"الثورة" تنسحب من الشارع ولكن....والحريري يصرّف الاعمال:
عون: سـتكون للبنان حكومة نظيفة والحراك فتح باب الاصلاح
الخارج يدعو لتشكيل سريع وعودة الرئيس المسـتقيل بشروط
المركزية- لاقى الشارع المنتفض خطوة رئيس الحكومة سعد الحريري سماع نبضه باعلان استقالة حكومته، بمبادرة حسن نيّة اكدت مجددا سلمية حراكه وتوقه الى تحصيل حقوقه المشروعة لا أكثر. توافق الثوار، وان بتفاوت، على الانسحاب من الشوارع وفتح الطرقات انسجاما مع تمني قيادة الجيش من دون ان يقطعوا طريق العودة الى الشارع في ما لو لم تستجب السلطة السياسية الى مطالبهم او عمدت الى الالتفاف مجددا عليها. بالورود البيضاء اعتذر المتظاهرون من اخوانهم في الوطن عن اضطرارهم الى قطع الطرق ثلاثة عشر يوما، فوزعوها على السيارات والمارة.
هذا في الميدان، اما في الصالونات السياسية حيث انتقلت الكرة الى ملعب المسؤولين والقيادات، فبحث في كيفية التعاطي مع مرحلة ما بعد الاستقالة التي قبلها الرئيس ميشال عون اليوم وطلب من رئيس الحكومة والوزراء الاستمرار في تصريف الاعمال.
مرحلة ضبابية تغلف الاجواء في البلاد عموما ترقباً للآتي:
في مقلب الثوار الذين يعتري القلق جزءا لا بأس به منهم ازاء فقدانهم ورقة قطع الطرقات الأكثر ضغطا على السلطة من دون تحقيق كامل مطالبهم، ترقب حذر لكيفية تعاطي هذه السلطة مع مطلب تشكيل حكومة اختصاصيين تتولى مهمة تنفيذ سائر البنود المطلبية، وتاليا خسارة ورقة استقالة الحريري، مكسبهم الوحيد حتى اللحظة.
في مقلب السياسيين، ضياع وفقدان بوصلة التوجهات في ضوء مفاجأة الحريري التي يصرّ شركاؤه في السلطة على انهم لم يوضعوا في اجوائها، ولم يضعوا خريطة طريق تقي البلاد الفراغ الذي حذروا منه. فهل يستبعدون الحريري على قاعدة "انتقامية" خصوصا انه يرفض ترؤس اي حكومة من غير الاختصاصيين ام يعيدون تسميته كونه حاجة وضرورة للمرحلة، علما ان نصائح خارجية أسديت الى المسؤولين بوجوب الاسراع في تشكيل الحكومة. وقد اعرب المنسق العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش اثر زيارة لوزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الاعمال سليم جريصاتي الذي سلمه نسخة عن البيان الذي اصدره امس الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، بعد تقديم الرئيس سعد الحريري استقالة الحكومة عن أمله في ان يتم "تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن، كي يتمكن لبنان من استعادة عافيته وتفعيل اقتصاده".
لتصريف الاعمال: فيما فُتحت الطرق الحيوية والفرعية صباح اليوم من دون اشكالات تذكر غداة استقالة الحكومة، وفي وقت يتوقع صدور بيان عن الثوار " لتحديد مهلة زمنية لتشكيل الحكومة، وإلا سيتمّ اللجوء الى خطوات تصعيدية"، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم من رئيس مجلس الوزراء الرئيس سعد الحريري والوزراء الاستمرار في تصريف الاعمال ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة، وذلك على اثر تقديم الرئيس الحريري امس استقالة الحكومة الى رئيس الجمهورية...
حكومة نظيفة: وفي اول مؤشر الى نية الرئيس بسماع صوت الشارع، قال امام وفد الرابطة المارونية "ستكون للبنان حكومة نظيفة، والحراك الذي حصل فتح الباب امام الإصلاح الكبير، واذا ما برزت عوائق امامنا، فالشعب يعود من جديد الى الساحات".
على صعيد آخر، يوجه رسالة الى اللبنانيين عند الثامنة مساء غد الخميس لمناسبة الذكرى الثالثة لتوليه سلطاته الدستورية، يتناول فيها التطورات الراهنة، وذلك عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة.
