May 01, 2021 7:03 AM
صحف

الأسماء لم تطرح بعد وستشمل كل الفئات.. العقوبات الفرنسية قد تطال حوالى 40 شخصية لبنانية

أعطى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان زخماً لزيارته المرتقبة إلى بيروت الأسبوع المقبل، حين استبقها بالإعلان عن بدء فرنسا اتخاذ اجراءات بحق المسؤولين اللبنانيين المعرقلين لمسار الحل السياسي والمتورطين بالفساد. ووفق ما تشير مصادر ديبلوماسية  لجريدة "الأنباء" الالكترونية، فإن لودريان سيلتقي مختلف القوى السياسية والأحزاب في بيروت لإبلاغهم برسالة واضحة فحواها البدء بتنفيذ الإجراءات العقابية.

 
وتؤكد معلومات "الأنباء" أن الوزير الفرنسي لن يتحدث بتفاصيل الملف الحكومي، لا بل سيضع المسؤولين عنه أمام مسؤولياتهم، وبأن باريس لم يعد أمامها سوى استخدام عصا العقوبات. ووفق المعلومات فإن العقوبات الفرنسية قد تطال حوالى ٤٠ شخصية لبنانية، من خلال حجب التأشيرات عنهم، وقد تصل الى حد الحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وتفيد المعطيات بأن الدوائر الفرنسية المختصة تعكف على دراسة الملفات للأشخاص المعنيين.

ومع توافر معلومات مؤكدة من مصادر دبلوماسية في باريس عن زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، يومي الأربعاء والخميس المقبلين، يمكن اكتناه الأسباب التي دفعت جان إيف لو دريان لعدم الإفصاح عن أسماء السياسيين اللبنانيين الذين اتخذت فرنسا بحقهم إجراءات عقابية تمنعهم من الدخول إلى أراضيها. ذلك أن الاستراتيجية الفرنسية بحسب "الشرق الأوسط"، كما ينظر إليها متابعون للضغوط التي تمارسها باريس على الطبقة السياسية في لبنان، تفضل أن تبقى العقوبات سيفاً مسلطاً على السياسيين و«ورقة» في جيب لودريان لدفعهم إلى المرونة والتخلي عن التعطيل المنهجي تحت طائلة إعلان أسمائهم ما يعني التشهير بهم. والحال، أنه لو عمد لو دريان أو وزارة الخارجية إلى الكشف عن أسماء السياسيين المعنيين، إن بسبب عرقلة الجهود الآيلة لإيجاد حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان وإفشال تشكيل حكومة جديدة، أو بسبب انغماسهم في الفساد، لكان من الصعب لاحقاً بالنسبة للوزير الفرنسي أن يحصل على تعاونهم، لا بل التحاور معهم أو التراجع عن الاتهامات الموجهة إليهم إن تعطيلاً أو فساداً.
ويصل لو دريان إلى بيروت هذه المرة حاملاً في جيبه سلاح العقوبات التي عجلت باريس في اللجوء إليها «على الصعيد الوطني»، ومن غير انتظار ما قد يصدر عن الاتحاد الأوروبي. وليس سراً أن باريس لجأت إلى «الاتحاد» لحاجتها إلى «رافعة» من شأنها تغليظ الضغوط على السياسيين اللبنانيين الذين ضربوا عرض الحائط بالجهود والمقترحات وخطة الإنقاذ الفرنسية، رغم زيارتين للرئيس إيمانويل ماكرون إلى بيروت (في 6 أغسطس/ آب والأول من سبتمبر/ أيلول) ومشروع زيارة ثالثة في نوفمبر (تشرين الثاني) تم التخلي عنه بسبب إصابته بوباء «كوفيد - 19»، وبذلك تكون باريس قد استبقت ما قد يقرره «الاتحاد» لجهة فرض عقوبات أوروبية جماعية تكون أكثر فاعلية ظهرت مسودتها في «ورقة المقترحات» التي قدمها «وزير» الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل خلال الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية الأوروبيين.

