May 03, 2020 11:20 PM
مقالات

رأي مالي صريح في خطة الحكومة الإنقاذية

 

إنها خطة تدميريّة لطموحات وديناميكية الشعب اللبناني، ومخيفة.

إنها أطروحة أكاديميّة عن الوصف الاقتصادي المالي المخيف للبلاد.

بعد قراءتها بالكامل، ما يزيد عن ٦٠ صفحة، تبيّن لي ما يلي:

-١-  اعتراف بعجز الدولة عن دفع ديونها التي التزمت بها للمصارف وللمؤسسات المالية العالمية.

-٢-  يتبيّن أن مصاريف الدولة السنوية أعلى بكثير من مدخولها السنوي. كما أن الحكومات السابقة لم تقدّم ولم تعمل من خلال موازنة متوازنة واقعية وشفافة.

-٣-  الحلول التي طُرحت هي تحميل المصارف أي المساهمين فيها وليس إدارة المصارف، وتحميل الشعب اللبناني كله بكامل قطاعاته هذه الديون .

-٤-  إن نتيجة هذه الحلول ضرب جميع القطاعات الاقتصادية وإفقارها، وإعادتنا إلى زمن الزراعة.

لماذا هذا كله؟

-٥-  إن الأطروحات الأكاديمية لا تعكس أكثر الأحيان الواقع العملي للأمور الاقتصادية الفعلية، حيث ديناميكية الشعوب والمؤسسات هي التي تحرّك الأمور الاقتصادية وتعمل على تطوير إنتاجيتها. والمقاييس الاقتصادية الأكاديمية تأتي بنتيجة الديناميكية الاقتصادية لجميع القطاعات.

-٦-  الواقع الحالي هو كالتالي :

أ- أنفقت الدولة طوال ربع قرن أكثر من مقدورها المالي . وبدأ المستوى المالي في خزينة الدولة ينخفض عبر السنين، فاضطرت إلى الاستدانة من المؤسسات المالية العالمية والوطنية،

ولم تعمل على تحسين الميزان المالي لديها. وفي غياب الموازنات السنوية لم يكن أحد على علم بتفاصيل نفقات الدولة ووارداتها.

ب- ساهمت المصارف في تمويل الدولة بشرائها إصدارات لسندات الخزينة اللبنانية، في انتظار الإصلاحات الموعودة التي تؤدي إلى تحسين الميزان المالي للدولة.

وهذا ما لم يحصل.

ج- من ناحية المصارف،

إن إدارة المصارف من المساهمين وغير المساهمين .

إن حاملي أسهم المصارف الكبرى هم من عامة الشعب ويمثلون ٦٠٪ من مجموع الأسهم ولا علاقة مباشرة لهم بالإدارة. فمن واجب إدارة المصارف أن تقوم بتوظيف الودائع باستثمارات مضمونة لأنها ملتزمة بإعادة الأموال إلى أصحابها عند الطلب، والعمل على تأمين الربح السنوي للمساهمين . ولم يتجاوز الربح يوماً نسبة ٨٪ من قيمة السهم.

لدى المصارف نوعان من الزبائن :

•الأفراد والمؤسسات، تستلف مقابل ضمانات، وغالبيّتها في لبنان ضمانات عقارية.

• مؤسسات الدولة، حيث من المفترض أن تكون ضمانتها أهم من ضمانات الأفراد والمؤسسات، ومواردها تأتي من مرافئها المتشعّبة والضرائب والرسوم وحسن الجباية. وتعتبر هذه الديون "ملكية"  prime. ويُفترض أن يكون للدولة ممتلكات تفوق قيمتها بكثير الديون المترتبة عليها .

"من هنا، إن إقراض الدولة من قبل المصارف هي ضمانة أكبر من إقراض الأفراد والمؤسسات التجارية."

