Jan 09, 2021 11:20 AM
خاص

من ينكر ان المجلس الدستوري يفسر الدستور... ولكن من يطبقه؟!

المركزية –على وقع سلسلة المآزق المفتوحة على شتى الاحتمالات كاد النقاش امس حول الجهة التي يحق لها تفسير الدستور يفجر سجالا .تعددت الروايات وسارعت الشاشات الى استضافة الخبراء الدستوريين كل من موقعه  للانتصار الى وجهة النظر هذه او تلك. وقد فات البعض منهم ان النقاش في هذا الموضوع جدل عقيم فما حوته "وثيقة الوفاق الوطني" التي اقرت في الطائف حول اعطاء المجلس الدستوري "صلاحية تفسير الدستور" تبخر في جلسة "اقرار الاصلاحات الدستورية" في ساحة النجمة واعطي الحق الى المجلس النيابي. ولكن رغم كل هذه الوقائع التي لا يرقى اليها اي شك فان المجلس الدستوري وعند النظر في دستورية القوانين يفسر الدستور نفسه في اكثر من بند ومادة وهو ما يوجب ان ينتقل النقاش الى موقع آخر والسؤال عمن يلتزم بالدستور كما هو قبل تفسيره او بعده؟

عند هذه المعادلة، توقف مرجع دستوري في حديثه الى "المركزية" مفندا بعض المعطيات التي تجنب من خلالها الدخول في ردات الفعل التي رافقت ما نقل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في لقائه اعضاء المجلس الدستوري. فبالرغم من انه كان يوصف واقعا طارحا الموضوع من باب الاشارة الى ضرورة  استعادة هذه الصلاحية بعدما سحبت منه، وعند ربطه بين هذه الملاحظة وما يقوم به المجلس من مهام عند النظر ببعض القوانين التي يتم الطعن بها امامه، لفت المرجع الى ان المجلس الدستوري يلجأ الى تفسير الدستور لتحديد مدى تطابق القانون المطعون به ومقتضياته.

ومن هذه النقطة بالذات، اعاد المرجع التذكير ببعض المحطات الاساسية التي رافقت المناقشات حول هذه  المواضيع والتي تتجدد من وقت لآخر فصوب بداية النقاش مذكرا بأنه كان واضحا ان رئيس الجمهورية اشار في ملاحظاته الى مضمون الفقرة "ب" من الإصلاحات الدستورية التي أقرتها "وثيقة الوفاق الوطني" في مؤتمر الطائف. والتي تحدثت صراحة في البند الثاني عما يلي:" ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية". ولكن الأمر لم يدم طويلا الى ان عاد الموضوع ليطرح في بيروت عند البت بالتعديلات الدستورية فشطبت من المادة التاسعة عشرة التي تناولت صلاحيات المجلس الدستوري مهمة "تفسير الدستور" وبقيت المهام الأخرى دون اي تعديل.

وقال المرجع الدستوري ان الخطأ الذي ارتكب لم يصحح مرة واحدة رغم مجموعة الاقتراحات التي طرحت في اكثر من مناسبة. فتكررت المخالفات الدستورية ولم يوجد من يفسر الدستور رابطا بشكل اساسي بين ما يقر دائما وموازين القوى التي عطلت وجود الجهة الحيادية والمستقلة التي يمكنها ان تعود الى ما اراده المشترع في الكثير من البنود لتستقيم الامور والمحطات التي تشهد على ذلك كثيرة. فمجرد العودة الى بعض التفسيرات والآراء التي يمكن وضعها على لائحة استشارات "غب الطلب" تتبين العيوب التي تظهر للعيان من دون ان يحتاج الامر الى البحث عن الكثير من  هذه المحطات السياسية.

واضاف المرجع ان مهمة تعديل الدستور لم تحجب عن اي من المجالس الدستورية في العالمين العربي والغربي لا بل فإن مثل هذه الصلاحيات لا يجب ان تكون خارج هذه المؤسسات الدستورية وخصوصا ان كلف من يفقه القانون الدستوري ليؤتمن على إدارتها  بعيدا من اي توجهات او ضغوط سياسية. فالمس بالدستور جريمة كبرى يعاقب من يخالفه في كل دول العالم إلا في لبنان حيث يمكن ان يكرم بدلا من ذلك.

وعند دخوله في التفاصيل اشار المرجع الى ان المحكمة الدستورية في المانيا مثلا  انيطت بها مهمة تفسير الدستور بناء لطلبات يمكن ان يتقدم بها مجلس النواب الفدرالي او الحكومة الفدرالية او اي من البرلمانات الواقعة ضمن الاتحاد الفدرالي. وان قيل ان الامر يقع في دولة اوروبية متطورة ففي الاردن والسودان ومصر والكويت ودول عربية وافريقية اخرى اعطيت صلاحية تفسير الدستور فيها الى المحاكم الدستورية التي تتناسق مهامها مع المجالس الدستورية..

والاهم  في ما لفت اليه المرجع ان البعض الذي حرم المجلس هذه الصلاحية لا يمكنه ان يتجاهل انه يقوم بالمهمة عندما يتولى النظر بدستورية اي قانون مطعون به من قبل الجهات التي تملكت هذا الحق. من اجل التثبت من مدى دستوريته وهو امر قائم لا ينكره احد فلماذا حجبت عنه هذه المهمة في المحطات الاساسية التي غيرت مجرى الاحداث في لبنان على قاعدة مخالفتها للدستور؟

وقال: ان المشكلة سياسية ولها اهداف اخرى لا مجال للبحث بها الآن. ولكن ما فات المنظرين في هذا المجال يقف عند اصرار بعض القوى على خرق الدستور لمجرد ان ترفض اي جهة تطبيق قرارات المجلس الدستوري وهو ما يعني تلقائيا مخالفة دستورية. فلا يجب ان ينسى احد ان قراراته ملزمة لكل السلطات ولا نقاش فيها ولا مراجعة. والدليل عند تجاهل المجلس النيابي ابان البت بالكثير من قوانين الانتخاب التي تخالف الدستور في اعقاب صدور قرار واضح عن المجلس العام 1996 حينما ابطل مواد عديدة في قانون الانتخاب على قاعدة خروجه على مقتضيات الدستور في طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية وخرقه لـ "المساواة" بين هذه الدوائر  ولكن الامر تكرر في اكثر من مناسبة عند صدور القوانين المماثلة لذلك الذي ابطلت مواد منه، ولا مجال لذكرها مع الإشارة الى ما هو نافر فيها عندما تكون بيروت دائرة واحدة لانتخاب 19 نائبا وهناك دوائر اخرى من نائبين او ثلاثة كما في البترون وصيدا مثلا.

وانتهى المرجع ليلفت الى ان المجلس الدستوري في لبنان توسع اكثر من مرة في تفسيره للقوانين المطعون بها حتى شملت قراراته مروحة كبيرة من المخالفات الدستورية التي ما زالت ترتكب الى اليوم نتيجة اصرار البعض من موقع القوة وفقدان التوازن الوطني على خرق الدستور والخروج عن مقتضياته وهو ما ترجم اكثر من مرة ابان الشغور الرئاسي على سبيل المثال لا الحصر عند تفسيره لآلية انتخاب الرئيس ودور المجلس النيابي منعا لأي شغور محتمل. وهو ما يتوجب التوقف عنده مليا ان كان هناك من يرغب باتمام الاصلاحات الدستورية التي تضع لبنان مجددا على لائحة الدول المتقدمة وهو ما لم يلحظه احد بعد.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o