Aug 18, 2020 3:04 PM
خاص

رفيق الحريري... عندما تنتصر العدالة للحلم!

المركزية- يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إن "العدالة المتأخرة ليست بعدالة". قد تكون هذه المعادلة صحيحة حين يتعلق الأمر بالجرائم الممكن تصنيفها "عادية". لكن في حال الجرائم المزلزلة بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا مكان لاحتساب الزمن وسنيه المضنية، وإن كانت مطبوعة بالانتظار القاتل. ذلك أن عمليات اجرامية بهذا الحجم المهم أن تظهر العدالة... ولو بعد حين. والأهم يكمن بالتأكيد في تنفيذ الحكم.

هكذا يمكن اختصار مسار  طويل خاضه لبنان في انتظار تحقيق العدالة وإحقاق الحق في جريمة 14 شباط 2005 لأسباب عدة، ووصل اليوم إلى محطته الأخيرة، مع النطق بالحكم في حضور الرئيس سعد الحريري.

بدأت القصة السوداء والملونة، عندما أصدر مجلس الأمن الدولي في 1 أيلول 2004 القرار 1559 الذي ينص على الانسحاب السوري من الأراضي اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات بما فيها حزب الله، الحليف الأوثق لدمشق في بيروت. ولكن، أبعد من الزامية تنفيذ القرارات الدولية، مد مجلس الأمن المعارضة التي كان الحريري رأس حربتها آنذاك بجرعة دعم مهمة، فيما كانت تخوض في الداخل معركة مواجهة رغبة سوريا في التمديد للرئيس اميل لحود. مواجهة خاضها الحريري وحلفاؤه بشراسة، إلى حد أنه ذهب إلى القول "بقطع ايدي وما بمضي"، على قرار التمديد. غير أن اجتماعه العاصف الشهير مع الرئيس السوري بشار الأسد قلب الامور رأسا على عقب. فالرجل أقدم على تهديد الحريري الأب بـ "كسر البلد على راسو"، ما لم يوافق على التمديد للحود. بيد مكسورة جراء زلة قدم، كما قيل انذاك، حضر الحريري جلسة التمديد، وبقي خارج "لائحة الشرف" التي اشتملت على أسماء النواب رافضي هذه الخطوة. غير أن المعارضة تحضرت للرد في الانتخابات النيابية المقررة في أيار 2005، والتي كان رفيق الحريري يعمل على سن قانون جديد تخاض على أساسه المنازلات، علّ ذلك يقلب المعادلات السياسية لصالح السياديين المدعومين من البطريرك الماروني آنذاك نصرالله صفير، بطل نداء المطارنة الموارنة، وراعي المصالحة المسيحية الدرزية، وحامي الأحزاب المسيحية الذين وجدوا أنفسهم في المواجهة المباشرة مع سلطة الوصاية في 7 آب 2001.

على اي حال، لم تنزل المواجهة مع السوريين بردا وسلاما على معارضي... المعارضة. فكانت الرسالة الأولى كتبت بدماء النائب المستقبل مروان حمادة، إلى أن حل يوم عيد الحب، ذلك الاثنين الذي تحول احمر بلون دم الحريري الذي روى المنطقة الأحب إلى قلبه، بيروت. كيف لا وهو رجل الأعمال المدعوم سعوديا الآتي على صهوة جواد اتفاق الطائف، لهدف واضح ومحدد: إعادة إعمار بيروت وإنقاذ لبنان من براثن الحرب الأهلية وتنفيذ اتفاق الطائف، الذي أعطى الحكومة صلاحيات كبيرة ومهمة كانت محصورة في يد رئيس الجمهورية. منذ ذلك الحين، انطلقت مرحلة ما عرف بالسنية السياسية، حيث سيطر الحريري، الذي أصبح عملاق الاعمار والسياسة والشريك الند لزعماء القرار في العالم، على المشهد العام في لبنان.  وهو الذي حول الوسط التجاري من منطقة منكوبة إلى واحة تضج حياة وفرحا واقتصادا وسياحة بالنكهتين الخليجية والغربية، على وقع ثبات سعر صرف الدولار، ومؤتمرات الانقاذ الاقتصادي. كل ذلك جعل رفيق الحريري شخصية تتجاوز البعد السياسي والمالي والشخصي إلى ما هو أبعد. فالرجل بغض النظر عن خياراته التي قد لا تلاقي إجماعا كالرهان على سلام بعيد المنال في المنطقة العربية، وعلى الاقتصاد القائم على القطاعات الخدماتية حصرا، رسم في أذهان اللبنانيين حلما أجهز عليه المجرمون في لحظات... لحظات انقض فيها الشر على لبنان السياحة والانفتاح  والفرح  ومستشفى الشرق الأوسط، والمدارس والعلم والطموح... لأسباب قد لا نكتشفها يوما.

لكن الأهم يكمن في أن عقدا ونصف العقد من دون رفيق الحريري جعلنا نتيقن من بعض الحقائق الدامغة: كان الحريري محقا في جملته الشهيرة "ما حدا أكبر من بلدو"، ولأننا نؤمن بذلك قمنا من الموت والمصائب مرارا وتكرارا، واطلقنا العنان للثورة على ظلم وتسلط وسلاح تقف على نقيض حلم رفيق الحريري للبنان الجديد. لكن هذا لا ينفي أننا نجحنا في إخراج السوريين من البلاد، وفي الدفع في اتجاه التحقيق الدولي في جريمة   14 شباط، وننتظر تحقيق عدالة الأرض إنطلاقا من حكم المحكمة الذي طال انتظاره، علها تنتصر للحلم... ولو لمرة واحدة. 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o