• منذ سنوات عدة، تبيّن للمصارف أن الدولة لا تقوم بالإصلاحات الضرورية وأرادت أن تمتنع عن شراء سندات الخزينة، واتهمت الطبقة السياسية بالفساد. فقامت القيامة عليها... حتى كاد رئيس جمعية المصارف آنذاك أن يُسجن، وتم تهديده وفُرِض عليه أن يعتذر علناً.

• حالياً توقفت الدولة عن دفع المستحقات التي في ذمّتها للمصارف وللمؤسسات المالية العالمية. انتشر الخوف لدى جميع المودِعين، وفُقدت الثقة. مما أدى الى هجمة على السحوبات والتحويلات المالية إلى الخارج . ونتج عن ذلك نقص في السيولة لدى المصارف فأقفلت أبوابها وحدّدت كمية السحوبات وتوقفت عن تحويل أموال المودِعين إلى الخارج. وبدأ التداول بالدولار في السوق السوداء مما أدى إلى ارتفاعه فجأة وبوتيرة سريعة إلى مستوى غير مقبول من الناحية الاقتصادية. وفي المقابل، كان مصرف لبنان عاجزاً عن التدخل بسبب نقص السيولة بالعملة الأجنبية لديه.

هذا من ناحية المصارف.

-٧-  من ناحية الأطروحة المالية الأكاديمية للحكومة، فكان يجب أن تشمل ما يأتي:

•أن تلتزم الدولة بدفع ديونها للمصارف، لإعادة إحياء هذا القطاع وإعادة الثقة للمودِعين.

• أن تلتزم الدولة بتخفيض الإنفاق في جميع الوزارات بنسبة ٣٠٪ في إطار برنامج سنوي يمتد ٤ سنوات . وإعادة هيكلة إدارة وزاراتها مع الالتزام بصرف كل مَن لا حاجة إليه في الوزارة، مع حوافز محدّدة ومعقولة . وكلنا نعلم أن أكثرية التوظيفات سياسية وليست وفقاً للحاجة وللكفاءة. هذا بالإضافة إلى مكننة جميع الوزارات لتأمين معاملات المواطن بواسطة البريد الإلكتروني للحصول على حاجاته ومتطلباته من كل وزارة، وذلك لتخفيف العبء عنه ومنع الرشوة.

• أن تلتزم الدولة بإنعاش الدورة الاقتصادية وذلك،

- بإعادة إحياء السياحة وتنظيف البلد من النفايات وتنظيف الشواطئ. والسماح بإنشاء معامل فرز النفايات في جميع المناطق ومعالجتها مناطقياً بإعطاء الصلاحيات اللازمة لاتحاد البلديات والبلديات عموماً.

-أن تلتزم الدولة بتأهيل جميع الطرقات وإنشاء طرقات جديدة لحل أزمة السير، لأن في ذلك انعكاساً إيجابياً ملحوظاً على الحركة السياحية والاقتصادية .

- أن تلتزم الدولة بتحسين خدمة الإنترنت وسرعته.

-أن تلتزم الدولة بوقف الهدر في الطاقة الكهربائية من جراء سرقة التيار وسوء توزيعه، وذلك بتأجير شبكات التوزيع الكهربائية المناطقية للقطاع الخاص كما هو معمول به في أكثرية البلدان المتقدمة (سويسرا لديها ما يزيد عن ٢٥٠ شركة توزيع كهربائية)، وتأمين التيار الكهربائي ٢٤/٢٤ ساعة من خلال السماح للقطاع الخاص بإنشاء معامل إنتاج في جميع المناطق تحت إشراف الهيئة الناظمة.

-أن تلتزم الدولة بتحسين شبكة توزيع المياه وذلك بتلزيمها مناطقياً للقطاع الخاص .

- أن تلتزم الدولة بتحسين الخدمة في المطار والمرافئ وذلك بتلزيم إدارتها للقطاع الخاص كما هو معمول به في أكثرية البلدان المتقدمة (حتى أن قبرص قامت بذلك).

- أن تلتزم الدولة بمعالجة فورية للتعدّيات على الأملاك العامة ولا سيما البحرية .

