Oct 22, 2019 6:49 AM
صحف

تساؤلات حول الورقة الاصلاحية للحكومة!

الواضح وفق "الجمهورية" ان الورقة المسمّاة اصلاحية التي اقرّتها الحكومة امس، جاءت كنتيجة سريعة لضغط الاحتجاجات في الشارع، التي فرضت هذه الصحوة المتأخّرة من قِبل السلطة، لكن ثمة تساؤلات احاطت فيها:
- لماذا انتظرت السلطة الى اليوم لكي تصل الى مثل هذه الورقة، طالما انّه كان في امكانها الوصول اليها قبل الآن، وعلى البارد، قبل ان تضطر الى اتخاذها على الساخن وتحت ضغط الشارع، الم تكن لتوفّر على البلد الخضة السياسية والاقتصادية والشعبية التي حصلت، وما زالت تتفاعل؟
- هل هي خطوة جدّية، وهل ما أُمكن الوصول اليه لناحية اقرار هذه الورقة المسمّاة اصلاحية، محصّن سياسياً وحكومياً، ام انّ هناك جهات سياسية وحكومية ما زالت ترفض او تتحفّظ على المسار الحكومي؟
- هل انّ الورقة المسمّاة اصلاحية هي اصلاحية بالفعل؟ وهل تحاكي فعلاً مطالب المحتجين؟ أم أنّها مجرّد إبرة مخّدرة لتسكين وجع الناس، وصنّارة لاصطياد مطالبهم وتمييعها؟
- هل انّ ما أُدرج في هذه الورقة من بنود قابل فعلاً للتطبيق من دون معوقات، كتلك التي اعتادت السلطة على وضعها أمام بنود عادية ومواضيع بسيطة واقل اهمية من ايّ من البنود التي أُدرجت في الورقة الاصلاحية؟
- لقد ثبّت تحرّك الأيام الماضية للحشود الشعبية، امراً اساسياً، وهو انّ الثقة منعدمة بالطبقة الحاكمة، فهل تستطيع هذه الورقة المسمّاة اصلاحية بناء الثقة بين هذه الطبقة والناس؟
- قد تبدو السلطة امس، وكأنّها حسمت خيارها نحو التوجّه الى عمل يعيد تصويب المسار نحو المعالجالت المطلوبة، او الحد الادنى منها، ولكن هل هذا التوجّه سيلقى استجابة لدى الفئات الشعبية التي ترفض الحلول الترقيعية، ورفعت سقف مطالبها الى حدّ اسقاط كل الطبقة الحاكمة بكل مستوياتها؟
- واضح انّ السلطة لم تستطع ان تسوّق حلّها لدى المحتجين في الساحات اللبنانية، وما قدّمته لهم من حلول لا يرقى الى مستوى ما ينادون به، فماذا لو اصرّ المحتجون على البقاء في الشارع، مع ما يرافقه من تحرّكات وقطع طرقات؟ وهل يتحمّل البلد مزيداً من التعطيل، ومزيدًا من شلّ الحركة فيه؟
- ماذا لو اصرّ المحتجون على اسقاط الطبقة الحاكمة، وفي مقدّمها الحكومة؟ والسؤال الكبير، هل انّ اسقاط هذه الطبقة الحاكمة ممكن في دولة كلبنان، وهل ثمة من يملك اصلاً قدرة على اسقاط هذه الطبقة؟
- ولنفرض ان سقطت الحكومة، فهل ثمة من يملك صورة عمّا بعد هذا السقوط، وإلامَ قد يؤدي اليه هذا السقوط؛ هل نحو الحل الذي يحلم به المحتجون، ام نحو وضع مجهول مفتوح على تعقيدات واحتمالات ليس اقلّها الفوضى في شتى المجالات؟ وفي ظل هذا الوضع المجهول اي بلد سيبقى، وهل ستبقى سلطة؟
لا تجاوب: لقد قالت السلطة كلمتها بالامس، علّها تلقى استجابة من قِبل المحتجين، وبدا في الحل الذي طرحته انّها قدّمت اقصى ما يمكن لها ان تقدّمه، امام السقف العالي من المطالب الشعبية التي تمحورت في اساسها حول هدف وحيد، هو انزال كل الطبقة الحاكمة من عروشها وقيام سلطة بديلة تحظى بثقة الناس وتقودهم في الاتجاه المعاكس لكل المسار الانحداري الذي قادتهم اليه السلطة الحاكمة على مدى سنوات طويلة.