وتضم «الورقة» مجموعة محفزات ومجموعة أخرى من العقوبات. لكن نزوع باريس للإعلان عن انطلاق عقوباتها على سياسيين لبنانيين، كما تقول مصادر دبلوماسية، مرده إلى ثلاثة أمور: الأول، «البطء» في آلية اتخاذ القرارات الأوروبية وصعوبات توفير الإجماع الضروري لإقرارها، والثاني رغبتها في القيام بشيء عملي بعد أن نفد صبرها من مراوغة السياسيين اللبنانيين الذين هددهم لو دريان أكثر من مرة، والثالث، حاجة الوزير الفرنسي لدى وصوله إلى بيروت إلى ورقة ضاغطة جدية في جيبه وليس التهديدات التقليدية. تجدر الإشارة إلى أنه لوح بـ«التنسيق» مع الأوروبيين في الخطوات العقابية اللاحقة التي قد تعمد إليها فرنسا.
اللافت أن لو دريان اعتبر فرض منع دخول الأراضي الفرنسية «أول الغيث». والحقيقة أنه أيضاً بمثابة «الحد الأدنى» مما يمكن أن تتخذه باريس من إجراءات.

وبحسب أوساط مطلعة، فإن الطرف الفرنسي يسعى إلى فرض «استراتيجية تصاعدية» وليس إحراق كل أوراقه دفعة واحدة، لأنه سيكون بحاجة للسياسيين اللبنانيين من أجل تشكيل الحكومة ومنحها الثقة.

ويبدو أن باريس ما زالت تراهن على فاعلية التلويح بالعقوبات من غير الوصول إلى فرضها عملياً، لأن من بين المخاوف المتصلة بها أن تكون ذات «نتائج معكوسة» بمعنى أن تدفع جهات معطلة إلى مزيد من التصلب. يضاف إلى ذلك أن الطرف الفرنسي يعي أن الصعوبات ليست لبنانية – لبنانية، وأنها خصوصاً مرتبطة بعملية لي الذراع الأميركية - الإيرانية، وبالتالي فإن إخراج الأزمة اللبنانية من عنق الزجاجة يحتاج إلى أكثر من عقوبة تحرم بضع سياسيين من المجيء إلى باريس للاستجمام أو رؤية ذويهم.

ولو أرادت باريس حقيقة أن تكون عقوباتها مؤلمة لتناولت الأصول التي يمتلكونها، ومنها التي حصلوا عليها بطرق ملتوية، كما فعلت مع مسؤولين أفارقة تحت باب الفساد. ويأمل لو دريان في تدوير بعض الزوايا التي من شأنها المساعدة على السير بتشكيل الحكومة، علماً بأن فرنسا قامت ببعض التغيير، ولم تعد متمسكة بحرفية ما طرحته بداية.
اللافت أن الملف اللبناني أصبح في عهدة وزير الخارجية أقله على المستوى البروتوكولي بعدما كان بيدي الرئيس ماكرون والخلية التي كونها في قصر الإليزيه لإدارته.

وواضح أنه بعد الإخفاق الذي واجهه في دفع اللبنانيين للسير بخطته الإنقاذية وتحللهم من الوعود التي التزموا بها، نأى ماكرون بنفسه بمعنى ما عن هذا الملف. فالرئيس الفرنسي غارق في إدارة ملف مواجهة «كوفيد - 19»، وإعادة إطلاق الماكينة الاقتصادية، فضلاً عن الاهتمام بالملفات الخارجية مثل النووي الإيراني وحروب الساحل ومواجهة الإرهاب... ثم إن المعركة الرئاسية أصبحت قريبة وعليه التحضر لها جدياً، خصوصاً أنها ليست مكسوبة مسبقاً.

