May 08, 2019 12:26 PM
اقتصاد

تقريـر بنـك عـودة عـن الفصل الأول مـن العام 2019
تقييم إمكانية سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة

المركزية- أورد تقرير بنك عودة عن الفصل الأول من العام 2019 أن "في حال تم تنفيذ نصف هذه التدابير لا سيما نتيجة تجاذبات سياسية داخلية محتملة، هناك مجال لتخفيض العجز المالي العام من 11% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.5% في أفق أقصاه 5 سنوات وتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة، مما يشير إلى أن أرقام المالية العامة لا تزال قابلة للاحتواء وأن البلاد لم تقع بعد في فخ المديونية، على الرغم من أوضاع المالية العامة الواهنة في المرحلة الحالية". وأكد أن "كل هذا يتطلب حدًا أدنى من الإجماع السياسي المأمول عقب تشكيل حكومة جديدة طال انتظارها. من هنا، ينبغي على جميع الأطراف السياسية في البلاد الشروع في خيارات صعبة عبر إصلاحات هيكلية أكثر إلحاحية والتي من شأنها أن تجنّب لبنان تجرّع الكأس المريرة الناجمة عن غياب المبادرات الإصلاحية مع ما يترتّب على ذلك من تداعيات سلبية على الاستقرار الاقتصادي في المدى الطويل بشكل عام".

وهنا نَصّ التقرير:

"شهد الاقتصاد اللبناني الحقيقي مزيداً من الضغوط في الفصل الأول من العام 2019، إنما دون الوقوع في فخ الركود أي انكماش صافٍ بالقيم الحقيقية. ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان 1.3٪ للعام 2019 وفق آخر التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، والتي على الرغم من بقائها إيجابية، تشير إلى وهن في إجمالي حركة الاستثمار. أما الاستهلاك الخاص فقد استمر في النمو خلال الفصل الأول من العام 2019، وإن بوتيرة أخف نسبياً. هذا وإن حالة الترقب والتريث التي تشوب أوساط مستثمري القطاع الخاص قد تُرجمت بتردّدٍ في الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة في لبنان في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الشائكة بشكل عام.

فمن أصل 11 مؤشر للقطاع الحقيقي، ارتفعت ثلاث مؤشرات بينما تراجعت ثمانية مؤشرات خلال الفصل الأول من العام 2019 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2018. ومن بين المؤشّرات التي سجّلت نمواً إيجابياً نذكر عدد السياح الذي سجل نمواً بنسبة 3.7%، والصادرات (+0.9%) وعدد المسافرين عبر مطار بيروت (+0.4%). ومن بين المؤشرات التي سجلت نسب نمو سلبية نذكر تسليمات الإسمنت (-31.3%)، ومساحة رخص البناء الممنوحة (-27.6%)، وعدد مبيعات السيارات الجديدة (-22.5%)، وقيمة المبيعات العقارية (-19.2%)، وحجم البضائع في المرفأ (-14.3%)، وقيمة الشيكات المتقاصة (-11.9%)، والواردات (-11.8%) وإنتاج الكهرباء (-1.2%). عليه، فقد سجّل متوسط المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان تقلصاً سنوياً بنسبة 4.6% خلال الشهرين الأولين من العام 2019، في مقابل نمو صافٍ بنسبة 3.3% خلال الفترة المماثلة من العام السابق.

على صعيد القطاع الخارجي، نمت الصادرات بنسبة 0.9٪ بينما انخفضت الواردات بنسبة 11.8٪ خلال الفصل الأول من العام 2019، مما قلّص العجز التجاري بنسبة 14.4٪. ولكن بما أن تدفقات الأموال الوافدة لم تكن كافية لتعويض العجز التجاري، فقد سجل ميزان المدفوعات عجزًا بقيمة ملياري دولار في الفصل الأول من العام. في هذا السياق، يجدر الذكر أن البلاد تشهد تحسناً في النشاط السياحي في ظل رفع الحظر السعودي والظروف الأمنية الداخلية المستقرة، مما رفع من نسبة إشغال الفنادق، من 54.9٪ في الشهرين الأولين من العام 2018 إلى 65.0٪ في الشهرين الأولين من العام 2019.

وعلى صعيد المالية العامة، فإن تشكيل الحكومة الجديدة قد ساهم في تحسين الآفاق المستقبلية للبلاد على المدى القريب، مع إطلاق بعض الإصلاحات المالية المنتظرة والمتعلقة بقطاع الكهرباء وموازنة العام 2019، بالإضافة إلى تكثيف الجهود لتعزيز الحوكمة. إلا أن التحديات تكمن في التنفيذ وترجمة تلك الخطط الشاملة إلى إجراءات وتدابير ملموسة. على الصعيد النقدي، لا يزال الوضع النقدي منيعاً إلى حدّ ما في ظل موجودات خارجية لدى مصرف لبنان تبلغ 39 مليار دولار (أي 77% من الكتلة النقدية بالليرة) وسيولة وافرة لدى القطاع المالي والبالغة حوالي 40٪ من ودائع الزبائن بالعملات الأجنبية. في موازاة ذلك، بلغ متوسط معدّل التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين 3.7% في آذار 2019.

أما على الصعيد المصرفي، عقب شهر صعب في كانون الثاني من العام الحالي حيث شهد لبنان انخفاضاً في قاعدة الودائع المصرفية، عادت الودائع المصرفية لترتفع مرة أخرى في شهري شباط وآذار، مع الإشارة إلى أن هذه الزيادة في الودائع المصرفية تعدّ أقل من تلك المطلوبة لتمويل العجوزات الهيكلية في لبنان. أما بالنسبة لأسعار الفائدة، فقد تراجع متوسط سعر الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية من 9.16% في شباط 2019 إلى 8.75% في آذار 2019، في حين استقر متوسط سعر الفائدة على الودائع بالدولار الأميركي عند 5.69% في آذار.

أما على صعيد أسواق الرساميل، فقد جاءت ردة الفعل بشأن تشكيل مجلس الوزراء من الأسواق نفسها التي رحبت بهذا التطور. إذ شهدت سوق القطع ارتفاعاً في الطلب على الليرة اللبنانية في مقابل طلب أقل على الدولار الأمريكي ولكن ليس إلى حدّ قيام مصرف لبنان بشراء العملات الأجنبية من المصارف اللبنانية. أما معدل الفائدة من يوم إلى يوم، فبعدما كان يُتداول بنسب مرتفعة (وصل إلى 75٪ في بعض الأحيان)، عاد ليتم تداوله عند مستواه العادي بحدود 5%. هذا وسُجل بعض الطلب الأجنبي على سندات اليوروبوندز اللبنانية، حيث تراجع متوسط المردود إلى 9.28% مؤخراً، من متوسط ذروة بلغ 12٪ في منتصف شهر كانون الثاني، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه كان قد وصل إلى مستوى متدنٍ نسبته 8.80٪ في منتصف شباط. أما هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات فقد تقلّصت إلى 800 نقطة أساس، بعدما تجاوزت عتبة الـ900 نقطة أساس في كانون الثاني، مع الإشارة إلى أنها كانت قد وصلت إلى 670 نقطة أساس في منتصف شباط 2019.