جرأة بالطرح: على رغم التوصيف الذي اطلقته أوساط رئيس الحكومة حول ما انتهت اليه جلسة مجلس الوزراء، بأنّها "قرارات نوعية وجريئة، من شأنها ان تضع الازمة الاقتصادية على مسار المعالجة الجذرية"، وهذا ما وافقها عليه خبراء اقتصاديون، الذين وصفوا بعض القرارات بأنّها تتسم بالجرأة والاهمية البالغة، إلاّ أنّ هؤلاء الخبراء سجّلوا على الحكومة انّها أبقت الأمور على عماها، ولم تُقرن ما قرّره مجلس الوزراء بما يوضح القرارات واهميتها، وما يمكن ان يتأتى من نتائج وايجابيات على الاقتصاد. فعلى الاقل كان يجب شرحها بشكل مفصّل لتصل الصورة واضحة امام المحتجين المتجمعين في الساحات.
الى ذلك، فما بين المشهد الحكومي والقرارات التي تمّ الاتفاق عليها في مجلس الوزراء، وبين المحتجين الذين يملأون الساحات، تبقى الصورة مشوبة بشيء من الغموض. وثمة من يرى انّ الساعات الثماني والاربعين المقبلة، فرصة لكي يتحدّد فيها مسار الأمور، وهي فرصة بالدرجة الاولى لفئات المحتجين لفهم تلك القرارات واهميتها، وقياس ما اذا كانت هذه القرارات ملبية لما يطالبون به، او انّها خلاف ذلك. وفي ضوء ذلك يبنى على الشيء مقتضاه.

وفي قراءة اولية للمقررات، والتي لم تُقنع المواطنين المتمترسين في الساحات والشوارع، بدا انّها غير مُقنعة ايضاً للاقتصاديين. فقد رأى كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي (INSTITUTE OF INTERNATIONAL FINANCE IIF)، غاربيس إيراديان، "انّ المحتجّين في الشارع لن يكونوا راضين عن الورقة الاصلاحية التي اقرّتها الحكومة، كما انّ الجهات المانحة في "سيدر"، كالبنك الدولي والبنك الاوروبي للاستثمار والدول المشاركة لن تكون ايضاً راضية، لأنّها تطالب بإصلاحات هيكلية". واعتبر ايراديان، انّ نقطة ضعف الاجراءات المتخذة انّها "لمرّة واحدة، وايراداتها ضمن الموازنة ستتأتى مرّة واحدة فقط، لذلك اتساءل من اين سيتمّ تعويض هذه الايرادات في الاعوام اللاحقة 2021 و2022 لخفض نسبة العجز؟".
في الموازاة، بدت النقطة الايجابية الرئيسة في المقررات، تلك المتعلقة بخفض عجز موازنة 2020 الى 0,63%، وهي نسبة ممتازة تعطي اشارات مشجعة للاسواق المالية. لكن نقطة الضعف فيها ايضاً، انّها تستند الى المصارف بشكل كامل لتأمين هذا الامر. والسؤال الاول المطروح، هل ضَمَن الحريري موافقة المصارف على هذه المساهمة، في حين انّ مسألة الاكتتاب بـ11 الف مليار ليرة في موازنة 2019 لا تزال عالقة، ولم تُنفّذ؟
هل ستتحمّل المصارف؟ والسؤال الثاني: هل تستطيع المصارف بالوضع الحالي ان تتحمّل هذه المساهمة شبه القسرية، بقيمة 3 مليارات دولار، تُضاف اليها حوالى 400 مليون دولار، بما يعني 3 مليارات و400 مليون دولار في عام واحد؟ ومن المعروف انّ المصارف المتوسطة والصغيرة قد لا تكون قادرة على المساهمة، فهل تتحمّل المصارف الكبيرة لوحدها مثل هذا المبلغ الذي يتجاوز مجموع ارباحها السنوية؟ هذان السؤالان يجعلان بند خفض العجز موضع شك.
أما في البنود المتبقية، فهناك الكثير من النقاط المطّاطة التي لا تقدّم او تؤخّر. في حين تُطرح علامات استفهام في شأن الغاء الانفاق الاستثماري، والذي يُفترض ان يحرّك الاقتصاد. كذلك تُطرح تساؤلات عن كيفية خفض موازنات مجلس الجنوب ومجلس الانماء والاعمار وصندوق المهجرين بنسبة 70%. اذ ينبغي ان يتضح ما هي المشاريع التي سيتم الغاؤها نتيجة هذا الخفض؟ وكيف سيتمّ تنفيذ خطة اغلاق ملف المهجرين؟ إلّا اذا كانت الموازنات السابقة وهمية وتُستخدم فقط للتنفيعات والهدر.

