Jul 21, 2020 3:09 PM
خاص

لجنة تقصي الحقائق اول مدماك في مسار اعادة بناء الدولة
المحكمة الخاصة للجرائم المالية ضرورة بعد تقرير "الديوان" فهل تبصر النور؟

المركزية- غزيرة هي التساؤلات حول عمل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في شأن توحيد ارقام خسائر الدولة المالية ما دامت الحكومة المفترض ان المهمة مهمتها لا تعترف بالرقم الذي توصلت اليه اللجنة لاعتماده في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. واغزر منها الاحاديث عن الخطوات التالية، ما دامت آليات المحاسبة غائبة او مُغيّبة، والخسائر التي تناهز ثلث الدين العام، بحسب تقرير ديوان المحاسبة الذي حددها ب 27 مليار دولار، لا تجد من يتحمل مسؤوليتها او يحدد وجهة صرفها في الدولة "السائبة" منذ نحو ثلاثة عقود.

تساؤلات المواطنين، كما الكثير من السياسيين، الذين اعتادوا نمط نهب المال العام ولا من يسأل او يحاسب، مشروعة خصوصا لمن لا يفقهون العمل التشريعي او لا يتابعون ما يدور في بعض الجلسات واللجان النيابية الفاعلة والمنتجة، خلافاً لاخرى تبقى مفاعيلها حبرا على ورق. ذلك ان العاملين الصامتين على هذا الخط يبذلون جهودا جبارة من اجل بلوغ هدف المحاسبة والمحاكمة، ولو بعد حين. فالرقابة البرلمانية التي مارستها لجنة المال النيابية منذ عام 2010 لم تكن من دون هدف، خصوصا ان رئيسها النائب ابراهيم كنعان اعدّ باتقان اسس اقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية قدمه في العام 2013  بصيغة اقتراح قانون معجل مكرر رئيس تكتل "التغيير والاصلاح"آنذاك النائب ميشال عون ( رئيس الجمهورية) من اجل ابعاد اي محاسبة للمسؤولين عن الجرائم المالية عن التسييس او الحصانة، وكأن فخامة الرئيس كان يستقرئ الواقع الحالي منذ أكثر من ست سنوات كما يقول كنعان لـ" المركزية"، موضحا ان الاقتراح موجود راهنا امام اللجنة الفرعية التي تعنى بقوانين مكافحة الفساد.

 اليوم، واكثر من اي يوم مضى، يبدو الاقتراح ملحّاً لا بل ضروريا، لتبصر المحكمة النور وتعاقب من سرق وهدر وانفق المال العام من دون مسوّغ قانوني حتى وصلت البلاد الى ما وصلت اليه، ومصير الـ27 مليار دولار التي كشف النقاب عنها تقرير الديوان لن يُكشف، الا من خلال المحكمة الخاصة للجرائم المالية المعمول بها في الكثير من الدول لا سيما الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمغرب ومصر والاردن وغيرها .

صحيح ان في لبنان عددا لا بأس به من المحاكم الخاصة من بينها المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، القضاء العسكري، المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية، المحكمة المصرفية الخاصة المنشأة بموجب القانون رقم 110/1991 المتعلق بإصلاح الوضع المصرفي، غير ان ما بين المحاكم الخاصة بالجرائم المالية والغرف الناظرة في الجرائم ذات الطابع المالي فروقات كبيرة اوردها الاقتراح، اذ تقوم المحكمة الخاصة على أساس مبدأ تخصص القضاة في حين تقوم الغرف الناظرة في الجرائم ذات الطابع المالي على مبدأ أختصاص الغرفة. كما ان في المحاكم الخاصة تراكم خبرات مما يؤدي إلى سرعة البت وتأمين العدالة، اضافة الى ان هذه المحاكم تتصف بالشمول بحيث تنظر في جميع القضايا الناشئة عن نزاع واحد. اما الأسس التي تقوم عليها المحكمة الخاصة المقترحة، فتتلخص بالاستقلالية عن التنظيم القضائي القائم، الارتباط بالسلطة التشريعية التي تنتخب القضاة وقضاة التحقيق، تضم إلى القضاة الأربعة أستاذين جامعيين: أحدهما متخصص بالقانون المالي، والآخر بإدارة الأعمال وخبيراً في المالية العامة، لها نيابة عامة مستقلة وقضاة تحقيق وضابطة قضائية مالية وجهاز إداري وقضائي مساعد (مساعدون قضائيون)، تعتمد الأصول الموجزة. فيما تتم الإحالة على المحكمة بناءً على: إخبار من عشرة نواب يقدم إلى النيابة العامة المالية، تقرير من التفتيش المركزي، قرار من ديوان المحاسبة وتقترن الإحالة الى التحقيق بالتوقيف عن العمل، على ان الاهم يكمن في ان الحصانات تسقط لمجرد الإحالة الى التحقيق وان قرارات المحكمة نهائية ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة.

ان ما قدمه ديوان المحاسبة من تقرير صادم عن ارقام الاموال "الضائعة" في الجمهورية "السائبة"، وهو ثمرة العمل الرقابي البرلماني ولجنة تقصي الحقائق و54 جلسة نيابية على مدى 5 اشهر بمشاركة وزارة المال والكتل النيابية من دون استثناء، وضع هذه الوزارة امام واقع جديد بعدما تقاعست لسنين طويلة عن معالجة الحسابات المالية ووافقت عليها من دون تدقيق، بحيث باتت اليوم ملزمة وادارتها، القيام بواجب لم تضطلع به.

وبعد، واذا ما كُتب للدولة البائسة وشعبها اليائس ان تحظى بنعمة اقرار انشاء المحكمة الخاصة للجرائم المالية، آنذاك يمكن ان ينبعث شعاع امل بإعادة بناء دولة العدالة والقانون، ونُصبح على وطن... 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o