في ما يلي تحليل مفصّل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام خلال العام 2018، في حين تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم إمكانية سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة.

السِّمات الظرفيّة

1-1- القطاع الاقتصادي الحقيقي

1-1-1- الزراعة والصناعة: القطاعان الأولي والثانوي يستهلاّن العام بأداءٍ متفاوتٍ

استهلّ القطاعان الزراعي والصناعي العام 2019 بأداء متفاوت. فقد زادت الصادرات الزراعية والصناعية خصوصاً عقب إعادة فتح معبر نصيب بين سورية والأردن، بعد انتظار طويل، في حين شهدت الواردات بعض الضغوط.

في ما يخصّ القطاع الزراعي، زادت الصادرات في الشهرين الأولين من السنة فيما تراجعت الواردات بعض الشيء. إذ ارتفعت الصادرات الزراعية بنسبة 11,4% في الشهرين الأولين من 2019، مقابل نموها بنسبة 6,1% في الفترة ذاتها من العام 2018، بينما انخفضت الواردات الزراعية بنسبة 0,3% في الشهرين الأولين من العام الحالي مقابل نموها بنسبة 5,3% في الفترة ذاتها من العام 2018.

أما في ما يخصّ القطاع الصناعي، فأداؤه كان متفاوتاً نوعاً ما، إذ انخفضت الواردات وارتفعت الصادرات بعض الشيء. فقد انخفضت الواردات الصناعية بنسبة 13,2% على أساس سنوي في الشهرين الأولين من العام 2019، بعد تراجعها بنسبة 8,4% في الفترة ذاتها من العام 2018. فيما سجّلت الصادرات الصناعية زيادة طفيفة بنسبة 0,2% على أساس سنوي مقابل نموها بنسبة 17,3% في الفترة ذاتها من العام 2018.

وتجدر الإشارة الى أن الصادرات الزراعية والصناعية تحسّنت نوعاً ما بعد إعادة فتح معبر نصيب بين سورية والأردن، والذي استمرّ إغلاقه ثلاث سنوات بسبب الحرب في سورية. فكان أن أدّى هذا الإقفال عام 2015 الى قطع شريان حيوي يصل لبنان بالسوقين الأردنية والخليجية.

في موازاة ذلك، بلغ تمويل المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة عبر القروض المصرفية الممنوحة بضمانة شركة "كفالات" 2,3 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام 2019، أي بتراجع نسبتُه 76,7% على أساس سنوي. كما انخفض عدد قروض " كفالات" من 74 قرضاً الى 19 في الفترة ذاتها.

ونال القطاع الصناعي حصة الأسد من مجموع قروض "كفالات" أي 8 من أصل 19 (42,1%)، تلاه القطاع السياحي الذي بلغت حصته 5 قروض (26,3%)، ثم القطاع الزراعي الذي حصل على 4 قروض (21,1%)، بينما لم ينل كل من قطاعَيْ التكنولوجيا الحديثة والصناعة الحرفية سوى قرض واحد (5,3%).

ويُظهر التوزّع الجغرافي لقروض "كفالات" أن محافظة جبل لبنان نالت 10 قروض (52,6% من المجموع)، تلتها محافظة البقاع (3 قروض أو 15,8%)، ثم محافظتا لبنان الجنوبي وبيروت (2 لكل منهما أو 10,5%)، فيما نال كل من لبنان الشمالي والنبطية قرضاً واحداً (5,3%).

يبقى أن أداء القطاعين الأولي والثانوي يتوقف على السياسات الإقتصادية للحكومة اللبنانية. فقيام الحكومة بإصلاحات منشودة وممكنة بالتوازي مع إعادة فتح بعض الطرق التجارية وجهود إعادة الإعمار المرتقبة في سورية كفيلة بتحفيز نمو الصادرات الزراعية والصناعية مستقبلاً.

1-1-2- البناء: تراجع متواصل لمجمل مؤشرات قطاع البناء

في الفصل الأزل من العام 2019، ظلّ القطاع العقاري اللبناني تحت الضغوط، بعد سنة صعبة. فمؤشرات الطلب والعرض سجّلت تراجعاً في الفصل الأول من العام، من غير أن تُبدي أيّ علامات تحسّن، وذلك خصوصاً بسبب الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية السائدة والتأخّــر في التسليف العقاري.

فإحصاءات السجلّ العقاري للفصل الأول من العام 2019 تبيّن أن السوق العقارية تابعت المنحى الذي سلكته خلال العام 2018 بالاستمرار في تسجيل انخفاض في عدد الصفقات والمبيعات العقارية. فقد انخفض عدد المبيعات العقارية بنسبة 14,9% على أساس سنوي متراجعاً من 14,181 عملية في الفصل الأول من العام 2018 الى 12,067 عملية في الفصل الأول من العام 2019. يضاف الى ذلك أن عدد الصفقات العقارية تراجع من 41,521 صفقة الى 36,814 صفقة، أي بتراجع نسبتُه 11,3% على أساس سنوي. وانخفض عدد المبيعات العقارية للأجانب بنسبة 14,3% ليبلغ 234 عملية في الفصل الأول من عام 2019.

كذلك، انخفضت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 19,2% على أساس سنوي لتبلغ 1,625.1 مليون دولار أميركي في الفصل الأول من العام 2019. وقد شمل انخفاض قيمة المبيعات العقارية معظم المناطق، وبخاصة كسروان (-54,8%)، وبعبدا (-30,9%)، والبقاع (-25,0,%). كما انخفض متوسط قيمة الصفقة العقارية الواحدة من 141,845 دولاراً الى 134,676 دولاراً. يضاف الى ذلك أن الرسوم العقارية المستوفاة انخفضت هي الأخرى بنسبة 27,6%، متراجعةً من 113,3 مليون دولار الى 82,0 مليون دولار في الفترة المعنيّة.

أما من ناحية العرض، فقد انخفضت المساحة الإجمالية لرخص البناء الممنوحة حديثاً، والتي تشكّل مؤشراً على حركة البناء المستقبلية، بنسبة 27,6% على أساس سنوي في الفصل الأول من العام 2019، في ظلّ التباطؤ المتواصل لحركة القطاع وفي الوقت الذي يؤخّر بعض المطوّرين العقاريّين أو يوقفوا أحياناً أعمال البناء في مشاريعهم.