شروط بيت الوسط: وبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية" فإن بعبدا والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل اضافة الى تيار المردة، أُربكت كلّها بعد رمي الحريري استقالته في وجهها. وبعد "الصدمة"، ستباشر - أو باشرت- اتصالات في ما بينها للتباحث في الخيارات الواردة أمامها للمرحلة المقبلة. وليس بعيدا، افادت أوساط بيت الوسط ان الرئيس سعد الحريري يترقب الان ردود الفعل ويراهن على وعي اللبنانيين وإدراك القيادات لخطورة اللحظة، لافتة الى ان "الرئيس الحريري يتحرك في ضوء قناعاته والتزاماته تجاه المصلحة الوطنية وموجبات حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار". واشارت الى ان "استقالة الحريري شكّلت خطوة في إتجاه اعادة الاعتبار للنقاش السياسي على حساب الدعوات التي تنادي بحلول امنية وتكليف الجيش فتح الطرقات بالقوة"، مضيفة "الحريري لم يرمِ الكرة في ملعب أحد لكنه سحب كرة النار من الشارع". واعتبرت ان "لا جدوى من المراوحة في تحليل الاستقالة وأسبابها والمحاولات الرخيصة التي تضعها في خانة المؤامرة". وافادت رويترز ان "الحريري يشترط لتولي رئاسة حكومة جديدة أن تشكّل من وزراء تكنوقراط، وخلو الحكومة الجديدة من "السياسيين البارزين" في الحكومة المستقيلة".
بري: من جانبه، اعتبر الرئيس نبيه بري أن "لبنان لا يحتمل المزيد من المتاعب اقتصاديا وماليا، مشددا على أن "الوحدة والانفتاح والحوار بين بعضنا البعض كلبنانيين يجب أن تسود المرحلة الراهنة". بري طالب أمام النواب في خلال لقاء الاربعاء بالاستعجال بتأليف الحكومة وفتح الطرقات، محذرا من فقدان الأمل بالأمن في لبنان ومبديا خشيته من الضغوط الدولية ابتداء من اليوم.
الحزب يدرس: في غضون ذلك، قال عضو الوفاء للمقاومة النائب علي عمار "لم نتفاجأ باستقالة الحريري فقد كانت من ضمن الاحتمالات المقدرة وهو وضع الكثير من الفرقاء بجوّ إستقالته "ووين كانت مفاجأة إلنا طالما أطلع الكل إنو رح يستقيل"! وأكد عمار من عين التينة ان كافة الأمور المتعلقة بالحكومة لم تبحث بعد، مضيفا "حزب الله" يدرس ما إذا كان سيقبل بتشكيل حكومة تكنوقراط أم سيقبل بعودة الحريري". عمار وردا على سؤال حول الاشكال والهجوم الذي حصل في وسط بيروت سأل:" أين الجيش والقوى الأمنية"؟
جنبلاط: في خريطة المواقف السياسية أيضا، اعتبر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط أن هناك عناصر في الحكم رفضت التسوية التي حاول رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري الوصول إليها. ولفت جنبلاط، في حوار خاص مع "سبوتنيك"، إلى أن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يستمر باستخدامه للبلاط الملكي أو الرئاسي، عليه تغيير وجوه والدخول في تسوية جديدة مع اللبنانيين. وأعلن تأييده لحكومة جديدة دون أحزاب ودون وجوه تقليدية، تلبية لمطالب الجمهور الكبير الذي خرج من كل الحواجز الطائفية والمناطقية. ودعا جنبلاط كل القوى إلى الحوار، في مقدمتها "حزب الله" وأن يتفهم ماذا يجري لكي لا ندخل في نظرية المؤامرات، مشيرا إلى أنه لا يستطيع أحد أن يعزل الآخر في لبنان.
الكتائب: من جانبه، اعلن رئيس الكتائب النائب سامي الجميل ان إستقالة الحكومة ليس سوى بداية ولا يجب ان نعتبر ان المعركة قد انتهت"، وتابع "الشعب قال كلمته انه يريد حكومة حيادية تضم اشخاصا كفوئين يستلمون زمام الامور هذه الفترة، ويجب احترام الارادة الشعبية لهذا السبب يجب اجراء استشارات سريعة بين اليوم والغد لتكليف رئيس حكومة حيادي من خارج اطار الاحزاب ليشكّل حكومة اختصاصيين من خارج الانتماء الى الاحزاب ويكونون احرارا".
