Feb 05, 2019 7:58 AM
اقليميات

البابا يتوج زيارته التاريخية للامارات بقداس:
هذه شهـادة تعطونها للجميع

المركزية- غادر الحبر الاعظم قداسة البابا فرنسيس دولة الامارات في زيارة تاريخية استمرت ليومين. وقد صافح كبار المسؤولين الاماراتيين وكهنة ورهبانا الذين كانوا في وداعه في المطار.

وفي ختام الزيارة، ترأس البابا فرنسيس مراسم القداس التاريخي، في مدينة زايد الرياضية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وسط حضور آلاف المؤمنين القادمين من مختلف مناطق دولة الإمارات ومن خارج البلاد.

ألقى الحبر الأعظم عظة بعد الانجيل المقدس، قال فيها: "إن من يريد ان يعيش مع يسوع عليه ان يستمع الى كلامه ويعمل بموجبه. هذه هي اول حقيقة من الحياة المسيحية. علينا كمسيحيين ان نعيش فرح التطويبات وهي تجسد محبة الله لأبنائه وهكذا فان الله معنا من خلال هذه التطويبات، من خلال تعاليم الرب يسوع وهذا ما يمنحنا الفرح: فرح السلام، فرح الانتصار على الالم.

اخواتي واخواتي، ان فرح اللقاء بكم هي طوبى. طوبى هي الكلمة التي يبدأ بها يسوع عظته بإنجيل متى وهي اللازمة التي يكررها اليوم وكأنه يريد ان يثبت في قلوبنا قبل كل شيء رسالة اساسية: اذا كنت مع يسوع، ان كنت كالتلاميذ تحب ان تصغي الى كلمته، ان كنت تسعى لعيشها يوميا فانت قد نلت الطوبى. لن تنال الطوبى في المستقبل، وانما قد نلتها منذ الآن. هذه هي الحقيقة الاولى للحياة المسيحية فهي ليست لائحة وصفات خارجية ينبغي القيام بها او مجموعة عقائد علينا ان نعرفها. ليس الامر هكذا بل هي ان نعرف اننا بيسوع ابناء محبوبون من الله. انها عيش فرح هذه الطوبى وفهم الحياة كقصة حب، قصة حب الله الأمين الذي لا يتركنا ابدا ويريد ان يقيم معنا شركة على الدوام. هذا هو سبب فرحنا، فرح لا يمكن لأي شخص في العالم او لأي ظرف ان ينزعه منا. انه فرح يعطي سلاما حتى في الالم. فرح يجعلنا منذ الآن نتذوق تلك السعادة التي تنتظرنا للابد".

أضاف: "ايها الاخوة والاخوات الاعزاء، في فرح لقائكم هذه هي الكلمة التي جئت لاقولها لكم: طوبى لكم. وجه يسوع تطويباته لتلاميذه لكن ما يدهشنا انما هو سبب كل من هذه التطويبات فيها نرى انقلابا جذريا للفكر العام السائد الذي بحسبه ينال طوبى الاغنياء والمقتدرون والناجحون وتهتف لهم الجموع. اما بالنسبة ليسوع فطوبى للفقراء والودعاء والذين يحافظون على برهم حتى ولو تركوا انطباعا سيئا. وطوبى للمضطهدين. من هو على حق اذا: يسوع ام العالم؟ لكي نفهم علينا ان ننظر الى الطريقة التي عاش بها يسوع. عاش فقيرا بالاشياء وغنيا بالمحبة. لقد شفى العديد من الاشخاص ولكنه لم ينقذ حياته. جاء ليخدم لا ليخدم. علمنا ان العظيم ليس الذي يملك انما الذي يعطي. عادل، وديع لم يقاوم. وسمح بأن يحاكم ظلما. بهذه الطريقة حمل يسوع الى العالم محبة الله، هكذا تغلب على الموت والخطيئة والخوف وروح العالم، فقط بقوة المحبة الالهية. لنطلب اليوم هنا معا نعمة اعادة اكتشاف جمال اتضاع يسوع والتشبه به وعدم البحث عن شيء آخر غيره وغير محبته المتواضعة لانه عبر الشركة معه وعبر محبة الاخرين نجد معنى الحياة على الارض. فهل تؤمنون بهذا؟"

وتابع البابا فرنسيس: "لقد جئت ايضا كي اشكركم على الطريقة، طريقة عيشكم للانجيل الذي سمعناه. يقال انه بين الانجيل المكتوب والانجيل المعاش نجد الفرق عينه بين الموسيقى المكتوبة والموسيقى المعزوفة. انتم هنا تعرفون لحن الانجيل وتعيشون حماس نغماته. انتم جوقة تتضمن تنوع جنسيات ولغات وطقوس تنوع يحبه الروح القدس ويريد على الدوام ان ينسقه ليصنع منه سمفونية وسمفونية الايمان الفرحة هذه المتعددة الاصوات. هي شهادة تعطونها انتم للجميع وتبني الكنيسة. لقد تأثرت بما قاله لي المطران هندر ذات مرة، اي انه لا يشعر فقط انه راعيكم وانما انكم بمثالكم، غالبا ما تكونوا رعاة له. شكرا جزيلا.