ففي الواقع، بلغت المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة 1,945,737 متراً مربّعاً في الفصل الأول من العام 2019 مقابل 2,688,858 متراً مربّعاً في الفصل الأول من العام 2018. ويبيّن التوزّع الجغرافي لهذه الرخص أن الإنخفاض أصاب معظم المناطق، إلاّ أن النبطية والبقاع سجّلا أعلى نسب من التراجع في هذه الفترة (- 42,1% و-41,0% على التوالي). ولا يزال جبل لبنان يستأثر بحصة الأسد من مجموع مساحات الرخص الجديدة (38,1%)، يليه لبنان الشمالي (20,2%)، ثم لبنان الجنوبي (18,3%)، فبيروت (8,5%)، فالبقاع (8,3%)، فالنبطيّة (6,7%).

بالإضافة الى ذلك، تُظهر إحصاءات مصرف لبنان أن كمّيات الإسمنت المسلّمة، والتي تشكّل مؤشراً ثانوياً على حركة البناء، انخفضت بنسبة 31,3% على أساس سنوي في الشهرين الأولين من العام 2019، لتبلغ 420,370 طنّاً مقابل 612,290 طنّاً في الفترة ذاتها من العام 2018، عاكسةً التباطؤ المتواصل لحركة البناء في لبنان.

نشير الى أن القطاعين السكني والتجاري يعانيان من صعوبات. فثمة تراجع في عدد المشاريع الجاري تنفيذها في سوق المكاتب. ونسب المبيعات ضعيفة وانخفاض الأسعار يحبط عزيمة المطوّرين العقاريّين. يضاف الى ذلك أن مخزون المكاتب غير المباعة والمنجزة خلال السنوات القليلة الماضية آخذ في الإزدياد، ما يدلّ على أن السوق أوشك على بلوغ حدّه الأقصى، حسب شركة رامكو للاستشارات العقارية.

بناءً عليه، من الواضح أن السوق العقاري اللبناني بمختلف مكوّناته يعاني من تباطؤ متواصل، ذاك أن تلبّد الأوضاع السياسية والإقتصادية، قلّة اندفاع المطوّرين العقاريّين، وارتفاع الفوائد المصرفية، يضغطان على العرض والطلب في هذا السوق.

1-1-3 - التجارة والخدمات: نمو متفاوت لمكوّنات القطاع الثالث في مطلع العام 2019

في الفصل الأول من العام 2019، سجّلت مكوّنات القطاع الثالث أداءً متفاوتاً، بحيث حقّـق النشاط السياحي والفندقي نتائج جيدة في ظلّ رفع الحظر السعودي عن السفر الى لبنان واستقرار الأوضاع الأمنية الداخلية، فيما بقي نشاط التجارة البحرية والإنفاق الإجمالي عرضةً للضغوط.

بدايةً، بلغ عدد السيّاح 375,815 سائحاً في الفصل الأول من العام 2019، مقابل 362,392 سائحاً في الفترة ذاتها من العام 2018، أي بزيادة نسبتُها 3,7% على أساس سنوي. وقد شكّل السيّاح القادمون من البلدان العربية والأوروبية القسم الأكبر من المجموع، أي ما يعادل 36,4% (136,789 سائحاً) و35,0% (131,505 سيّاح) على التوالي. وتجدر الإشارة الى أن عدد السيّاح العرب زاد بنسبة 16,4% في الفصل الأول من العام 2019، مقابل انخفاضه بنسبة 7,1% في الفصل الأول من العام 2018. تلاهم السيّاح القادمون من الأميركيّتين والذين بلغت نسبتهم 14,0% (52,773 سائحاً)، فمن القارة الآسيوية (8,2%، أو 30,655 سائحاً)، ثم من القارة الأفريقيّة (3,0%، أو 11,181 سائحاً).

بالتوازي، ارتفعت قيمة المشتريات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 12,2% على أساس سنوي، حسب شركة غلوبال بلو التي تسدّد قيمة الإعفاءات للسيّاح على النقاط الحدودية، مما يعكس نمو النفقات السياحية تماشياً مع ازدياد عدد السيّاح.

ومن جرّاء ذلك، تحسّن أداء القطاع الفندقي من ناحية نسب الإشغال ومتوسط سعر الغرفة الواحدة ومتوسط مردود الغرفة المتوافرة حسب دراسة أجرتها مؤسسة "إرنست إند يونغ". ففي الواقع، بلغ معدل نسبة إشغال فنادق العاصمة من فئتَيْ 4 و5 نجوم 65,0% في الشهرين الأولين من العام 2019 مقابل 54,9% في الفترة ذاتها من العام 2018. وكان معدل نسبة الإشغال في فنادق بيروت ثامن أعلى معدل بين 14 مدينة مشمولة بالدراسة. وسجّل متوسط سعر الغرفة الواحدة ارتفاعاً جيداً من 174 دولاراً في الشهرين الأولين من العام 2018 الى 192 دولاراً في الشهرين الأولين من العام 2019. أما متوسط مردود الغرفة الواحدة المتوافرة، فارتفع بنسبة 31,6% على أساس سنوي ليبلغ 125 دولاراً مقابل 95 دولاراً في الفترة ذاتها من العام 2018.

وقد انعكس تحسّن الحركة السياحية نوعاً ما على حركة المطار بحيث اظهرت إحصاءات مديرية الطيران المدني أن العدد الإجمالي للمسافرين (القادمين والمغادرين) زاد بنسبة 0,4% في الفصل الأول من العام 2019، مــرتفعاً من 1,727,949 مسافراً الى 1,734,617 مسافراً. ويبيّن توزّع حركة الركاب في الفصل الأول من السنة الجارية أن عدد المسافرين القادمين انخفض بنسبة 0,2% ليبلغ 838,759 مسافراً، بينما ارتفع عدد المسافرين المغادرين بنسبة 0,9% ليصل الى 895,858 مسافراً. أما عدد الطائرات فازداد بنسبة 0,4%، فيما تراجع حجم البضائع المشحونة جواً بنسبة 8,3% على أساس سنوي.

على صعيد النقل البحري، انخفضت ايرادات مرفأ بيروت بنسبة 16,2% في الفصل الأول من العام 2019، لتبلغ 49,8 مليون دولار. بالتوازي، انخفض عدد الحاويات بنسبة 12,4% ليبلغ 184,293 حاوية، فيما انخفض عدد البواخر الراسية في المرفأ بنسبة 12,7% ليبلغ 411 باخرة. وفي الفترة ذاتها من العام 2018، ارتفع الأول بنسبة 5,3% على أساس سنوي فيما ارتفع الثاني بنسبة 2,2%. أما حجم البضائع في المرفأ، فانخفض بنسبة 14,3% على أساس سنوي ليبلغ 1,766 ألف طن في الفصل الأول من العام 2019 بعد تراجعه بنسبة 5,5% في الفترة ذاتها من العام 2018.

