May 01, 2020 1:23 PM
خاص

نهاد سعيد... المرأة الفولاذية حيث لم يجرؤ آخرون!

المركزية- إذا كان من حق الرئيس حسان دياب الاعتداد بكون حكومته تضم 6 نساء للمرة الأولى في التاريخ الحديث، في مقابل 6 نائبات في المجلس المنبثق من انتخابات أيار 2018، فلأن هناك من عبد أمام النساء هذا الطريق الصعب والشاق، لا لشيء إلا لتكريس معادلة يفترض أن تكون قد صارت ثابتة لا نقاش ولا جدال فيها: الميدان السياسي ليس حكرا على الرجال. فالمرأة التي اصطفاها الله لتشاركه نعمة الخلق والانجاب وتربية أجيال ومجتمعات، لن تفشل في مهمة لا تقل نبلا وصعوبة: رسم السياسات العامة والتفاني في خدمة الخير العام.

ذلك أن الذاكرة السياسية اللبنانية تحفظ بالتأكيد بين حناياها أسماء نسائية كبيرة في العالم السياسي من طينة نظيرة جنبلاط (جدة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط) وميرنا البستاني (أول إمرأة حملت لقب سعادة النائب خلفا لوالدها النائب الراحل اميل البستاني) و... نهاد سعيد التي تطوي الرزنامة العام الرابع على رحيلها سنة 2016.

صحيح أن ابنة العاقورة في جرد جبيل نهاد جرمانوس دخلت الميدان السياسي من باب إرث زوجها الطبيب أنطون سعيد، الذي خانته صحته، فسكت قلبه على حين غرة بعيد انتخابه نائبا عام 1964. لكن إرثها الأهم يكمن بالتأكيد في أنها بالفعل "إمرأة فولاذية تذكر إلى حد بعيد برئيسة الحكومة البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر التي حملت هذا اللقب عن جدارة على مدى عقود في القرن العشرين. تتشارك المرأتان كثيرا من الصفات ليس أقلها، إلى جانب الشعر الأشقر، الارادة الفولاذية. كيف لا ونهاد سعيد تجرأت حيث لم يجرؤ الآخرون.

ففي وقت كان المجتمع يفرض على المرأة قيودا ومعايير بالية تحد من طموح النساء وقدراتهن وطاقاتهن، حلقت نهاد سعيد الأرملة الشابة، بعيدا، فحولت فاجعة وفاة الزوج المباغتة إلى فرصة لإثبات نفسها وحمل شعلة زوجها الراحل، وترشحت إلى الانتخابات الفرعية عام 1964، من دون أن تكسبها. وإذا كان الاعتراف بالخسارة واجبا ودليلا مشعا إلى الديموقراطية في أجمل صورها، فإن لنهاد سعيد حقوقا على التاريخ السياسي الحديث. ذلك أن هذه المرأة الجريئة لم تخش خوض المواجهة ضد عميد الكتلة الوطنية ريمون إده، رجل السياسة الاستثنائي، في قضاء جبيل الذي كان معقله الأول بلا منازع، وصدى خطاباته لا يزال يتردد حتى اليوم في أرجاء القضاء ومنازله. كيف لا وبعض هذه البيوت وأسوارها شاهد على "العميد" وهو يدير لوائحه ومعاركه الانتخابية بين أرجائه، وهي حال منزل نسيب الحواط (جد النائب زياد الحواط) . في هذا المشهد المعقد، اختارت نهاد سعيد الغوص في دهاليز السياسة لتبقي شعلة آل سعيد متوهجة، وإن كانت دفعت ثمن الصراع بين الكتلة الوطنية والحزب الدستوري الذي أنشأه الرئيس الراحل بشارة الخوري في مواجهة "الكتلة الوطنية" بزعامة خصمه اللدود الأول، إميل إده.

وكما يعترف التاريخ لنهاد سعيد ببطولتها في مواجهة ريمون إده في عرينه الجبيلي، سيعترف لها أيضا بأنهاعادت وكسبت رهانها على الناخبين الجبيليين فدخلت الندوة النيابية عام 1996، قبل أن تنقل الدفة إلى نجلها النائب السابق فارس سعيد، حامل إسم الجد وأمانة الوالد وإرث الوالدة الذي مده ببعض النضال ذي الطابع السيادي، بعدما كان في الصفوف الأمامية في مواجهة الوصاية السورية على لبنان، وأحد أركان ثورة الاستقلال الثاني عام 2005 إلى جانب صقور حركة 14 آذار.

وما بين المحطتين، لم تدع نهاد سعيد اليأس ينال من عزيمتها الفولاذية، فظلت في صلب الصورة السياسية الجبيلية، محافظة على خصومتها الشريفة النبيلة مع "العميد"، إلى أن التقيا كل من موقعه على الانضمام إلى موجة المقاطعة المسيحية لانتخابات 1992 البرلمانية. وبكثير من النبل والأخلاق والشهامة، نجح الخصمان في طي صفحة خصومتهما الطويلة بطلب من البطريرك التاريخي نصرالله صفير.

قد يكون هنا تماما مكمن الأمثولة الأهم المفترض استخلاصها من تجربة نهاد سعيد في الميدان السياسي: الشأن العام ومعاركه ومنافساته لا يجوز أن تحصر بالرجال. فالنساء المؤمنات، أصحاب الارادة الطيبة والطينة الصلبة قادرات على الخروج منتصرات من هذه الحلبة، تماما كما أنهن قادرات على خوض أشرس المواجهات مع ألد الصقور والخصوم. كل ما في الأمر أن عليهن أن يتحلين بالايمان بأنفسهن وبمبادئهن وبقدراتهن. لكن هذا لا يعفي المجتمع من مسؤوليته الجمة في هذا المجال: إعطاء النساء فرص واسباب وظروف النجاح، فهذا حقهن ولا يجوز أن يكون منة من أحد...

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o