Apr 03, 2021 11:07 AM
خاص

الإقتراح بـ "سوق اقتصادية مشتركة" بعيون سياسية واقتصادية:
ما جدوى إنشاء "مجموعة الدول الاربعة الفقيرة والمفلسة"؟

المركزية – في ذروة الازمة النقدية والمعيشية والاجتماعية التي يعيشها لبنان وانعكاساتها على مجمل الحركة الإقتصادية في ظل فقدان العملات الصعبة وندرتها وارتفاع نسبة افلاس الشركات التي اقفلت، وازدياد نسبة البطالة في لبنان الى اقصى ما كان متوقعا وبلوغ نسبة الفقراء بين اللبنانيين الى ما يزيد على 70 % منهم ، غرد مستشار رئيس الجمهورية انطوان قسطنطين متحدثا عن استعدادات  لدى الرئيس ميشال عون للمبادرة سعيا لقيام "سوق اقتصادية مشتركة"، تضم لبنان والأردن والعراق وسوريا، وتتكامل مع السوق العربية الأوسع. معطوفة على الوعد بأن هذه المبادرة "ستفتح للّبنانيين آفاقاً كبيرة وآمالًا كثيرة، وتحفظ لكل دولة سيادتها واستقلالها تحت سقف الاحترام المتبادل".

فور انتشار هذه المعلومات، أجمعت مصادر اقتصادية وديبلوماسية وسياسية في المقلب المعارض على التعبير عبر "المركزية" عن استغرابها ودهشتها لهذه الفكرة في شكلها توقيتها ومضمونها ، معتبرة ان على اي مراقب أن يدقق في صحة هذه المعلومات ومدى الجدية في الحديث عنها في مثل الظروف التي يعيشها لبنان والمنطقة قبل التكهن بمصيرها وجدوى الإعلان عنها. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

-   بداية لا بد من النظر الى مدى قدرة لبنان على تجاوز مجموعة العوائق التي تحول دون هذه الخطوة الأولى مع سوريا قبل التوسع في اتجاهات أخرى ودول اخرى. فالعلاقات اللبنانية - السورية متأثرة بالعقوبات المفروضة على سوريا بموجب "قانون قيصر" وتلك التي فرضت على قادة النظام والمؤسسات المالية فيها وهي امور تعيق اي تحرك باتجاه التعاطي معها وتكبله قبل التفكير بأي خطوة اخرى.

-   لولا الإذن المسبق الذي ناله لبنان لما تمكن من استجرار ما يغطي جزءا من  حاجاته للطاقة الكهربائية من سوريا ودفع اثمانها. وما ردات الفعل الدولية على ما سمي بـ "هبة الاوكسيجين" السوري للبنان قبل ايام سوى مثال على ما يمكن ان ينشأ من جراء خرق العقوبات، ولولا التوضيحات بأن هذه المادة جاءت من مصنع يمتلكه لبنانيون بالشراكة مع سوريين على الأراضي السورية لما عبرت بسهولة.

-    لم تلتزم سوريا حتى اليوم بمضمون مجموعة الاتفاقات المتصلة بـ "تسيير التجارة العربية البينية" بين لبنان ومجموعة الدول العربية ولا سيما الخليجية منها. وهي التي فرضت قيودا إضافية ورسوما جمركية لم يتحملها كثر من تجار الترانزيت بين لبنان والدول العربية ولا سيما الاردن والعراق ما ادى الى تحجيم هذه العمليات قبل ان تتأثر بمجرى العمليات العسكرية التي قطعت هذا الشريان الحيوي لتجارة الترانزيت منذ عشر سنوات حتى اليوم.

-    قبل ان تؤدي جائحة كورونا الى فرض القيود واقفال الحدود بين الدول العربية سواء على انتقال الأشخاص او البضائع فقد ادت النكبة التي حلت بمرفأ بيروت والعاصمة في 4 آب الماضي الى انتقال الحركة بشكل كبير الى مرفأ طرابلس كما عزز الوجود العسكري الروسي على الساحل السوري الحركة في المرافىء السورية كطرطوس واللاذقية وبانياس عدا عن المرافىء المتخصصة بتجارة المشتقات النفطية وغيرها حتى ان بعضا منها بات البوابة البديلة للبنان من مرفأ بيروت وخصوصا لتهريب البضائع والمواد الغذائية والصناعية المختلفة ومنها الحديد الإيراني الى لبنان ولو لم تقفل الحدود الشمالية بين البلدين لما تراجعت نسبتها.

-   استمرار عمليات التهريب لكل انواع المشتقات النفطية والغاز والطحين المدعوم من لبنان بالاتجاه السوري وتهريب البضائع والإنتاج الزراعي والمواد الصناعية والعراقية والإيرانية في الاتجاه المعاكس يؤدي الى  انتفاء القدرة على تطبيق اي اتفاق يؤدي الى الشراكة بين البلدين، قبل ان ينضم الأردن والعراق ومجموعة الدول الاخرى المستهدفة في الاقتراح الى اي اتفاق.

هذا غيض من فيض الملاحظات التي تحول دون التفكير بمثل هذه الخطوة التي تجمع الدول الاربعة في سوق اقتصادية مشتركة، قبل ان تنجلي العلاقات في ما بينها على اكثر من مستوى وفي اكثر من قطاع وباتجاه دول الخليج العربية التي انهت التطبيع مع اسرائيل وتتجه الى مشاريع قطارات ونقل مشترك بين الساحل الاسرائيلي والعمق الخليجي عبر الاردن. وهو ما قاد البعض في فريق المعارضة الى اعتبار ان  الفكرة  لا تفك اسر الأزمة الاقتصادية والنقدية ولا تؤدي الى فك الحصار المضروب على لبنان الذي انخرط في محور الممانعة وفقد كل اشكال التواصل الطبيعية مع أصدقائه العرب وخصوصا في الخليج العربي.

وفيما توسعت بعض المراجع الاقتصادية والديبلوماسية  التي توقفت امام الاقتراح في شروحاتها، فإنها نبهت الى ضرورة العودة الى التجارب الفاشلة في التعاطي مع سوريا وعبرها مع المجموعة العربية. ومنها  على سبيل المثال لا الحصر التجربة التي قادها لبنان في العام 1997 عندما اقترح الرئيس الراحل رفيق الحريري ملاقاة الإعلان عن "الإتحاد الأوروبي" بخطوة مماثلة على مستوى دول شرق المتوسط امتدادا الى العراق ودول الخليج العربي من البوابة اللبنانية – السورية التي لا بديل منها. وبالعودة الى تلك المرحلة لا يمكن إلا التوقف عند الشروط السورية التي طوت الفكرة قبل انطلاقها. وان انطلق البعض من بعض الإتفاقيات المتواضعة التي يجري التحضير لها مع العراق في الايام القليلة الماضية ومنها مشروع التبادل بين النفط العراقي والخدمات الطبية اللبنانية فهي لا تفيض عن اعتبارها مجرد تفاهم محدود في حجمه ونتائجه قياسا على ما يحمله الاقتراح "بالسوق الإقتصادية المشتركة" من نتائج لا يتسع لها المقال.

وتجمع المراجع الديبلوماسية والإقتصادية والسياسية على ان الفكرة هذه لا تحمل في شكلها وتكوينها اي معنى للسوق المشتركة وجدواها. إلا إذا كان ثمة من يحلم باسم جديد يحاكي اشكال التعاون الدولي على غرار "مجموعة الدول الصناعية العشرة الكبرى" فيمكن تسميتها في هذه الحال بـ  "مجموعة الدول الأربعة الفقيرة والمفلسة". 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o