Oct 28, 2020 7:40 AM
مقالات

ماكرون خسر العرب ولم يربح الفرنسيين

كانت جريمة قطع رأس أستاذ تاريخ في باريس، مختلفة عن سابقاتها كونها بدأت على التراب الفرنسي بفتوى تحريضية. فقد أقدم لاجئ روسي من أصل شيشاني يدعى عبدالله انزوروف على قطع رأس مدرّس التاريخ والجغرافيا.
قطع رأس المدرّس سامويل باتي (27 عاماً) قرب المعهد جاء نتيجة فتوى كانت صدرت بحق أستاذ التاريخ الذي تعرّض لقطع رأسه.
جريمة قطع الرأس مستنكرة ومُدانة، ولا نسمح لأنفسنا بالدفاع عن مرتكبها. لكنّ السلطات الفرنسية، وبكل موضوعية لم تعالج الأمور بحكمة. فالمدرّس شجّع وسمح للطلاب برسم صوَر كاريكاتورية تسيء إلى النبي محمد، فيكون المدرّس أمام هذا الفعل قد ارتكب خطيئة كبرى... وكان على الحكومة الفرنسية منذ البداية أن تعتقل المدرّس قبل ارتكاب الجريمة ضدّه، ومحاسبته على هذا الخطأ الكبير وإنزال أشد العقوبات به. إنّ ما أقدم عليه المدرّس يثير النعرات الطائفية... وهنا كان من واجب السلطات التصرّف بحكمة وعقلانية... لكن ما حدث هو تصرّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستخفاف لمشاعر الأمة الإسلامية، والأهم من هذا كله أنّ هناك أكثر من مليون مسلم في فرنسا... فلماذا استفزازهم؟ وما هي المصلحة الوطنية الفرنسية باستعدائهم؟.. فنسبة المسلمين تقريباً تعادل 10٪ من الشعب الفرنسي.
وبعد إلقاء القبض على المدرّس (قبل ذبحه) ومحاسبته، يمكن أن تنتهي الأمور عند هذا الحد.
على كل حال، يبدو أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لم يقدّر ولم يتفهّم الحالات الاسلامية المتطرفة، وكيف ولماذا كانت ردّة الفعل بهذه الطريقة.
إنّ أبناء الحالات الاسلامية المتطرفة، لا يخافون الموت، وهم على استعداد للإنتحار من أجل مبادئ دينية، وشعارهم الموت من أجل قضية دينية.
أذكّر الرئيس إيمانويل ماكرون أنه كان صغير السن، عند تفجير البرجين في نيويورك على يد شبان من «القاعدة»، إنتقاماً للأعمال العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين في بقاع شتى، وخصوصاً في فلسطين.
قضية فلسطين هي قضية العرب المحورية.. وهي قضية كل عربي ومسلم في العالم... وأود الإشارة الى أنه لو جنحت بعض البلدان العربية للتطبيع، فإنّ الشعوب العربية والإسلامية ترفض التطبيع رفضاً قاطعاً. وأكبر دليل على ذلك، ان الشعب المصري الذي يزيد تعداده على نصف سكان العالم العربي، ومنذ «اتفاق كامب ديڤيد» عام 1978، أي بمرور 42 سنة، هذا الشعب العربي غير موافق على التطبيق ويعارضه...
من ناحية أخرى، يبدو أنّ الرئيس ماكرون لا يملك معلومات دقيقة عن تلك الجماعات المتطرفة دينياً كـ»داعش» و»القاعدة»... إنّ القاسم المشترك بين داعش والقاعدة، هو قطع الرؤوس والقتل بدم بارد...
وهنا يبرز سؤال محوري، ماذا جنى ماكرون من عملية تجاهل الفاعل المسيء للإسلام، والتركيز على «الشيشاني» الذي نفّذ فتوى دينية؟
وهنا أشدّد لو أنّ ماكرون وحكومته تداركوا الوضع منذ البداية، واعتقلوا المدرّس، فإنّهم يكونوا بذلك قد منعوا الفعل وأراحوا المسلمين، ولما كانت هذه الجريمة.
وفي هذا المجال نتوجّه بسؤال أول للرئيس ماكرون: الانتخابات الفرنسية باتت قريبة، فهل استعداء 10٪ من مجموع الشعب الفرنسي يصب لصالح الرئيس الفرنسي؟ وهل عدم الاستقرار يخدم قضيّته الانتخابية؟ أشك في ذلك.
ثانياً: البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية، وتطلب فيه من الدول العربية والإسلامية، عدم مقاطعة المنتجات الفرنسية... إنّ هذا البيان يدلّ على القوة الشرائية عند هذه الدول النفطية...
فهل يعلم الرئيس ماكرون أنّ مقاطعة العرب لشراء الطائرات الفرنسية والمنتجات الأخرى وخصوصاً السيارات قد يضع فرنسا في موقف حرج لا تحسد عليه؟
إنّ قرار الرئيس ماكرون لم يكن حكيماً منذ البداية، والعودة عنه بتغليب لغة العقل يخرج فرنسا من ورطتها. ولا ننسى أنّ الدول الأوروبية كلها تمر بمرحلة ركود إقتصادي كبير، بسبب منافسة الاقتصاد الصيني وشرق آسيا. أضف الى ذلك جائحة كورونا التي حملت معها انعكاسات تدميرية على الاقتصادين الفرنسي والأوروبي.

عوني الكعكي - الشرق

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o