Apr 23, 2021 11:25 AM
مقالات

الملفات والعقوبات والاستحقاق الرئاسي.... بيت القصيد

المركزية- لم يشهد لبنان في تاريخه الحديث، منذ قيام لبنان الكبير في العام ١٩٢٠، وفي الأزمات التي توالت عليه، وحتى حروب أهله أو "حروب الآخرين" على أرضه، انزلاقاً نحو الهاوية والإنهيار، كمثل ما هو حاصل اليوم ويعيشه ويعايشه جميع اللبنانيين.

فإذا كان لكل أزمة مرّت على وطن الأرز عنوان وهدف ومطالب، على مستوى مكوّنات البلد ودورها وحقوقها في السلطة والقرار- على رغم دخول صراعات الخارج على الخط الداخلي وتجاوب أهل الداخل وانخراطهم في الكباش- فإن ما يحصل اليوم يبدو بلا عنوان، سوى المصالح الخاصة، وشهوة السلطة لتحقيق الطموحات، عبر إطلاق الشعارات الكبرى التي تدغدغ عواطف كل حالمٍ بقيام وطن الحق والحريّة والعدالة.

لا شك في ان اتفاق الطائف، الذي أصبح دستوراً للبنان، أعاد توزيع السلطة على الطوائف والمكونات، على رغم الحاجة الى تطويره وازالة الثغرات التي اعترته في الممارسة منذ اكثر من ثلاثين عاماً، وهي فترة اكثر من كافية في دول أخرى، لتطوير دساتيرها وقوانينها وتحديثها، بما يحاكي تطلعات شعوبها ومستقبلها.

ولعلّ ما هو حاصل اليوم، من سقوط مؤسسات الدولة وإسقاطها الواحدة تلو الاخرى، مثال صارخ وفاقع على عجز القائمين والقيّمين على إدارة البلاد، والذين يُفترض ان يكونوا مؤتمنين على مصالحها ومصالح ابنائها، عن معالجة أبسط الملفات المطروحة، والتي تتم قراءتها من زاوية مردودها على كلٍّ منهم وليس على المستوى الوطني العام، وكان مصيرها التجميد-او الجارور- ريثما تتغيّر الأحوال والمعطيات و"تتحسن" الشروط.

وهذا الأسلوب في إدارة البلد، ليس في حاجة الى منجّمين لتخمين الاتجاه الذي يقود إليه. فكل شيء تراجع الى الحدود الدنيا، من السياسة إلى الاقتصاد الى النقد، الى القضاء الى التهريب، وقبل ذلك كله، إلى العناد والمكابرة في تأليف حكومة تشكل مجتمعةً السلطة الإجرائية، تمسك زمام الأمور، وتعيد تحسين الصورة في الخارج، وتستعيد الثقة، بعدما باتت العزلة الإقليمية والدولية سياسياً واقتصادياً عنوان المرحلة.

فالعقوبات على مؤسسات وأشخاص تتواصل، مع محاولة من طاولتهم إنكار مفاعيلها، واعتبارها- إعلامياً- غير ذي جدوى، فيما هم خلف الكواليس يتوسلون التوسط لرفعها، ويربطون ذلك باستعدادهم لتسهيل سلسلة ملفات تبدأ بضبط الحدود ولا تنتهي بتأليف الحكومة، للخروج من واقع تصريف الاعمال، ووقف انقطاع التواصل الرسمي المسؤول المفترض ان يكون شبه يومي، اذا صح التعبير، والذي يقتصر اليوم على اتصال الضرورة القصوى.

وأخطر ما نعيشه اليوم، فضلاً عن الوضع المزري على كل المستويات وفي شتى المجالات، هو التصنيف الدولي السلبي، ووقف المراسلات الخارجية مع المصارف اللبنانية، ما يؤدي الى تعثر الاستيراد، وتالياً النقص الحاد المرتقب في المواد الغذائية والادوية والمحروقات، وكلها حياتية وحيوية للاستمرار .

وفوق ذلك كله، الأنباء عن زحف الجراد نحونا، مقلقة بالفعل، وصورة الحرب العالمية الاولى يتناقلها في هذا الشأن الأحفاد عن الآباء والاجداد، من دون ان يرف جفن للمسؤولين، او أن يتحرك المعنيون على المستوى المسؤول للمعالجة الاستباقية، واتخاذ التدابير الضرورية لمكافحة ذلك. مع العلم ان الجراد قد لا يجد ما يقتاته، في بلاد تتجه ارضها إلى أن تكون جرداء قاحلة، لعدم قدرة أصحابها على تأمين متطلبات زراعتها.

الوضع ينذر بخطر محدق يلوح في الأفق، فالغيوم تتلبد وتزداد كثافتها سواداً، والتراشق باتهامات العرقلة بين المسؤولين متواصل، وكذلك انحدار لغة التخاطب السياسي، وهذا ليس السبيل الى فك القبضة عن اعناق اللبنانيين، بمقدار ما ان السعي الى اعادة التواصل والبحث بتجرد وروح المسؤولية الوطنية، لإطلاق الحكومة من عقال تعطيل التأليف، يبقى الطريق الأوحد والمعبر اللازم والضروري للنهوض.

الوطن يستأهل التنازل عن النرجسية والمكابرة والعناد، وهذا يبدأ من الرئيس المكلف بطرح صيغة جديدة، يتشاور في اسماء أعضائها وعددهم مع رئيس الجمهورية، انطلاقاً من تفاهم بينهما على التسهيل لا التعطيل، لإنقاذ البلاد والعهد اولاً، وإعادة تكوين السلطة بشكلٍ سليمٍ وديموقراطيٍّ ثانياً، عبر الانتخابات النيابية في موعدها ووفق قانونٍ عصري، تمهيداً لانتخاب رئيس جديد، والحؤول دون فراغٍ رئاسي بعد انتهاء الولاية... وهنا بيت القصيد.

-أديب ابي عقل-

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o