أخيراً، انخفضت القيمة الإجمالية للشيكات المتقاصة، والتي تشكّل أحد مؤشّرات الإنفاق الإستهلاكي والإستثماري في الإقتصاد اللبناني، بنسبة 11,9% على أساس سنوي في الفصل الأول من العام 2019، مما يعكس تراجعاً نسبياً للإنفاق الإجمالي في الفترة المعنيّة. وقد بلغت القيمة الإجمالية لهذه الشيكات المتقاصة ما يوازي 14,822 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2019 مقابل 16,824 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2018. يضاف الى ذلك أن عدد الشيكات المتقاصة بلغ 2,651,962 شيكاً في الفصل الأول من العام 2019 مقابل 2,973,446 شيكاً في الفصل الأول من العام 2018، أي بتراجع نسبتُه 10,8% على أساس سنوي.

1-2- القطاع الخارجي: تراجع عجز الميزان التجاري بنسبة 14% في الشهرين الأولين من العام 2019 

شهد القطاع الخارجي اللبناني تراجع عجز الميزان التجاري بنسبة 14,4% في الشهرين الأولين من العام 2019، بحيث انخفض هذا العجز من 2,6 مليار دولار الى 2,2 مليار دولار حسب آخر الإحصاءات الرسمية المتوافرة. وقد نتج هذا التراجع عن انخفاض الوادرات بنسبة 11,8% ونمو طفيف للصادرات بنسبة 0,9% في الفترة المذكورة. في هذا السياق، انخفضت القيمة الإجمالية للصادرات والواردات بنسبة 10,0% لتبلغ 3,3 مليارات دولار، بينما بلغت نسبة تغطية الواردات بالصادرات 19,4% مقابل 16,9% في الفترة ذاتها من العام 2018. هذا وتجدر الإشارة الى أن ميزان المدفوعات قد سجّل عجزاً متزايداً بقيمة 2 مليار دولار في الفصل الأول من السنة رغم تقلّص عجز الميزان التجاري، وذلك بسبب انحسار التدفقات المالية الوافدة خلال هذه الفترة.

في التفاصيل، بلغت قيمة الواردات 2,8 مليار دولار في الشهرين الأولين من العام 2019 مقابل 3,1 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2018. ويبيّن توزّع الواردات حسب أنواع السلع والمنتجات أن معظم هذه الأخيرة سجّلت انخفاضاً لكنّ الانخفاض الأكبر كان من نصيب المجوهرات (-32,6% على أساس سنوي)، تلتها المعادن والمنتجات المعدنية (-30,2%)، ثم الإسمنت والحجارة (-29,6%)، فالسيارات والمركبات    (-19,5%)، فالمنسوجات والمنتجات النسيجية (-18,3%). أما توزّع الواردات حسب بلدان المنشأ، فيُظهر أن تلك الآتية من الصين هي التي استأثرت بالحصة الأكبر (11,3% من المجموع)، تلتها الواردات الآتية من اليونان (7,4%)، ثم من إيطاليا (7,3%)، وألمانيا (5,6%)، والولايات المتحدة الأميركية (5,2%)، وروسيا (4,9%)، وتركيا (4,1%) وفرنسا (3,9%).

في المقابل، بلغت قيمة الصادرات 536 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام 2019 مقابل 531 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2018. ونشير الى أن الصادرات عبر مرفأ بيروت انخفضت بنسبة 8,4%، بينما ارتفعت الصادرات عبر المطار بنسبة 13,0% كما زادت الصادرات البريّة عبر سورية على نحو ملحوظ، بارتفاع قيمتها من 26 مليون دولار الى 53 مليون دولار بفضل إعادة فتح المعابر الحدودية البرية مع البلدان المجاورة تدريجياً.

ويبيّن توزّع الصادرات حسب أنواع السلع والمنتجات أن الصادرات من الورق والمنتجات الورقية زادت بنسبة 16,7% على أساس سنوي، تلتها الصادرات من الخضار (+16,0%)، ثم من المجوهرات (+13,7%)، والمعدات الكهربائية (+13,6%). في المقابل، كانت الصادرات من المعادن والمنتجات المعدنية هي التي سجّلت أكبر نسبة من الانخفاض (-46,7%)، تلتها الصادرات من المنتجات الكيميائية (-25,4%)، والمنسوجات والمنتجات النسيجية (-14,3%). أما توزّع الصادرات حسب بلدان المقصد فيُظهر أن سويسرا نالت الحصة الأكبر من هذه الصادرات (17,5% من المجموع)، تلتها الإمارات العربية المتحدة (14,4%)، ثم جنوب أفريقيا وسورية (7,6% لكل منهما)، فالمملكة العربية السعودية (6,2%)، وقطر (4,7%)، والعراق (3,4%). وقد استأثرت البلدان العربية بحصة الأسد من الصادرات اللبنانية إذ استقطبت حوالي 50% من هذه الأخيرة في الشهرين الأولين من السنة.

1-3- القطاع العام: ازدياد النفقات الإجمالية فاق ازدياد الإيرادات العامة

عقب تحسّن واضح في أداء المالية العامة في العام 2017، سجلت الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2018 تردياً صافياً في أوضاع المالية العامة في لبنان، كما تبيّن آخر الإحصاءات المنشورة من قبل وزارة المالية. وقد نتج ذلك عن ازدياد ملحوظ للنفقات الإجمالية بنسبة 21,4% (متأتٍّ بخاصة عن سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام)، كما عن ازدياد الإيرادات العامة بنسبة أقلّ بكثير لا تتعدّى 4,7% (متأتية بخاصة من النمو الإقتصادي البطيء جرّاء وهن نشاط الإقتصاد الحقيقي). عليه، وفي سياق نمو خدمة الدين بنسبة 10,4%، تحوّل رصيد الميزان الأولي من فائض بقيمة 1,442 مليون دولار الى عجز بقيمة 491 مليون دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2018.

لقد ارتفعت الإيرادات الإجمالية من 10,3 مليارات دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2017 الى 10,7 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2018، بينما سجّلت النفقات الإجمالية ارتفاعاً ملحوظاً من 13,6 مليار دولار الى 16,6 مليار دولار بين الفترتين. عليه، فقد ارتفع العجز المالي العام من 3,4 مليار دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2017 الى 5,8 مليار دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2018، لتصل نسبته الى 11,1% من اجمالي الناتج المحلي، مقابل 6,9% من الناتج في العام 2017. وتجدر الإشارة الى أن البيان الوزاري للحكومة الجديدة يتعهّد بخفض نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 1% سنوياً.

