Mar 12, 2020 7:14 AM
صحف

العالم مُستنفر.. وفي لبنان: مناكفات سياسية على حلبة "كورونا"

لعل اكثر الملاحظات الموجِعة التي يمكن تسجيلها لبنانيّاً، هي ان العالم بأسره مُستنفر بكل امكاناته لتحصين دوله ومجتمعاته امام هذا الفيروس الخطير، فيما الواقع السياسي ما زال محكوماً بمناكفات بين الموالاة والمعارضة حتى على حلبة "كورونا"، وكأنّ أطرافها يعيشون في عالم آخر.
المعارضة: الحكومة هاربة
في هذا الوقت، اتهمت مصادر معارضة الحكومة بالتقصير الفاضح حيال الازمة الناشئة مع "كورونا"، وان أداءها عكسَ فشلاً ذريعاً في مواجهة هذا الخطر المتفاقم، بلغ ذروته في الاستعراضات الاعلامية التي يقوم بها الوزراء المعنيون، وهو ما زاد من قلق المواطنين، الذين لم تقدّم لهم الحكومة ما يطمئنهم من إجراءات احتوائية جدية ومطلوبة بإلحاح في هذه المرحلة الحرجة.
ومن جهة ثانية، استغربت المصادر نفسها ما سمّته "تباطؤ الحكومة في الإقدام على أيّ من الخطوات العلاجية للأزمة المالية والاقتصادية، بل انّ جلّ ما أقدمت عليه منذ تشكيلها وحتى اليوم هو إغراق البلد بمسلسل من الوعود التي لم تلق اي مبادرات تنفيذية لها حتى الآن".
ولفتت المصادر الى انها، ورغم كل الوعود الذي يطلقها رئيس الحكومة بشكل متواصل، فإننا لم نلمس تبدّلاً في أداء الحكومة عن النهج السابق الذي كان متّبعاً في الحكومات السابقة، والنهج الذي أوصَل الازمة الاقتصادية والمالية الى ما بلغته من انهيار، وهو أمر يعدم الأمل في إخراج البلد من المأزق الذي وقع فيه، ويعزّز ذلك اعتراف بعض الوزراء بأنّ الحكومة ضعيفة، ومُربكة امام أزمة أكبر منها، وتفتقد الى الانسجام بين وزرائها حيث التباين كبير في توجهاتهم، وبالتالي تفتقد القدرة على اتخاذ قرارات.
ورداً على سؤال، قالت المصادر انّ الواقع الحكومي ميؤوس منه، خصوصاً انّه يعتمد الهروب الى الامام، وتغطية عجزه بمحاولة افتعال اشتباكات سياسية جانبية عبر التصويب المتوالي على اتجاهات سياسية مختلفة ورَمي المسؤوليات على السياسات السابقة. وسياسة الهروب هذه تزيد الاحباط لدى اللبنانيين، ولن يطول الوقت حتى تولّد انفجاراً شعبياً حتمياً، أكثر قساوة من التحركات الشعبية التي شهدها لبنان منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في تشرين الاول.
حملة مستغربة
في المقابل، تعكس أجواء السراي الحكومي امتعاضاً من المنحى السلبي الذي تسلكه بعض القوى السياسية تجاه الحكومة، والذي بلغ حد الافتراء، في محاولة واضحة لكسر كل جهد تبذله في الطريق الذي خَطّته لنفسها وسخّرت كل امكاناتها لخوض التحدّي الكبير الماثل امامها، لإعادة وضع البلد على السكة الصحيحة، بعدما حاد، او بالاحرى حُيِّد عنها على مدى السنوات الماضية، وبجهود بعض اطراف الحملة على الحكومة.
