استحقاق اليوروبوندز: 3 خيارت امام لبنان
بعد 25 يوماً(9 اذار المقبل) يستحق دَين على لبنان بقيمة 1.2 مليار دولار. هذا الدين هو عبارة عن سندات خزينة بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) أصدرتها وزارة المال في آذار 2010 لمدّة 10 سنوات وبفائدة سنوية 6.375%، أي أن الخزينة دفعت سنوياً لحملة هذه السندات 76.5 مليون دولار، أو ما مجموعه 765 مليون دولار خلال السنوات العشر الماضية. ويأتي هذا الاستحقاق في ذروة الأزمة المالية ــــ النقدية التي بدأت منذ سنوات وتفاقمت مؤشراتها منذ ظهور سعرَين لصرف الليرة مقابل الدولار، بفارق يزيد 55% على السعر المدعوم من مصرف لبنان (1507.5 ليرات وسطياً مقابل 2325 ليرة في السوق الموازية).
موقف حاسم
إزاء هذا الوضع، واصلت القوى السياسية عقد اجتماعات ولقاءات منذ تأليف الحكومة إلى اليوم، من دون أن تحسم موقفها النهائي بعد. إلا أنه ظهرت مؤشرات في الأيام الأخيرة عن موقف ستتخذه الحكومة في اجتماع يُعقد في قصر بعبدا ظهر الخميس المقبل مع بروز أرجحية تدعم التوقف عن السداد وإطلاق عملية التفاوض مع الدائنين بالاستناد إلى مشورة صندوق النقد الدولي. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن رئيس الحكومة حسان دياب دعا إلى اجتماع للجنة الوزارية ــــ المالية قبل ساعتين من موعد جلسة الحكومة لمناقشة القرار النهائي، علماً بأنه تبلّغ من معظم الوزراء رفضهم مواصلة سداد الديون.
في الواقع، إن اللقاءات التي عقدت بعد تأليف الحكومة لم تتوصّل إلى نتيجة سوى تلك التي كشف عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أشار إلى أن بتّ سندات آذار ينبغي أن يستند إلى مشورة (تقنية) من صندوق النقد الدولي. بعض المراقبين يشيرون إلى أن برّي كما غيره من زعماء الكتل السياسية في لبنان، يبحثون عن وصيّ ما يلصقون به أخذ لبنان نحو هذا الخيار أو ذلك، وهم لا يبدون أي نيّة لتحمّل المسؤولية، ليس فقط لأنهم ليسوا قادرين على تحديد الخيار الأنسب، بل لأنهم ليسوا قادرين على الخروج من حدود اللعبة المحليّة التي تنطوي على تبادل الاتهامات كسباً للشعبية.
مشاورات ما قبل المشورة
وتشير المصادر لـ"الاخبار" إلى أن المشورة المنتظرة من الصندوق، سبقتها تحضيرات مع صندوق النقد والبنك الدولي من أجل إنجاز خطّة تمهيدية لاتخاذ القرار النهائي، على أن تكون جاهزة خلال بضعة أيام لعرضها على الدائنين الأسبوع المقبل إذا اتخذ القرار بالتوقف عن السداد. وتتضمن هذه التحضيرات الآتي:
-مشاورات عقدت بين مسؤولين محليين مع ممثلي صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط، لدرس "الإخراج" المناسب لما يسمّى "مساعدة تقنية" سيقدّمها صندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الدين العام. وهذه المساعدة تشمل تقديم الدعم العلني لعملية إعادة هيكلة الدين العام، وتقديم الدعم التقني للسيناريوات المحتملة بشأن إعادة الهيكلة ونتائجها على الوضع المالي للخزينة ومصرف لبنان والمصارف. هذا الدعم هو البديل من لجوء لبنان إلى برنامج مع الصندوق. وهناك الكثير من القوى السياسية التي تعتقد بأن الحصول على هذه المساعدة التقنية أهون مما قد تفرضه تطورات الأزمة المالية ــــ النقدية ــــ المصرفية في الأيام المقبلة، إذ ستصبح الخيارات مؤلمة جداً وقد تفرض على لبنان اللجوء "مكرسحاً" إلى برنامج مع صندوق النقد، بينما يمكنه اليوم الحصول على مساعدة تقنية وهو يملك بضعة مليارات من ذخيرة الاحتياطات بالعملات الأجنبية.
-بعد يومين يفترض أن يُنجز البنك الدولي بالتعاون مع وزارة المال خطّة متوسطة الأمد تمتد على ثلاث سنوات لتحفيز النموّ الاقتصادي ستعرض على اللجنة الوزارية، ثم على الدائنين، في إطار خطّة شاملة مع سيناريوات صندوق النقد الدولي. وقد سبقتها موافقة البنك الدولي على منح لبنان قرضاً ميسّراً بقيمة 400 مليون دولار سينفق في مجمله على برنامج استهداف الأسر الفقيرة الذي يعدّ برنامجاً زبائنياً لتوزيع المساعدات على الأزلام والتابعين لهم سياسياً المسجّلين في البرنامج المعتمد كسياسة عامة بدلاً من أن يكون برنامجاً ظرفياً لمساعدة هذه الأسر على تخطّي مرحلة الفقر .
نحو إعادة الهيكلة
في المقابل، فإن التوقف عن السداد هو سلوك يقود نحو الاستعانة التقنية بصندوق النقد الدولي. هذا الأمر يعزّز صدقية الخطة التي ستقدمها الحكومة للدائنين الأجانب ويضمن، إلى حدّ ما، موافقتهم عليها. هذه الخطّة تعني أن لبنان سينتقل إلى مرحلة منظمة في عملية إعادة الهيكلة، ويتطلب الأمر ثلاثة فرق: فريق اقتصادي (البنك الدولي)، فريق تقني (صندوق النقد الدولي واللجنة الوزارية وخبراء محليون)، وفريق قانوني (مكاتب محاماة عالمية يرجح أن يكون بينها مكتب الوزير السابق كميل أبو سليمان).
