Mar 15, 2021 1:21 PM
خاص

سوريا... عشر سنوات من حرب الأسد والآخرين...

المركزية- "كونوا إلى جانب بشار (الأسد). أنا أعددت له كل شيء لمدة عشرين عاما". الكلام لـ "أسد سوريا" حافظ الأسد قبل شهور معدودة من وفاته في حزيران 2000، مخاطبا اللواء غازي كنعان. على طريقة ما قل ودل، أكد الأسد الأب أنه أنجز كل التحضيرات لخلافته على أن يستلم نجله الشاب الخجول، طبيب العيون الصلب زمام القيادة، على رغم معارضة الحرس القديم.

هكذا وصل بشار الأسد إلى السلطة ليحكم بلادا جعلها والده رقما  صعبا في المعادلات الاقليمية والدولية، بعدما أتقن فن مفاوضات الأميركيين، والتقرب من الروس، ودنيا العرب، على حد سواء. على أن الأهم أن خطة الأسد الأب لم تنجح في كل تفاصيلها. ذلك أن 11 عاما كانت كافية لتجهز على تجربة الأسد الشاب في الحكم، مع العلم أن الموضوعية تقتضي الاعتراف للرجل بأنه واجه تحديات كبيرة ليس أقلها الملف اللبناني، وتصاعد نبرة معارضي النفوذ السوري في لبنان، إنطلاقا من نداء المطارنة الموارنة الشهير، مرورا بأحداث 7 آب 2001 وقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 وصولا إلى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانتفاضة الاستقلال قبل 16 عاما، وبلوغا إلى الانسحاب السوري في نيسان 2005، وهو قرار أعلنه الرئيس الأسد في خطاب تاريخي أمام مجلس الشعب السوري.

على أي حال، فإن أهم ما في الجانب اللبناني من فترة حكم الأسد، الذي انطلقت ثورة هدفت أولا إلى إطاحته قبل عقد من الزمن، أنه أوصد كل أبواب المجتمع الدولي أمام نظام الأسد، خصوصا بعدما سارعت الجهات الدولية الكبرى إلى اتهام دمشق بتصفية الرئيس الحريري، أبرز معارضي دمشق في لبنان، وهو ما تجلى في أعقاب الكباش على التمديد للرئيس إميل لحود، أحد أكبر حلفاء سوريا في بيروت، إلى جانب الثنائي الشيعي والأحزاب الدائرة في فلكه.

في هذا الجو الدولي المكفهر، اشتعلت ثورات الربيع العربي، فأطاحت الأنظمة القمعية الديكتاتورية في تونس ومصر وليبيا، تحت أنظار القوى الكبرى في العالم، على وقع الكلام عن شرق أوسط جديد تحدثت عنه واشنطن صراحة في أكثر من مناسبة، في ظل الكباش مع ايران  والذي أطلق إشارات مقلقة إلى نية امتلاك السلاح النووي. سقطت الأنظمة العربية التي طاولتها الموجة الثورية الواحد بعد الآخر، وإن بسرعة متفاوتة . لكن في سوريا، كان الأمر مختلفا. خرج الناس في مرحلة أولى إلى الشارع، في مشهد نادرا ما عرفته سوريا حيث تتمتع السلطات بقبضة حديدية تتفنن في قمع الحريات والزج بقادة الرأي الحر في السجون. لكن تلويح النظام بإصلاحات لم يكن كافيا لإعادة الناس إلى منازلهم وقمع صرخاتهم الغاضبة. ذلك أن المجتمع الدولي دخل بقوة على الخط، ممارسا ضغوطا للإجهاز على ظاهرة الأسد، في مؤشر إلى أن العالم اتخذ قراره النهائي بإنهاء فترة "آل الأسد" في دمشق. غير أن التصاريح السياسية والشروط الدولية لم تف وحدها بالغرض.