ان العيش كمن استحق الطوبى واتباع درب يسوع لا يعني ان نكون مبتهجين على الدوام فالذي يمر بضيقة او يعاني بسبب الظلم أو يجتهد ليكون صانع سلام يعرف ما معنى الالم. من المؤكد انه ليس سهلا بالنسبة لكم ان تعيشوا بعيدين عن البيت وأن تشعروا ربما بالاضافة الى افتقاركم للعواطف الغالية، بمستقبل غير اكيد. لكن الرب امين ولا يترك خاصته أبدا. قد يساعدنا حدث من حياة القديس انطونيو الكبير مؤسس الحياة الرهبانية في الصحراء بمصر، حيث كان قد ترك كل شيء من اجل الرب وذهب الى الصحراء، وهناك لزمن طويل غاص في جهاد روحي متواصل اذ كانت تعتريه الشكوك والظلمة وكان يتعرض لتجربة السقوط في الحنين والتحسر على الحياة الماضية بعدها عزاه الرب بعد عذاب كبير فسأله القديس انطونيوس: اين كنت؟ لماذا لم تأت لتحريري من الالم؟ ففهم عندها بوضوح جواب يسوع: لقد كنت هنا يا انطونيوس . ان الرب قريب. قد يحدث ان نفكر بأننا وحدنا ازاء تجربة ما او فترة صعبة حتى بعد زمن طويل قضيناه مع الرب، لكن في تلك اللحظات، حتى لو ولم يتدخل الرب فورا فهو يسير بجانبنا وان تبعنا المضي قدما فسيفتح دربا جديدا، لأن الرب اختصاصي في القيام بأمور جديدة ويعرف كيف يجعل في البرية طريقا".

وقال: "أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، أريد أن أقول لكم أيضا إن عيش التطويبات لا يتطلب أعمالا باهرة. لننظر الى يسوع. لم يترك شيئا مكتوبا ولم يبن شيئا مهيبا. وعندما قال لنا كيف ينبغي أن نعيش، لم يطلب منا أن نقوم بأعمال كبيرة أو بأفعال فائقة الطبيعة، وإنما أن نتشبه بيسوع في الحياة اليومية. هي تدعو للمحافظة على نقاوة القلب وللعيش بوداعة وبعدالة بالرغم من كل شيء ولأن نكون رحماء مع الجميع ونعيش الضيقات متحدين بالله. إنها قداسة الحياة اليومية التي لا تحتاج لمعجزات وأعاجيب وعلامات خارقة، فالتطويبات ليست لبشر خارقين وإنما لمن يواجه تحديات وتجارب كل يوم، والذي يعيشها وفقا ليسوع يجعل العالم أكثر نقاء. إنها كالشجرة التي حتى في أرض قاحلة تمتص الهواء الملوث وتعطي الأوكسيجين. أتمنى لكم أن تكونوا هكذا متجذرين جيدا في يسوع ومستعدين لفعل الخير لكل من هم بجواركم لتكن جماعاتكم واحات سلام".

وختم البابا فرنسيس عظته: "في الختام، أريد أن أتوقف بشكل وجيز عند تطويبتين: الأولى طوبى للودعاء. لا يستحق الطوبى من يهاجم أو يتسلط وإنما من يحافظ على تصرف يسوع الذي خلصنا وديع أيضا إزاء الذين يتهمونه. يطيب لي هنا أن أذكر القديس فرنسيس عندما أعطى جماعة الأخوة التعليمات حول كيفية الذهاب الى المسلمين وغير المسيحيين إذ كتب: عليهم أن يبتعدوا عن الشجار والخلافات ويخضعوا لكل خليقة بشرية محبة لله ويعترفوا بأنهم مسيحيون لا شجار ولا خلاف. وهذا صالح أيضا بالنسبة للكهنة لا شجار ولا خلاف في ذلك الزمن فيما كانوا ينطلقون لابسين أدرع ثقيلة ذكر القديس فرنسيس أن المسيحي ينطلق مسلحا فقط بإيمانه المتواضع ومحبته الملموسة. إن الوداعة مهمة. إن عشنا في العالم بحسب أسلوب الله، فسنصبح قنوات لحضوره وإلا فلن نثمر.

