Apr 16, 2021 12:43 PM
مقالات

كل شيء "استراتيجي"... إلا القرار

المركزية- ليس في المشهد اللبناني والملفات المطروحة على الساحة ما يشي بإمكان إحداث خرق ما أو فتح كوّة في الجدار المسدود بين المسؤولين أنفسهم أولا، وبينهم وبين الشعب اللبناني ثانيا، تكون كفيلة ببعث أمل جديد في إمكان بدء وضوح الطريق الطويل إلى الحل.

وإذا كان التريث في إنجاز موضوع ما يندرج تحت عنوان استراتيجي وتاليا تأخير اتخاذ القرار الناجع والمطلوب في شأنه، فإن الواضح أن كل شيء بات استراتيجيا، من تعديل المرسوم 6433 (تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية) إلى تأليف حكومة اختصاصيين، حتى إلى مكافحة تهريب لقمة اللبنانيين ومحروقاتهم إلى الخارج، فيما الشعب الصامد الصابر بات عاجزا عن البحث عما يؤدي إلى الانفراج. بل لم يبق في يده من حيلة سوى الانتظار... وهو في أبأس حال.

وهذه الحال البائسة ناتجة من الخوف من الجائحة التي تحصد العشرات يوميا، ومن استمرار إفلاس الدولة ومواصلة انهيار مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى...

وواقع الأمر أن القضايا المطروحة اليوم، أول عناوين العمل الجدي على حلها هو الاستحقاق الرئاسي المقبل، وتأمين المناخات والمعطيات المناسبة لإنتاج تسوية جديدة منذ الآن، يتم البدء في تنفيذها في الداخل عبر إطلاق الحكومة من عقال "احتجاز" التأليف، وعبر التفاوض مع أهل القرار في الخارج على رفع العقوبات عن المنوي والمراد والمرجو ايصالهم إلى بعبدا بعد انتهاء الولاية الرئاسية.

ورمي كرة التوقيع في موضوع مهم واستراتيجي حقا كتعديل مرسوم تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من مسؤول إلى آخر تحت حجج دستورية، دخل هو الآخر في بازار مفاوضات العقوبات. 

فإذا كان المسؤولون يعنون حقا أنه استراتيجي، فمن باب أولى أن يسارعوا إلى تنفيذ الخطوات الآيلة إلى تحقيق التعديل من خلال طريقتين: الأولى الاستناد إلى المرسوم الصادر سابقا والذي يشير بوضوح في متن بنوده إلى كيفية معالجة أي اقتراح تعديل بتكليف رئيس الحكومة إبلاغ الأمم المتحدة بالتعديلات المقترحة واستئناف المفاوضات على أساسها.

أما الثانية، فاشترطت في الاحالات الموقّعة من الوزراء المعنيين، والمرفوعة إلى المقامات الرئاسية والحكومية موافقة مجلس الوزراء مجتمعا، ما جعل رئيس الجمهورية يطلب انعقاد مجلس الوزراء، مع العلم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال ، الرافض أساسا عقد أي جلسة "ينأى بنفسه" مرة جديدة تحت عنوان عدم تحمّل مسؤولية استراتيجية من هذا النوع قد يكون لها ارتداداتها مستقبلا .

 أما بيت القصيد وراء كل هذه الاشكالات والشكليات، فلم يعد خافيا على أحد أنه يكمن في عقد اللقاء المطلوب بين الرئيس المكلف ورئيس التيار الوطني الحر بهدف تسهيل التأليف ومحاولة إنجاز تسوية جديدة لا يبدو الرئيس الحريري  لغاية الآن في وارد الدخول فيها، وهو يواصل جولاته الخارجية ويتم استقباله والتعاطي معه كرئيس حكومة كامل الأوصاف.

والتذرع بـ "استراتيجية" هذا القرار أو ذاك، ووجوب التعاطي معه تحت هذا العنوان، وخوفا من العقوبات، خصوصا بعد زيارة دافيد هيل الأخيرة وكلامه، حتى من بعبدا عن حزب الله، ليس في محله على الاطلاق، فالعقوبات مفروضة أصلا والشعب اللبناني مُعاقَب من خلال تصرفات قادته.

 لا شيء يمنع "وقفة عز" وشجاعة من المسؤولين، والاصرار على حقنا في بحرنا وبرنا، وتشبثنا- وأثبتت ذلك تجارب سابقة- بموقفنا.فهذا الاصرار هو الذي يجلب احترام الدول لنا والتعاطي معنا على هذا الأساس.

أما الاستمرار في العناد والمكابرة وسياسة عض الأصابع، فمعناه لا تأليف ولا ترسيم ولا أموال للدعم، وإزدياد العزلة ومعاناة الوحدة وعدم القدرة على اتخاذ القرار، فيما أصحاب القرار فاقدو القدرة أيضا على القرار.

ولوقف حال البؤس، المطلوب ممن يعمل في الشأن السياسي والوطني أن يُغني هذا العمل بالحكمة والروية والتبصر في المصلحة الوطنية، لا أن يغتني منه على حساب الوطن والناس.

رحم الله السفير فؤاد الترك الذي قال يوما: "لقد وصلنا إلى التحت الذي ليس تحت تحته تحت".

فهل من يتعظ؟ هناك دائما أمل...   

-أديب أبي عقل- 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o