المطارنة: وسط هذه الاجواء، أمل المطارنة الموارنة في بيان بعد انتهاء اجتماعهم الشهري "أن يتلقف اللبنانيون جميعا إستقالة الحكومة التي قدمها الرئيس سعد الحريري بروح بناءة، ويدعون المسؤولين السياسيين إلى الالتفاف حول فخامة رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، للإسراع في اتخاذ التدابير الدستورية الواجبة "لحماية لبنان ووحدته ومنع وصول الحريق إليه والنهوض بالاقتصاد"، تجاوباً مع طموحات جميع اللبنانيين".
المدارس والمصارف: وفي حين اعلنت المدارس الكاثوليكية والجامعة الاميركية استئناف الدروس غدا، عقد مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان اجتماعاً لمواكبة التطورات أعلن في أعقابه ان "المصارف تعاود العمل الطبيعي ابتداءً من يوم الجمعة في الأول من تشرين الثاني 2019 . ونظراً لتراكم العمل بسبب الإقفال، تقرّر تمديد دوام عمل المصارف يومي الجمعة والسبت في 1 و2 تشرين الثاني حتى الساعة الخامسة بعد الظهر. وذكّرت الجمعية بأن المصارف ستستمرّ يوم الخميس 31 تشرين الأول الجاري في توفير مروحة خدماتها للزبائن عبر الصيرفة الإلكترونية، كما سيكون يوم غد الخميس مخصّصاً للأعمال الداخلية بغية إنجاز الأعمال المتراكمة والتحضير لمباشرة استقبال الزبائن بدءاً من صباح الجمعة".
خامنئي: في الردود الخارجية على الاستقالة، دعا المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، المتظاهرين في لبنان والعراق إلى اتباع الأطر والهيكليات القانونية في بلادهم لتحقيق مطالبهم، محذرا من مخطط لسلب الأمن في بعض بلدان المنطقة. وقال في تغريدات عبر موقع "تويتر"، إن "أكبر ضربة يمكن أن يوجهها الأعداء إلى أي بلد هي أن يسلبوه الأمن، الأمر الذي بدأوه في بعض بلدان المنطقة". وأضاف "أوصي الحريصين على العراق ولبنان أن يعالجوا أعمال الشغب وانعدام الأمن الذي تسببه في بلادهم أمريكا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية بأموال بعض الدول الرجعية"، مواصلا "للناس مطالب أيضا وهي محقة، لكن عليهم أن يعلموا أن مطالبهم إنما تتحقق حصرا ضمن الأطر والهيكليات القانونية لبلدهم. متى ما إنهارت الهيكلية القانونيّة يستحيل القيام بأي عمل".
موقف خامنئي جوبه برفض شعبي لا سيما من الثوار الذين شجبوا تدخله في شؤون لبنان الداخلية.
...وبومبيو: من ناحيته، حثّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الزعماء السياسيين في لبنان على المساعدة في تشكيل حكومة جديدة تلبّي احتياجات شعبها بعدما استقال رئيس الوزراء سعد الحريري إثر احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة. وقال بومبيو في بيان "التظاهرات السلمية ومظاهر التعبير عن الوحدة الوطنية في الثلاثة عشر يوما الماضية بعثت برسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة تتسم بالكفاءة والفاعلية وإصلاحا اقتصاديا ونهاية للفساد المستشري"، وفق ما نقلت "رويترز".
عقوبات بحق عون: على صعيد آخر، أصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بعد تصرف النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، عقوبة مسلكية بحقها سندا للمادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقد أبلغ القرار من وزير العدل وهيئة التفتيش القضائي. وقد عدد قرار العقوبة المخالفات المسلكية المرتكبة من قبلها والتي ضربت فيها القواعد القانونية وقواعد المناقبية. كما أصدر عويدات تعميما الى المدير العام لقوى الأمن الداخلي والأمن العام بعدم مخابرتها في القضايا المطروحة أمامهم ،وبالتالي مخابرة المحامي العام المناوب في جبل لبنان أو النائب العام التمييزي في القضايا الهامة.