وقد تأتّت زيادة النفقات الإجمالية عن ارتفاع نفقات الموازنة بنسبة 21,7% وارتفاع نفقات الخزينة بنسبة 17,7% في الفترة المعنيّة. ويعود ارتفاع نفقات الموازنة الى ازدياد النفقات العامة بنسبة 28,9% وازدياد التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 41,4%، في ظلّ ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وارتفاع خدمة الدين العام بنسبة 10,4%. في المقابل، جاء ازدياد نفقات الخزينة في سياق ارتفاع نفقات البلديات بنسبة 47,9% خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2018. من جهة أخرى، نتج الارتفاع المعتدل للإيرادات العامة عن ارتفاع متواضع للإيرادات الضريبية بنسبة 3,2%، وعن ارتفاع الإيرادات غير الضريبية بنسبة 10,1%، وقد تأتّى الأخير بخاصة من قطاع الاتصالات الذي زادت إيراداته بنسبة 29,0% في الفترة المعنيّة.

في المقابل، تُظهر آخر الأرقام المنشورة من قبل وزارة المالية أن الدين العام الإجمالي بلغ 85,2 مليار دولار في نهاية شباط 2019، أي بزيادة نسبتُها 4,6% مقارنةً مع شباط 2018 ومن دون أي تغيّر تقريباً منذ كانون الأول 2018. وقد ازداد الدين العام بالليرة اللبنانية بنسبة 1,1% مقارنة مع شباط 2018 لتصل قيمته إلى 51,5 مليار دولار في نهاية شباط 2019. أما الدين العام بالعملات الأجنبية، فقد ازداد بنسبة 10,3% مقارنةً مع شباط 2018 ليناهز 33,7 مليار دولار في شباط 2019. في هذا السياق، وبعد تنزيل ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية من مجموع الدين العام، يكون الدين العام الصافي قد ازداد بنسبة 9,1% مقارنةً مع شباط 2018 لتصل قيمته الى 76,5 مليار دولار في شباط 2019. وبالقياس الى حجم الإقتصاد المحلي، تقدَّر نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بـــــ150,3% في شباط 2019، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة الى 157,8% في نهاية العام 2019 وفق صندوق النقد الدولي

لدى إعداد هذا التقرير، كان مجلس الوزراء قد باشر مناقشة مشروع موازنة العام 2019 المقدّم من وزارة المالية. ويلحظ هذا المشروع ألاّ تتجاوز نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 9%، مقابل 11% في العام 2018. وتقضي بعض الإجراءات الأساسية المقترحة في هذا المشروع بخفض مخصّصات القطاع العام وبتحديد سقف للتعويضات الممنوحة لموظفي القطاع العام بحيث لا تتجاوز قيمة الراتب الأساسي وبتحديد سقف لعدد أشهر الرواتب السنوية المدفوعة للقطاع العام بحيث لا يتجاوز 13 شهراً، وبإضفاء مزيد من التصاعدية على ضريبة الدخل بحيث يُرفع سقفها الى 25% بدلاً من 20% حالياً، وبزيادة الضريبة على الفوائد المصرفية من 7% الى 10%، وإلغاء الإعفاءات الجمركية باستثناء ما يخضع منها للاتفاقات الدولية.

1-4-  القطاع المالي

1-4-1-  الوضع النقدي: طلب متزايد على الليرة اللبنانية في سوق القطع عقب تشكيل الحكومة

استفادت أوضاع لبنان النقدية من تحسّن المناخ السياسي العام بعد تشكيل الحكومة في نهاية كانون الثاني 2019 في ظل آمال متزايدة بأن تلتزم الحكومة الجديدة بإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية طال انتظارها. وقد شجّع ذلك على زيادة الطلب على الليرة اللبنانية في سوق القطع وعلى إعادة فائدة من يوم إلى يوم الى مستواها العادي المتدني (دون العشرة في المئة). الى ذلك، اتّسم الفصل الأول بارتفاع معدلات الفوائد على السندات بالليرة، وبانخفاض بسيط لموجودات مصرف لبنان الخارجية، كما بنمو خجول لمحفظة شهادات الإيداع بالليرة المصدرة من قبل المصرف المركزي.

في التفاصيل، إن تشكيل الحكومة الجديدة في كانون الثاني 2019 أثار ارتياحاً في سوق القطع فولّد طلباً متزايداً على الليرة اللبنانية بعد موجة تحويلات صافية لمصلحة العملات الأجنبية طوال أشهر عدة، خصوصاً وأن بعض المتعاملين في السوق سعوا الى الاستفادة من معدلات الفائدة المغرية التي عرضتها المصارف التجارية على المنتجات الإدخارية بالليرة. وفي انعكاس لتراجع الضغوط على سوق القطع، انخفض معدل الفائدة من يوم إلى يوم من 35% في نهاية كانون الأول 2018 الى 4% في نهاية آذار 2019، علماً أنه بلغ حدّاً أقصى قدره 75% في كانون الأول 2018. وفي هذا السياق، قال حاكم مصرف لبنان إن ازدياد عرض الدولار الأميركي في سوق القطع عقب تشكيل الحكومة يعزّز دور الليرة اللبنانية كأداة إدخار.

أما في ما يخصّ عوامل المناعة بالنقد الأجنبي، فقد تراجعت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان من 39,7 مليار دولار أميركي في كانون الأول 2018 الى 38,6 مليار دولار في آذار 2019، أي بما قيمته 1,1 مليار دولار. وجاء ذلك بعد تراجعها بقيمة 2,3 مليار دولار في العام 2018. وعليه، بلغت نسبة تغطية الكتلة النقدية بالليرة بالموجودات الخارجية لمصرف لبنان 76,5% في آذار 2019، مقابل 77,8% في كانون الأول 2018، لكنها بقيت أعلى بكثير من المتوسط المسجّل في البلدان ذات التصنيف المماثل لتصنيف لبنان (42%)، ما يؤكّد قدرة مصرف لبنان البارزة على الدفاع عن ثبات سعر الصرف الإسمي.

بالتوازي، بلغت الإكتتابات الإجمالية للجهاز المالي (المصارف ومصرف لبنان) بسندات الخزينة بالليرة 4,515 مليار ليرة لبنانية في الفصل الأول من العام 2019 مقابل 7,771 مليار ليرة في الفترة ذاتها من العام 2018، أي بتراجع نسبتُه 42% على أساس سنوي، ذاك أن المصارف التجارية وظّفت ودائع طويلة الأجل بالليرة لدى المصرف المركزي للإستفادة من تسهيلات بالليرة بفائدة 2%. في المقابل، واصل مصرف لبنان لعب دور الوسيط بين المصارف وسوق السندات السيادية في الفصل الأول من السنة الجارية، بحيث أن محفظة سندات الخزينة بالليرة المملوكة من مصرف لبنان زادت بقيمة 1,595 مليار ليرة.