ذلك أن مرور الزمن جعل الأسد واحدا من أكثر الرؤساء والشخصيات معاندة لمسار التغيير السياسي، لا لشيء إلا للبقاء في سدة الحكم في بلاد أفرغتها الحرب والارهاب من أكثر من نصف شعبها، الذي تشتت في بلاد أخرى تعيش أزمات لا تقل وطأة كلبنان والأردن وتركيا، وسواها، في ظل صمت دولي مريب عن عذابات الانسان والانسانية في مواجهة آلة الحرب  المدمرة. موجات اللجوء هذه نقلت شرارة الحرب السورية وتداعياتها إلى دول شتات اللاجئين، في وقت كان السوريون الباقون في بلدهم يتحولون حقل تجارب لأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة، والكيميائية، بينما انشغلت القوى الكبرى بتصفية حساباتها على حساب سوريا، بذريعة محاربة الارهاب المتطرف الذي كان تنظيم داعش أحد أوضح تجلياته وأكثرها خطرا على الجماعات المجتمعية في سوريا والمنطقة، على رأسهم المسيحيون.

وفي السياق، لا بد من الاشارة إلى أن واشنطن أنشأت تحالفا دوليا لمحاربة الارهاب في عهد الرئيس باراك أوباما، صاحب المقاربات السلسة للملفات اللاهبة، فكان أن دخل "الغرب بثقله" إلى الميدان السوري. وضع لم يكن في إمكان روسيا، الخصم الند لأميركا، ان تقف مكتوفة الأيدي أمامه، فغرقت هي الأخرى في وحول سوريا ودماء أبنائها، لإنقاذ الأسد من السقوط السابق لأوانه، إلى جانب ايران وحزب الله (الذي نقض بمشاركته في الحرب السورية إعلان بعبدا القائم على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة ومحاورها المتناحرة) وسواه من أذرع طهران في المنطقة، ما أغرق المنطقة بأكملها  في أتون الحرب السورية، مع العلم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صاحب الطموح التوسعي، استفاد من هذه الفوضى لقطع الطريق على أي محاولات كردية لطلب الاستقلال عن أنقرة، وهو ما يشهد عليه إقليم كردستان في العراق، كما المناطق السورية ذات الغالبية الكردية. ولا أحد يشك في أن هذه المعطيات جعلت تركيا ذات الغالبية السنية عنصرا قويا في مواجهة محاولات ايران الشيعية التوسع في دنيا العرب، تحت شعار تصدير الثورة الاسلامية، مستفيدة من نجاح إدارة أوباما في إبرام اتفاق بين مجموعة 5+1 الدولية وايران حول الملف النووي، قبل أن تأتي الضربة القاضية من الرئيس المثير للجدل دونالد ترامب الذي خرج من الاتفاق على حين غرة وفتح الحرب الاقتصادية والنفسية على طهران ودمشق وحكامهما، مطلقا إشارات الطمأنة إلى اسرائيل. غير أن هذا لا ينفي أن تل أبيب أيضا، التي تلتقي مع الحليف الأميركي الوثيق على الخوف من ايران نووية دخلت هي أيضا إلى المسرح الدولي، موجهة ضربات قاسية إلى حزب الله، عدوها الأول والأكبر، بضرب مخازن أسلحته في سوريا، بقبة باط روسية وغض نظر ايراني، وصمت غريب من الضاحية، المتمسكة بالسلاح تحت شعار الحرب على الكيان العبري.

كل هذه الظروف الدولية، معطوفة على تنامي خطر المتشددين وإرهابهم دفعت إلى الواجهة معادلة خدمت استمرارية الأسد في منصبه إلى حد كبير: إما الأسد وإما إرهاب داعش وحكمها الدموي. هكذا حافظ طبيب العيون على منصبه، وإن بشكل صوري. فبقي في قلب المعادلة السورية بينما كان العالم ينخرط في محادثات سياسية طويلة في أستانة لجمع "المعارضات السورية" حول دستور جديد وبدائل من الأسد وحكمه لا يبدو الوصول إليها قريبا.

وبين كل هذه المحطات، توالى المبعوثون الدوليون إلى سوريا المنهارة والمشتتة من الأخضر الابراهيمي، إلى كوفي أنان مرورا بخافيير سولانا وصولا إلى غير بيدرسون. على المقلب الآخر، كان الأسد وعائلته وأولاده في مرمى العقوبات الدولية والاقتصادية، بعدما كانت زوجته أسماء الأخرس تتصدر أغلفة كبريات المجلات الباريسية. ... 

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o