شراء الوقت! كيف تريد هذه الحكومة شراء الوقت الاضافي؟ وماذا تريد ان تفعل به؟
باختصار شديد، ومن دون ايلاء اي اهمية لبعض الاجراءات "الشعبوية" او "الرمزية" ذات الاثر المحدود او الطفيف جدا، مثل خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50%، تقوم خطة الحكومة لشراء المزيد من الوقت على العناصر الاساسية التالية:
اولاً، تخفيض مدفوعات الفائدة على الدين الحكومي بالليرة من نحو 5500 مليار ليرة الى 1000 مليار ليرة، عبر نقل الكلفة من الموازنة العامة الى ميزانية مصرف لبنان، اذ سيقوم مصرف لبنان بطباعة نحو 4500 مليار ليرة لتسديد الفارق، وهو اجراء تضخمي.
ثانياً، رفع الضريبة على ارباح المصارف استثنائيا لسنة واحدة فقط (2020)، بما يؤمن ايرادات اضافية للموازنة بقيمة 600 مليار ليرة (ما يعادل 400 مليون دولار). علما ان اكثر من 70% من ارباح المصارف تأتي من الفوائد التي تسددها الحكومة ومصرف لبنان.
ثالثاً، الغاء نحو 1400 مليار ليرة من الانفاق الاستثماري (الضئيل اصلا) المخصص لتجهيز البنية التحتية والخدمات الاساسية والمرافق العامة وصيانتها. وتخفيض 70% من موازنات مجلس الانماء والاعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب، وبالتالي مواصلة تعليق البت بملفات المهجرين وتعليق تنفيذ الكثير من المشاريع.
رابعاً، خفض دعم اسعار الكهرباء من 2500 مليار ليرة العام الجاري الى 1500 مليار ليرة العام المقبل، مع ما يعنيه ذلك من زيادة التقنين او رفع الاسعار.
هذه العناصر وفق "الاخبار" ستخفّض العجز في الموازنة الى المستوى المذكور، وبالتالي لن تضطر الحكومة الى الاستدانة كثيرا، الا لتجديد سندات الخزينة بالليرة والدولار التي ستستحق في العام المقبل، وهذا سيخفف الضغوط التمويلية قليلا، لكن لمدّة عام واحد فقط، في المقابل سيتعمّق الركود الاقتصادي وسينكمش الناتج المحلي (نمو سلبي) وسيرتفع التضخم. اي ان فئات الدخل الادنى والمتوسط سيعانون من اثار هذه الاجراءات على الاقتصاد، عبر ارتفاع الاسعار وتراجع القدرات الشرائية وارتفاع البطالة وتدني الاجور، بدلا من ان يعانوا من ارتفاع الضرائب والرسوم على الاستهلاك. وكل ذلك من دون افق، ما عدا المراهنة على تغييرات غير محددة او مفهومة او مؤكدة يمكن ان تحصل في هذا الوقت.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o