجمهورية، من أن يضعا يديهما على السلطة بكل مفاصلها، وهذا ما يبرّر ويفسّر موقف رئيس الجمهورية من أنه في حال كانت هناك أي عراقيل في تأليف الحكومة سيذهب الى تأليف حكومة أكثرية، ومن أراد ان يعارض فليعارض.

فجاءت نتائج الانتخابات لتشكّل نكسة سياسية للحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، وهذه النكسة ستلزمهما بالانفتاح على قوى سياسية أخرى. فلا الحريري قادر على التفرّد بالقرار على المستوى السنّي، ولا باسيل قادر على التفرّد بالقرار على المستوى المسيحي، فيما كل القوى السياسية الاخرى ممتعضة ومشمئزّة من هذا السلوك ومن ثنائية غير منفتحة على الآخرين، بل مقفلة في اتجاه استئثاري على مستوى السلطة.

وفي رأي مصادر مسيحية، فإن الثنائية المسيحية التي أفرزتها الانتخابات لن تؤدي الى إجهاض اتفاق معراب، إذ ان المصالحة المسيحية من الثوابت الوطنية. إنما في المرحلة المقبلة، فإن قواعد المنافسة المسيحية ستكون مفتوحة اكثر، حيث ان "القوات اللبنانية"، وخلافاً للثنائية الشيعية، ستكون منفتحة اكثر على شخصيات مستقلة من اجل مزيد من تعزيز الوضعية السياسية لمفهوم طريقة إدارة الدولة في لبنان.

اما على المستوى الشيعي، فإن الثنائية الشيعية تمكّنت من حصد الغالبية الشيعية الساحقة بنحو واضح وحاسم. (بالاضافة الى نحو 5 مقاعد سنّية وكتلة مسيحية). لكن حجم الكتلة الشيعية ظل ما دون الثلث زائداً واحداً، فلا قدرة لأي طرف على التعطيل ولا على أي امر آخر، فضلاً عن ان منطق "الثلث زائداً واحداً او النصف زائداً واحداً لم يعد قائماً لأن القوى السياسية، وعلى غرار ما قاله الحريري امس، "جَرّبت هذا المنطق وبرهن لها ان استخدامه غير ممكن في بلد توافقي مثل لبنان". لكن "حزب الله" نجح في توجيه رسالة الى الجميع مفادها انه على رغم القانون الانتخابي النسبي فقد استطاع و"حركة أمل" إقفال الساحة الشيعية مع تعزيز وضعيتهما داخل البيئة السنية والمسيحية.

في المقابل، نجحت "القوات" في تعزيز حصتها النيابية، فيما نجح النائب وليد جنبلاط في الحفاظ على أحاديته داخل البيئة الدرزية. كذلك، فإن التعددية السنّية التي أفرزتها الانتخابات هي تعددية لافتة، ويمكن لهذه القوى السنّية إذا اجتمعت مع بعضها البعض، ان تشكّل يوماً مع قوى سياسية وطنية، رسالة الى الحريري بأن الامور مفتوحة على شتى الاحتمالات. وبالتالي، باتت هناك خيارات اخرى على مستوى رئاسة الحكومة غير موجودة على مستوى رئاسة مجلس النواب. إذ لا يمكن الاستهانة بأن تعاون نحو 7 نواب سنّة او اكثر مع قوى سياسية اخرى، من شأنه أن يُفسح في المجال امام خيارات أخرى.

إذاً، الانتخابات فرضت توازنا جديدا ومعطى جديداً، ولم يستطع العهد تحقيق ما اراده، اي ان يُمنح تفويضاً شعبياً استثنائياً ما شكّل صفعة اساسية له. وبالتالي، بات عليه ان يراجع خياراته ومواقفه، وان يراجع ايضاً سياسة تلزيم القرار السياسي لباسيل.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o