وقالت مصادر قريبة من السراي لـ"الجمهورية": بالتأكيد هناك احترام كلّي للمعارضة البنّاءة، واكثر من ذلك، المطلوب وجود مثل هذه المعارضة لتصويب المسار إذا تعرّض الى شيء من الانحراف عن مقصده السليم، ولكن لا نستطيع ان نعطي صك براءة لبعض الجهات السياسية التي تستهدف الحكومة، فقط لمجرّد الاستهداف، وتخطط لإرباكها، على ما كان يجري تحضيره في الفترة الاخيرة، للقيام بتحركات احتجاجية واسعة ضد الحكومة، فور انتهاء رئيس الحكومة حسان دياب من اعلان تعليق سداد سندات اليوروبوندز"، والتي على ما يبدو أحبطت جرّاء التجاوب الشعبي الواسع مع موقف الحكومة اللبنانية.
إستهداف
وأشارت المصادر الى ما سَمّته "التصويب والاستهداف غير المبررين والمستمرّين على رئيس الحكومة من قبل جهات مستفَزّة من وجوده على رأس الحكومة، وهو أمر لن يجعله يرضخ امام هذا المنحى، وكذلك على بعض الوزارات وتحديداً وزارة العدل ربطاً بموضوع التشكيلات القضائية، ووزارة الصحة ربطاً بتعاطيها مع ملف كورونا، وصولاً الى وزارة المال ربطاً بمناقصة الطوابع".
ويذكر هنا انّ وزارة المالية اكدت في بيان امس، انها "راعت مبدأ توسيع المنافسة للحصول على أنسب العروض مع مراعاة الافضلية للمطابع اللبنانية، وقد تمّ ذلك انسجاماً مع كتاب ادارة المناقصات. وهي تؤكد على حرصها الكامل على الشفافية المطلقة في عملها، وتطالب بالتالي مراجعتها للاستفسار عن اي أمر ممكن ان يشكّل مَساساً بحقوق المواطنين او هدراً للمال العام، وتؤكد انها لن تتوانى عن اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا المجال.
خطان متوازيان
وبحسب هذه المصادر، فإنّ الحكومة تعمل اليوم على خطين متوازيين. الأول، مواجهة الخطر الكبير المتمثّل بانتشار فيروس كورونا، والذي تبذل الحكومة كل استطاعتها لاحتوائه، ورئيس الحكومة حدّد أمس هذا التوجه بشكل كامل، فضلاً عن انّ كل الوزارات مستنفرة في هذا السبيل، ووزارة الصحة بشكل خاص، تقوم بواجبها كاملاً على غرار ما تقوم به كلّ وزارات الصحّة في الدول التي انتشر فيها هذا الفيروس، ولكن مع الأسف ثمة من هو مُصِرّ على المزايدة والاستثمار السياسي من دون أي اعتبار للوضع الذي يعانيه لبنان.
دعوها تعمل
وفي سياق متصل، قال مرجع سياسي لـ"الجمهورية": المرحلة لا تحتمل أيّ مزايدات، كنّا في وضع اقتصادي ومالي مُزر، وأصبحنا في وضع أسوأ بعد دخولنا في عصر كورونا"، ولا نعرف حتى الآن كيف نخرج منه.
واشار المرجع، رداً على سؤال، الى انّ الحكومة ما زالت في بداية عمرها، والموضوعية تقتضي التأكيد بأنها عبّرت عن نوايا سليمة وتوجّهات صادقة لاتخاذ خطوات علاجية للازمة، الآن اصبحت مهمتها مزدوجة، مواجهة كورونا ومواجهة الازمة المالية، ولا خيار امامها سوى ان تنجح، لأنّ فشلها معناه كارثة كبرى ستحلّ بكل اللبنانيين. فالمطلوب الآن ان تعطى المناكفات السياسية إجازة، وتترك الحكومة تعمل، فأيّ تشويش على عملها يلقي علينا سلبيات اضافية، وهذا بالتأكيد لا يعفي الحكومة من ان تبادر الى خطوات في شتى المجالات، والمواطن ينتظر ان يلمسها سريعاً. ومن الآن فصاعداً، يجب ان يكون عنوان العمل الحكومي: "إنتهت مرحلة الاقوال، وبدأت مرحلة الافعال".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o