في ما يخصّ معدلات الفوائد، وبعد استقرار دام أكثر من ست سنوات، رفعت وزارة المالية في كانون الأول 2019 معدلات الفوائد على سندات الخزينة بالليرة من فئات ثلاثة أشهر وستة أشهر وسنة وسنتين وثلاث سنوات وخمس سنوات وسبع سنوات، من 0,86% الى 1,92%، وذلك بعد رفع معدلات الفوائد على السندات بالليرة من فئتي 10 سنوات و15 سنة في كانون الأول 2018.

من جهة أخرى، شهدت محفظة شهادات الإيداع بالليرة زيادة خجولة، بقيمة 306 مليار ليرة في الفصل الأول من العام، لترتفع قيمتها من 47,734 مليار ليرة في كانون الأول 2018 الى 48,040 مليار ليرة في آذار 2019، وجاء ذلك عقب نمو ملحوظ لهذه المحفظة بقيمة 11,869 مليار ليرة في العام 2018، نتيجة عمليات مصرف لبنان التي أجازت للمصارف الإكتتاب بشهادات إيداع بالليرة أطول أجلاً مقابل تحويلات من النقد الأجنبي الى الليرة.

أخيراً، على مستوى تقلَص هامش الوساطة المصرفية، يتَضح أن نسبة اكتتابات الجمهور المباشرة بسندات الخزينة بالليرة إلى الكتلة النقدية بالليرة  M2)) بلغت 15,0% في آذار 2019 مقابل 14,9% في كانون الأول 2018، وذلك بخاصة نتيجة تقلّص أكبر لحجم الكتلة النقدية بالليرة. أما على صعيد المفاعيل الإستبعادية، فقد زادت حصة الدولة من الديون المصرفية من 36,3% في كانون الأول 2018 الى 36,9% في آذار 2019، عاكسةً بوجه خاص انحسار ميل المصارف لإقراض القطاع الخاص المقيم كما يُظهر تراجع التسليفات للقطاع الخاص المقيم بنسبة 3,4% في الفصل الأول من العام 2019.

من هنا، يتّضح أن المباشرة المنتظرة منذ زمن في تنفيذ جملة إصلاحات اقتصادية ومالية مدرجة بمقرّرات مؤتمر "سيدر"، قد تبعث برسائل مؤاتية في ما يخصّ عزم لبنان على خفض عجزه المالي العام، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على استعادة ثقة المستثمرين والمودعين وأن يسهم في اجتذاب تدفقات من الرساميل الى القطاع المالي اللبناني.

1-4-2- النشاط المصرفي: معاودة نمو الودائع بعد تشكيل الحكومة

استفاد القطاع المصرفي من تحسّن المناخ العام إثر تشكيل الحكومة، فعاودت الودائع نموها خصوصاً خلال شهر آذار 2019. ذاك أن المودعين تلقّوا بارتياح وعود الحكومة بالحدّ من الإختلالات القائمة في المالية العامة، والتي تلاها إطلاق سلسلة إصلاحات، بعد إقرار خطةٍ لقطاع الكهرباء والتداول في بعض الإجراءات المالية، كما استفاد أيضاً من معدلات الفوائد المغرية على المنتجات الإدخارية بالليرة اللبنانية. في الوقت ذاته، واصلت المصارف الحفاظ على مستويات سليمة من السيولة بينما ظلّ ميلها الى تسليف القطاع الخاص متأثّـراً بوهن النمو الإقتصادي. وفي المحصّلة، سجّلت الميزانية المجمّعة للمصارف العاملة في لبنان نمواً سنوياً بنسبة 12,5% من آذار 2018 الى آذار 2019، بحيث وصل إجمالي موجوداتها المجمّعة الى 252,8 مليار دولار.

هذا ولا تزال المصارف تستقطب الودائع رغم تلبّد الأجواء الذي ساد في تلك الفترة من السنة الجارية، مع تعزيز مستويات السيولة. عليه، فقد تأتّى القسم الأكبر من نمو الموجودات من ازدياد التوظيفات لدى البنك المركزي على شكل ودائع. ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة السيولة الأولية بالعملات الأجنبية إلى الودائع بالعملات الأجنبية 57,6% في نهاية آذار 2019، عاكسةً قوة عناصر الحماية لدى المصارف إزاء احتمالات التحويلات الخارجية في حال حدوث ضغوط استثنائية.

لقد حدث ذلك في وقت تتردّد المصارف عموماً في منح موجات جديدة من التسليفات للزبائن في ظلّ الأوضاع الإقتصادية السائدة واستمرار تلبّد الأجواء العامة. لذا، تقلّصت محفظة القروض المصرفية للقطاع الخاص بحوالى 3% على أساس سنوي في آذار 2019، وذلك بخاصة نتيجة تقلّص محفظة التسليفات بالليرة للقطاع المقيم، ذاك أن القطاع غير المقيم حظي بزيادة طفيفة للتسليفات المعطاة له في الفترة المذكورة.

في الوقت ذاته، لا تزال المصارف تتمتّع بقاعدة ودائع ثابتة تستأثر بما يقارب 70% من إجمالي ميزانيتها. فقد زادت الودائع بنسبة 1% على أساس سنوي في آذار 2019، وهي نسبة غير كافية لتمويل عجوزات البلاد. مع ذلك، نشير الى أن شهر آذار 2019 استقطب وحده ودائع بقيمة 551 مليون دولار أميركي، بفعل تحسّن المناخ العام عقب تراجع هذه الودائع في الشهر الأول من السنة واستقرارها في شباط الفائت. ومن أصل الــ 551 مليون دولار المستقطبة في شهر آذار، هناك 72% بالعملات الأجنبية و28% بالليرة اللبنانية، فيما توزّعت هذه الودائع بالتساوي تقريباً بين المقيمين وغير المقيمين. على أيّ حال، يجوز القول إن المصارف التي لا تتعدّى نسبة التسليفات إلى الودائع لديها 33%، تتمتّع بقوة كافية لمنح موجات جديدة من التسليفات للإقتصاد حالما تتحسّن الأوضاع بشكل ملموس ومستدام.

توازياً، انخفضت معدلات الفوائد على الليرة خلال شهر آذار، تعبيراً عن انحسار الضغوط عقب منحى تصاعدي سادها طوال الأشهر الأخيرة في ظلّ تلبّد الأجواء المحلية، لا سيّما أثناء الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة والتي اتّسمت بكثير من التجاذبات السياسية المتزايدة. فبعدما ارتفعت معدلات الفائدة على الودائع لأجَل بالليرة بمقدار 265 نقطة أساس بين شباط 2018 وشباط 2019، عادت وانخفضت بمقدار 41 نقطة أساس في شهر آذار الفائت لتقفل هذا الشهر على 8,75%. أما معدلات الفائدة على الودائع لأجَل بالدولار الأميركي، والتي كانت ارتفعت أقلّ من ارتفاع الفوائد على الليرة، فقد ظلّت على العموم ثابتة في آذار المنصرم.