- أن تلتزم الدولة بإعداد جردة بعقاراتها وبيع ما هي ليست بحاجة إليه لتمويل خزينتها وتأجير عقاراتها للإنتاج الزراعي مع إعطاء الأفضلية لكل مَن يترك أو يصرف من الخدمة في القطاع العام بسبب سياسة التقشف الصارمة والإلزامية .

- أن تلتزم الدولة من خلال المصارف بتأمين قروض طويلة الأجل للصناعيين بفائدة متدنية ورمزية ضمن شروط لتطوير صناعتهم بهدف التصدير، مما يؤدي إلى إدخال العملة الصعبة إلى البلد، في مقابل رفع الرسوم على السلع المستوردة التي يُصنّع منها محلياً لمدة سبع سنوات.

- أن تلتزم الدولة من خلال المصارف بتأمين قروض زراعية بفائدة متدنية وتشجيع الزراعة وإعفائها من الرسوم والضرائب، ورفع الرسوم الجمركية على المواد الزراعية المستوردة المنتَجة محلياً لمدة سبع سنوات .

- أن تلتزم الدولة من خلال المصارف بمنح قروض محددة وبفائدة متدنية للمؤسسات الصغيرة الناشئة لتشجيع الجيل الجديد من أصحاب الشهادات العليا، على البقاء في بلدهم وتوجيههم نحو الإنتاجية والتصنيع والتصدير .

-٨- كل ذلك إذا تم البدء بتنفيذه بشفافية وبديناميكية، تستطيع الدولة أن تُعيد إنعاش البلد بكامله في غضون سنتين... فبدلاً من تهديم هيكل القطاع المصرفي، فليتم توجيهه صوب التوظيف الإنتاجي وليس في اتجاه تمويل خزينة الدولة كما تم سابقاً طوال ربع قرن .

-٩-  وبدلاً من وضع اليد على أموال المودِعين، خفضوا أعباء الدولة بشكلٍ دراماتيكي وسددوا ديونكم للمصارف، كي يستعيد الشعب ثقته بدولته ويستثمر أمواله في المشاريع الإنتاجية، وليس بتجميدها بفائدة عالية وهميّة.

- طبقوا الـ"كابيتال كونترول" لمدة سبع سنوات للمدّخرين وليس للقطاعات الصناعية والتجارية والزراعية، ضمن برنامج واضح يعيد الثقة والحيوية إلى الحركة الاقتصادية .

- شجعوا الديناميكية الحيوية المتواجدة عند الشعب اللبناني المنتج والمبدع .

- طبقوا واعملوا على تأمين الأمن الاقتصادي وارفعوا يد التدخلات السياسية عن إدارة مرافئ الدولة .

- الأمور الأكاديمية والتحاليل الاقتصادية هي بحسب علم الاقتصاد، ترتكز على ما يوجد من معطيات حصلت في السابق وليس ما يجب أن يحصل في المستقبل .

اتركوا المستقبل الاقتصادي لحيوية وديناميكية الشعب اللبناني وحرّروا المصارف من ديون الدولة ليواكب هذا القطاع تطور إنتاجية هذا البلد .

- إننا شعب مؤمن ببلدنا، ونحب أن نعيش مع أولادنا في هذا البلد الجميل حيث الفصول الأربعة ويتمتع بمناخ وطبيعة فريدَين غير متواجدَين في أي بلد في العالم.

ملاحظة:

-١٠-  نلفت نظر الحكومة، إن مساهمي المصارف قد يدعون إلى جمعية عمومية غير عادية ويلزموا إدارة المصارف برفع دعوى أمام القضاء ضد الدولة اللبنانية لتحصيل أموال المصارف وحجز ممتلكات الدولة وبيعها بالمزاد العلني ومقاضاة المسؤولين .

فلن يقبل مساهمو المصارف بهدر مدّخراتهم وجَنى عمرهم.

يوسف باسيل – رجل أعمال

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o