يبدأ هذا المسار من خلال تعيين لجنة للتفاوض مع الدائنين (Credit committe) سيكون لديها نحو 6 أشهر للتوصل إلى اتفاق مع الدائنين. في هذه الفترة، على لبنان تدبير أموره، أي تأمين تمويل استيراد السلع الأساسية، ومعالجة العقود الخاصة التي وقّعتها الشركات المصدرة، ومعالجة عقود الاستيراد أيضاً، وتأمين حماية لأصحاب الرواتب المتوسطة وما دون من انخفاض قيمة الليرة وتآكل رواتبهم، وتأمين الحماية لأموال الضمان الاجتماعي، والحفاظ على الودائع... هناك الكثير للقيام به. على لبنان اليوم الاختيار بين تجربة الأرجنتين التي تواصل التخلّف عن السداد، وبين فنزويلا التي تناضل من أجل استيراد السلع الأساسية.
رأيان حكوميان: وفي انتظار ما سيقرره مجلس الوزراء في شأن هذا الاستحقاق المالي، تساءَل مرجع اقتصادي ومالي كبير "هل قررت الحكومة، لأسباب بعضها معلوم ولكن غير مفهوم أو مُبرّر، وبعضها غير معلوم، لكنه موضع شبهة وتساؤل، أن تستخدم مال المودعين، ومال الفقراء لسداد استحقاق باتَ في غالبيته في أيدي مضاربين وصيّادي فرَص قدموا الى لبنان واشتروا سندات الدين بأسعار بخسة بغية تحقيق أرباح خيالية في فترة زمنية وجيزة؟.
وقال هذا المرجع لـ"الجمهورية" انّ "هذا السؤال مطروح اليوم، بسبب ميل الحكومة نحو ترجيح كفّة دفع استحقاق سندات اليوروبوند في 9 آذار المقبل، وقيمتها نحو مليار و200 مليون دولار. ويبدو انّ هذا الاتجاه يدعمه حتى الآن طرفان أساسيان في الحكومة: رئيسها حسّان دياب من منطلق شخصي، إذ يعتبر انه لا يريد أن يُسجّل عليه انه بدأ ولايته الحكومية بقرار التخلّف عن الدفع، وتكون هذه المرة الاولى التي يتخلّف فيها لبنان عن دفع استحقاق دين. والطرف الثاني وزير المال غازي وزني، الذي يعتقد انّه من الافضل أن ندفع استحقاق آذار، ومن ثم نبدأ مفاوضات على إعادة هيكلة الدين العام.
توزّع السندات
ولفت المرجع الى انه "قبل فترة، كان هناك طرح آخر، يقضي بدفع الاستحقاق في موعده الى الاجانب الذين يحملون قسماً من سندات هذا الاصدار، على أن يُصار الى تأجيل دفع القسم الذي يحمله لبنانيون، وفي غالبيتهم من المصارف. لكنّ هذا الاقتراح فقدَ قيمته لسببين: أولاً، لأنّ مؤسسات التصنيف حذّرت من خطوة مماثلة وأعلنت انها ستعتبرها بمثابة تعثّر انتقائي، وثانياً لأنّ نسَب الحصص في ملكية هذا الاصدار انقلبت رأساً على عقب. إذ أقدم مضاربون أجانب على شراء قسم من هذه السندات بسعر تَراوح بين 70 و80 سنتاً للسند. وهناك مصارف باعت هذه السندات بسبب حاجتها الى السيولة. وبعد عمليات البيع أصبحت ملكية سندات إصدار آذار كالآتي: اللبنانيون يحملون ما قيمته 400 مليون دولار، والاجانب باتوا يحملون سندات بنحو 800 مليون دولار. بما يعني انّ ثلثي حجم الاصدار بات ملكاً لأجانب. كذلك أقدمَ المضاربون على شراء سندات استحقاق نيسان وحزيران 2020 بأسعار بخسة تراوحت بين 40 و50 سنتاً للسند، من دون أن تُعرف الكمية التي اشتراها هؤلاء.
خيار ثالث
ورأى المرجع نفسه "أنّ هذا الوضع صَعَّب مهمة الحكومة لجهة اعتماد خيار الدفع للاجانب وتأجيل الدفع للبنانيين. وصار النقاش محصوراً في أمرين: ندفع أو لا ندفع. لكن في عالم المال، لا وجود لمعادلة أبيض أو أسود فقط، هناك مساحة دائماً للون الرمادي، أي للحلول الوسط. واذا كانت الحكومة ترى انّ أضراراً كبيرة ستلحق بها سواء دفعت أو امتنعت عن الدفع، ففي مقدورها أن تذهب الى خيار ثالث يقضي باعتماد ما يُعرف بالـmoratorium. وينصّ هذا الخيار على تجميد الدفع، وليس الامتناع أو التخلّف، والبدء في مفاوضات مع حملة الأسهم برعاية جهات دولية موثوقة، وبإشراف استشاريين اختصاصيين، للوصول الى اتفاق حول اعادة جدولة الدين. وللعلم، هذا الخيار تعتمده حالياً الارجنتين، وقد جَمّدت دفع مستحقات دين بقيمة 100 مليار دولار، وهي تفاوض المُقرضين على إعادة الجدولة. وبالتالي، تستطيع الحكومة اللبنانية اعتماد هذه الطريقة القانونية لتجميد دفع مستحقات إصدار آذار، من دون أن تكون قد تخلّفت عن الدفع، وتحمّلت تداعيات خطوة من هذا النوع.