أيّ أهميّة للإجراءات الفرنسيّة ضدّ المعرقلين؟

يقول النائب الفرنسي الرديف جو مكرزل لـ”النهار” إنّ “الفرنسيين سيحدّدون أسماء المسؤولين اللبنانيين الذين سيمنعونهم من دخول فرنسا، كخطوة أولى عبارة عن ورقة ضغط. وأعتقد أنّ أسماء الشخصيات الممنوعة ستكون من كلّ الفئات. وإذا مُنعوا من دخول فرنسا، يعني ذلك منعهم من دخول أوروبا؛ لأنّ بلاد الشنغن إذا لم توافق على دخول أحد الأشخاص، لا يحصل عندئذٍ على تأشيرة دخول. ويمكن أن ينعكس ذلك سلباً على الأسماء الممنوعة، لجهة سفرهم إلى أيّ بلد في العالم”.
ويشير مكرزل إلى أنّ “الأسماء التي ستمنع من دخول فرنسا لم تطرح حتى اللحظة. لكن ما يمكن قوله إنّها ستكون من كلّ الفئات، لأنّ الفرنسيين ليسوا على ثقة بأيّ طرف من المنظومة الحاكمة. وهم لا يتّخذون موقفاً إلى جانب فريق ضدّ فريق آخر، ويعتبرون أن جميع المسؤولين اللبنانيين أخطأوا من رأس الهرم إلى أسفله. وستكون الخطوات تصاعديّة باتجاه أكثر من طرف، من خلال إجراءات أخرى لاحقة”، مضيفاً: “كأنّ فرنسا تحثّ المجموعة الأوروبية على اتّخاذ قرارٍ بجدية لفرض عقوبات، وهي خطوة فرنسية محض، لأنّ لكلّ بلد حرية القيام بالخطوة التي يريدها. لكن بالمطلق تحضّ فرنسا بقيّة الدول على اتخاذ مثل هذه الخطوات للوصول إلى قرار أوروبي جامع باتجاه خطوات تصعيديّة أكبر في حال استمرّت حالة الجمود الحكومي وتجويع الشعب اللبناني، وذلك ما لن تسمح به فرنسا وبقيّة الدول”.
ويشرح المرجع القانوني الدكتور بول مرقص لـ”النهار” القواعد القانونية للإجراءات التقييدية المفروضة من الدولة الفرنسية، في إشارته إلى أنّ “الاتحاد الأوروبي يطبّق عقوبات لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو لتعزيز أهداف السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، كدعم الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والدفاع عن مبادئ القانون الدولي. وبما أن فرنسا عضو في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وعلى هذا النحو، فهي تطبق العقوبات التي تصدرها الأمم المتحدة ومجلس الاتحاد الأوروبي والتي تكون ملزمة لها”.
ويمكن لفرنسا أن تعتمد عقوبات مستقلة تجاه الأشخاص الطبيعيين ومسؤولين من مختلف الدول. وتشمل هذه العقوبات التدابير المالية وتجميد الأصول التابعة لأشخاص داخل أراضيها، وفقًا للمادة 562 من قانون النقد والتسليف الفرنسي. ويترجم ذلك، وفق مرقص، عبر الهيئات الحكومية ذات الصلة التي تدير العقوبات، وهي وزارة الخارجية الفرنسية ووزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية. وتحتفظ فرنسا بقائمتها الخاصة إضافةً إلى قائمة الاتحاد الأوروبي التي تضمّ الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات، إذ تحتفظ المديرية العامة للخزانة بقائمة موحدة للأشخاص القانونيين والماديين الخاضعين لتجميد الأصول.ويضاف الأفراد والكيانات عن طريق أحكام وزارية.
ويرى مرقص أنّ “كلّ ما سبق يدلّ على أنه بعد فرض فرنسا عقوبات على مسؤولين لبنانيين، يمكن أن يلجأ مجلس الاتحاد الأوروبي إلى سلوك المسار نفسه في العقوبات”. ويخلص إلى أنّ “القرارات الفرنسية ستضايق المسؤولين اللبنانيين باعتبار أنّ باريس حركة التنقّل الأساسية لهم ولأنّ كثراً منهم يملكون منازل ومصالح في باريس أو يعلّمون أولادهم في مدارس وجامعات فرنسيّة”.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o