التطويب الثاني: طوبى للساعين الى السلام، إن المسيحي يعزز السلام بدءا من الجماعة التي يعيش فيها في سفر الرؤيا ومن بين الجماعات التي يتوجه اليها يسوع، نجد جماعة فيلاديلفيا التي أعتقد أنها تشبهكم. إنها كنيسة لا يوبخها الرب على شيء بعكس الكنائس الأخرى. فهي في الواقع حفظت كلمة يسوع بدون أن تنكر اسمه وثابرت أي مضت قدما حتى في الصعوبات وهناك جانب مهم الاسم "فيلاديلفيا" يعني المحبة بين الأخوة. إن الكنيسة التي تثابر على كلمة يسوع وعلى المحبة الأخوية هي كنيسة مقبولة من الرب وتعطي ثمرا. أطلب لكم نعمة المحافظة على السلام والوحدة والاعتناء بعضكم البعض عبر تلك الأخوة الجميلة التي لا يوجد فيها مسيحيون من فئة أولى وآخرون من فئة ثانية. ليمنحكم يسوع الذي يوجه اليكم التطويبات نعمة المضي قدما على الدوام من دون أن تفقدوا أبدا العزيمة، فتنموا هكذا في المحبة لبعضكم البعض ولجميع الناس".

في ختام القداس، وقبل البركة الأخيرة، قال الحبر الأعظم: أطلب مباركتكم الرسولية وأريد أن أشكركم انتم أيها المؤمنون من كل الكنائس الشرقية: موارنة، روم كاثوليك، كلدان، أرمن، سريان مالابار، سريان مانكار ولاتين، أشكركم على تحضير هذا الاحتفال. أشكر بطاركتكم وكل الأساقفة الحاضرين. أشكر الرهبان والمكرسين والراهبات وأشكر أيضا دور الجماعات ورسالتهم وانا سعيد ان اكون في دار وضيافة زايد. فلتحرسكم وترافقكم مريم القديسة وترافق كنيستكم وارجوكم لا تنسوا ان تصلوا من اجلي".

الوصول: وكان البابا وصل الى مدينة زايد الرياضية في أبوظبي على متن سيارة مكشوفة وجال على المؤمنين وباركهم وهو متوجها الى المذبح الذي اقيم خصيصا في ستاد زايد، حيث يحضر القداس وزير التسامح في دولة الامارات الشيخ نهيان بن مبارك ال نهيان، اضافةً الى مشاركة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وبطريرك الروم الكاثوليك يوسف العبسي الاول، وكرادلة حضروا من آسيا وافريقيا والاميركيتين واوروبا.

وخلال دخوله على متن السيارة المكشوفة اندفعت طفلة نحو المركبة بعفوية لتلقي التحية عليه. وتابع قائد المركبة طريقه قبل أن يتوقف بناء على طلب البابا فرنسيس، وسط صرخات تأثر عشرات آلاف الحضور. ورفع رجال الأمن الطفلة إلى السيارة حيث احتضنها البابا فرنسيس مباركا ايّاها قبل أن يتابع إلى المنصة المخصصة لإقامة القداس التاريخي على أرض الإمارات.

والجدير ذكره ان عدد المؤمنين الذين حضروا يتجاوز 150 الفا، وأكثر من 750 صحافيا من مختلف وسائل الاعلام العربية والعالم  حضروا للمشاركة في تغطية هذا الحدث الكبير.

وقد شارك الآلاف من جميع جاليات العالم المقيمة في الإمارات بالقداس، مما يعكس أجواء المحبة والتآخي الإنساني ويشكل رسالة قوية من أرض الأخوة الإنسانية عبر رمز السلام إلى العالم أجمع، وضرورة التكاتف بمحبة، والتعاون بقلوب مفعمة بالمشاعر النبيلة.

وكان  قداسة الحبر الاعظم زار بدءاً من السابعة والربع من صباح اليوم بتوقيت ابو ظبي اي الخامسة والربع بتوقيت بيروت بزيارة خاصة لكاتدرائية القديس يوسف في ابو ظبي.

ويأتي القداس بعد ساعات على توقيع البابا وشيخ الأزهر، وثيقة تاريخية تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك والسلام العالمي.

وكان العالم شهد، مساء الاثنين، توقيع القطبين الدينيين وثيقة الأخوة الإنسانية، في صرح زايد المؤسس، بحضور نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد.

وكان عضو لجنة تنظيم القداس، خلفان محمد المزروعي، قد قال في تصريحات سابقة، إنه بفضل توجيهات القيادة في الإمارات "أنهت اللجنة العليا استعداداتها الخاصة باستقبال قداسة البابا فرنسيس والمشاركين في القداس البابوي وفق أعلى المعايير العالمية من حيث سهولة الحركة وجميع الخدمات اللوجستية".

وأضاف أن "هناك خططا كاملة لانسيابية حركة الوفود القادمة من داخل الدولة ومن خارجها، إضافة إلى توفير كل المرافق الخاصة بأصحاب الهمم وكبار السن".

من جانبها، قالت مدير قسم الفعاليات في وزارة شؤون الرئاسة، عائشة البكوش، إنه "تم تركيب شاشات عرض عملاقة في جميع أرجاء الاستاد لمشاهدة هذا الحدث الهام، إضافة إلى تنظيم أجواء احتفالية تزامنا مع القداس التاريخي وإتاحة الفرصة لمشاركة الجميع في إمارات الدولة وخارجها".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o