باختصار، إن التحسّن النسبي للمخاطر العامة مكّن المصارف من استعادة نمو الودائع في آذار 2019 بعدما ظلّ نموها بطيئاً طوال الأشهر القليلة السابقة، ما يبشّر بالخير بالنسبة الى نشاط القطاع في حال باشرت الحكومة تنفيذ الإصلاحات المنتظرة. في الوقت ذاته، تحافظ المصارف على مكانة مالية ملائمة من خلال نسب السيولة التي تتمتّع بها والتي تفوق المتوسط المسجّل في البلدان ذات التصنيف المماثل، كما أن نسب الرسملة لديها سليمة ومؤشّرات نوعية الموجودات لا تزال مؤاتية، رغم ارتفاعها الطفيف، ما يتيح للقطاع المالي اللبناني أن يتباع مساره بسلاسة رغم تلبّد المناخ العام.

1-4-3-  البورصة وسوق السندات: استقرار نسبي للأسعار في أسواق الرساميل اللبنانية خلال الفصل الأول

اتّسمت أسواق الرساميل اللبنانية في الفصل الأول من العام 2019 باستقرار أسعارها، ذاك أن الخسائر المتكبّدة في مطلع السنة تمّ استردادها بعد تشكيل الحكومة في ظلّ المراهنة على أن هذه الأخيرة ستلتزم بتعهّداتها المتعلّقة بإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية جوهرية. بالتوازي، سجّلت أسعار الأسهم اللبنانية تراجعاً طفيفاً خلال الفصل الأول من العام الحالي في ظلّ نشاط ضئيل في بورصة تفتقر إلى السيولة والفعالية.

وقد حافظت أسعار سندات االيوروبوند اللبنانية على استقرارها في الفصل الأول من العام 2019. فهبوط الأسعار المسجّل في مطلع السنة في ظلّ استمرار المخاوف من آفاق لبنان الإقتصادية والمالية وتراجع تصنيف خطر البلد السيادي من قبل وكالة "موديز" من 3B /  سلبي الى Caa1 / مستقر قد تمّ التعويض عنهما بمكاسب عقب تشكيل الحكومة في كانون الثاني، وبإعلان قطر نيّتها شراء سندات يوروبوند لبنانية بقيمة 500 مليون دولار وبوعد سعودي بدعم الإقتصاد اللبناني "حتى النهاية".

ففي الواقع، بعدما تجاوز متوسط المردود المثقّل على سندات اليوروبوند اللبنانية سقف العشرة بالمئة مسجّلاً 12,0% في 11 كانون الثاني 2019، عاد هذا المتوسط الى مستواه المسجّل في نهاية 2018 (9,95%)، ذاك أن التطورات الإيجابية على الساحة السياسية المحلية أعادت الثقة بأن تسير الحكومة قُـدماً نحو الحصول على 11 مليار دولار من القروض الميسّرة والهبات الموعودة بها في مؤتمر "سيدر". ففي الوقت الذي اتّسع متوسط المردود على سندات اليوروبوند اللبنانية القصيرة الأجل التي تستحق في الفترة الواقعة بين 2019 و2024، تقلّص المردود على تلك التي تستحق في الفترة الواقعة بين 2025 و2037. وترافق ذلك مع انخفاض تقلبيّة الأسعار في السوق. فاستناداً الى المردود، بلغت تقلّبية سندات اليوروبوند اللبنانية 13,1% في الفصل الأول من العام 2019 مقابل 17,8% في العام 2018.

إن المناخ الإيجابي الذي ساد في سوق سندات الدين خلال الفصل الأول من العام 2019 امتدّ حتى شهر نيسان الماضي. فالواقع أن إقرار خطة الكهرباء من قبل الحكومة، ثم التصديق عليها من قبل المجلس النيابي أعطيا المجتمع الدولي إشارة مطمئنة الى أن لبنان جدّي في التزامه بالإصلاحات المالية والإقتصادية الكبيرة الرامية الى خفض العجز في ميزانية الدولة. وقد واكبت هذا التطور الإيجابي دعوات محلية الى اتّخاذ إجراءات تقشفية، وتوصية من بنك أوف أميركا ومن ميريل لينش بـ"شراء" سندات يوروبوند لبنانية، ما دعم سوق السندات المحلية وخفّض متوسط المردود المثقّل على سندات اليوروبوند الى 9,44% في نيسان 2019.

أما الهوامش على مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات، والتي بلغت 901 نقطة أساس في 14 كانون الثاني 2019، وسط اشتداد التجاذبات السياسية المحلية وتنامي حالة عدم اليقين السائدة، فقد أقفلت الفصل الأول من العام 2019 على 841 نقطة أساس مقابل 770 نقطة أساس في كانون الأول 2018. ثم سجّلت المزيد من التراجع لتبلغ 797 نقطة أساس في نيسان 2019، مما يعكس تحسّن نظرة الأسواق الى مخاطر البلد السيادية عقب تشكيل الحكومة وبعد أن التزمت هذه الأخيرة بخطط لإصلاح قطاع الكهرباء، وهو أمرٌ أساسي لتقليص العجز العام واستعادة ثقة المستثمرين.

بالتوازي، سجّلت أسعار الأسهم اللبنانية تراجعاً طفيفاً خلال الفصل الأول من العام في بورصة تفتقر إل السيولة والفعالية. فمؤشّر أسعار الأسهم المدرجة في بورصة بيروت تراجع بنسبة 0,8% ليقفل شهر آذار الماضي على 83,23 مقابل 83,87 في كانون الأول 2018 رغم نسب التقييم المغرية. وفي الواقع، بلغت نسبة السعر إلى الأرباح في بورصة الأسهم اللبنانية 6,7 مرات في آذار 2019 مقابل متوسط أعلى بكثير (15,2 مرة) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد سجّلت أسعار 7 من أصل 27 سهماً مدرجاً في بورصة بيروت تراجعاً بنسب راوحت بين 0,1% و11,1%، بينما ارتفعت أسعار 8 أسهم بنسب راوحت بين 0,2% و8,6%، في حين لم تتغيّر أسعار 12 سهماً في الفصل الأول من السنة. في هذا السياق، سجّلت أسعار الأسهم اللبنانية مزيداً من التراجع في شهر نيسان الماضي، وذلك خصوصاً بسبب عدم توزيع أنصبة الأرباح، فأقفل مؤشر الأسعار الشهر على 78,46.

كذلك، اتّسم أداء بورصة بيروت بنشاط محدود في الفصل الأول من العام 2019، حيث بلغت القيمة الإجمالية لعمليات التداول 79 مليون دولار مقابل 82 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام 2018، أي بتراجع نسبتُه 3,9%. وقد نتج ذلك بخاصة عن الإنخفاض السنوي لقيمة عمليات التداول التي طاولت أسهم شركة "سوليدير" والأسهم الصناعية والتجارية. وفي غياب أيّ عمليات إدراج أو شطب خلال الفصل الأول، تراجع حجم الرسملة البورصية بنسبة 0,8% على أساس سنوي ليبلغ 9,047 مليون دولار في آذار 2019، مقابل 9,117 مليون دولار في كانون الأول 2018. ومن جرّاء ذلك، بلغت نسبة حجم التداول السنوي إلى الرسملة البورصية 3,5% في الفصل الأول من العام 2019 مقابل 3,0% في الفترة ذاتها من العام 2018، علماً أنها لا تزال أدنى بكثير من المتوسطات الإقليمية ومتوسطات الأسواق الناشئة والدولية.

الخلاصة: تحقيق سيناريو الهبوط الآمن في المالية العامة لا يزال ممكناً في المدى المنظور

هذا ونعتقد أنه لا يزال هناك مجال لتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في المالية العامة بدلاً من التدابير ذات التداعيات السلبية الطويلة الأمد مثل تخفيض سعر صرف الليرة أو إعادة هيكلة الديون. إذ لا يزال هناك مجال لتخفيض العجز المالي العام وكبح نمو نسب المديونية من خلال عدد من التدابير المرجوّة على صعيد الإيرادات والنفقات العامة والتي تتمحور بشكل خاص حول زيادة تعبئة الموارد، وتحسين جباية الضرائب، وتقشف في الإنفاق، وإصلاح قطاع الكهرباء، وتطبيق مقررات مؤتمر "سيدر"، بالإضافة إلى إدارة رشيدة لموارد النفط والغاز. في هذا السياق، التزمت الدولة اللبنانية بتخفيض العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% سنوياً على مدى السنوات الخمس القادمة، وذلك من عجز مالي قدره 11% من الناتج في العام 2018 (أي ما يعادل 6 مليارات دولار). إن تقييم متطلبات هذا الالتزام يشير إلى أنها يمكن أن تنبع من عدد من المصادر وفقاً لما يأتي:

في ما يتعلق بالتقشف في الإنفاق العام، هناك مجال لتخفيض النفقات غير الثابتة (خارج الأجور والرواتب وخدمة الدين والتحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان) بنسبة 20% على النحو الذي اقترحه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، ما من شأنه أن يحقق وفورات بمقدار 0.9 مليار دولار، أي ما يعادل 15% من العجز المالي للعام الماضي. هذا وإن انخفاضاً أكثر حدة في النفقات غير الثابتة بنسبة 40٪ ضمن سيناريو أطول أجلاً قد يؤدي إلى تحقيق وفورات قدرها 1.6 مليار دولار من إجمالي الإنفاق المتغير البالغ 4.3 مليار دولار.

وفي ما يتعلق بإصلاحات قطاع الكهرباء، هناك إمكانية لكي يصبح القطاع مربحاً على المدى المتوسط، عقب عجزاً قطاعياً بقيمة 1.7 مليار دولار في العام الماضي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إصلاح القطاع عبر بناء محطات الطاقة اللازمة، وضمان الكهرباء على مدار 24 ساعة ورفع رسوم الكهرباء. مع الإشارة إلى أن تعرفة الكهرباء في لبنان يمكن أن تزيد بما لا يقل عن 40٪ (أي من 9.5 سنت لكل كيلوواط ساعة حاليًا إلى 14 سنت لكل كيلوواط ساعة، وهي تبقى أقل من المتوسط العالمي البالغ 19 سنتًا لكل كيلوواط ساعة)، عندما يتوقف اللبنانيون عن دفع فواتير مزدوجة وحصرها بفاتورة واحدة لمؤسسة كهرباء لبنان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفاتورة التي تُدفع للمولدات الكهربائية تبلغ حوالي 25 سنتًا لكل كيلوواط ساعة.

في ما يتعلق بتعزيز تعبئة الموارد، تجدر الإشارة إلى أن نسبة تعبئة الموارد في لبنان لا تتجاوز 19٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل من متوسط البلدان النامية البالغ 26٪ ومتوسط البلدان المتقدمة البالغ 36%. وفي حين أن تعزيز الاقتطاع لا يزال خاضعًا للتجاذب السياسي في البلاد بسبب الضغوط الاجتماعية التي يمكن أن تولدها أي زيادات ضريبية في اقتصاد واهن النمو، نعتقد أنه كشرط أساسي لأي زيادة ضريبية، يحتاج لبنان إلى ضمان مكافحة الفساد تدريجياً حتى يتم تقبّل ضرائب إضافية بشكل عام من قبل اللبنانيين. إننا نثمن الجهود المبذولة حاليًا لتعزيز الحوكمة ولكن ينبغي استكمالها بتدابير أكثر صرامة في الإدارة العامة.

أما في ما يتعلق بمكافحة التهرب الضريبي، نعتقد أن هناك مجال لسد ما لا يقل عن ربع فجوة التهرب الضريبي في غضون السنوات القادمة والتي نقدر حجمها بحوالي 4.8 مليار دولار، تتأتى بشكل رئيسي عن ضرائب الدخل وفواتير الكهرباء والضريبة على القيمة المضافة والضرائب الجمركية والعقارية. ما من شأنه أن يضمن إيرادات سنوية إضافية بقيمة 1.2 مليار دولار، أي ما يعادل 2.25٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ويكاد يناهز نصف الجهد الإصلاحي الذي التزم به لبنان في مؤتمر "سيدر".

في الختام، وفي حال تمّ تنفيذ جميع هذه التدابير، قد لا يكون هناك عجز ملموس في المالية العامة على المدى المتوسط. أما وفي حال تم تنفيذ نصف هذه التدابير لا سيما نتيجة تجاذبات سياسية داخلية محتملة، هناك مجال لتخفيض العجز المالي العام من 11% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.5% في أفق أقصاه 5 سنوات وتحقيق سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة، مما يشير إلى أن أرقام المالية العامة لا تزال قابلة للاحتواء وأن البلاد لم تقع بعد في فخ المديونية، على الرغم من أوضاع المالية العامة الواهنة في المرحلة الحالية. بالطبع، كل هذا يتطلب حدًا أدنى من الإجماع السياسي المأمول عقب تشكيل حكومة جديدة طال انتظارها. من هنا، ينبغي على جميع الأطراف السياسية في البلاد الشروع في خيارات صعبة عبر إصلاحات هيكلية أكثر إلحاحية والتي من شأنها أن تجنّب لبنان تجرّع الكأس المريرة الناجمة عن غياب المبادرات الإصلاحية مع ما يترتّب على ذلك من تداعيات سلبية على الاستقرار الاقتصادي في المدى الطويل بشكل عام".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o