Feb 02, 2019 7:36 AM
صحف

الأمم المتحدة في لبنان.. مظلة استقرار دبلوماسي واقتصادي

ترفع الأمم المتحدة مظلة امنية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية مستدامة فوق لبنان الذي يعاني تردياً اقتصادياً، ويواجه تهديدات امنية على الحدود الجنوبية، وتخنقه الاصطفافات السياسية والعثرات في التوصل إلى اتفاقات سريعة بين أركان الحكم المنقسمين، وبينها الفراغ الحكومي الذي دام نحو 9 أشهر وانتهى أول من أمس الخميس، فحلّت الأمم المتحدة كبديل حامٍ للاستقرار الداخلي، من خلال 26 مكتباً لها في لبنان، ومنظمات أخرى تتخذ من بيروت مقراً لها، وتنفق ما يزيد على مليار دولار سنوياً على شكل مساعدات تُضخ في السوق اللبنانية.

ويمثل هذا الوجود الدبلوماسي الدولي في المقام الأول، رافعة للشأن اللبناني في المحافل الدولية، وأكسبه صلابة نتيجة الإصرار الدولي على حماية الاستقرار على مختلف الصعد. فالبلد الذي يستضيف عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، وأكثر من مليون لاجئ سوري، يتصدر الحفاظ على الاستقرار فيه قائمة الأوليات، فيما بات نموذجه التعددي في الحكم، وتمثيل مختلف المذاهب الدينية والتشارك في السلطة، ضرورة للحفاظ على هذا النموذج، رغم هشاشته، ومعضلات الفساد والتخبط الإداري. ويتطلب هذا النموذج الحاجة المستمرة للحوار وهي تعتبر واحدة من ميزات الديمقراطية التوافقية المعمول بها في البلاد. واستناداً إلى ذلك، يبرز الاهتمام الدولي بلبنان الذي تقول التقارير انه يحصل على واحدة من اعلى نسب المساعدات الأممية في المنطقة، وربما أكبرها، وتكسبه مناعة اقتصادية.

جردة لمؤسسات منظمة الأمم المتحدة العاملة في لبنان، ومكاتبها التمثيلية، تظهر أن هناك أكثر من 26 مكتباً يقوم روّاده بمهام دبلوماسية وخدمية لجهة تنسيق مساعدات، يتصدرها مكتب المنسق الخاص لأمين عام الأمم المتحدة في لبنان، ووضع برامج مساعدة، تشمل وضع آليات تنفيذية لقوانين مثل "برنامج الأمم المتحدة للتنمية  UNDPوتقديم مساعدات معنية باللاجئين مثل "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" UNHCR، فضلاً عن منظمات أخرى مثل "الأونروا" و"اليونيسكو" و"منظمة الأغذية والزراعة" (الفاو) و"منظمة العمل الدولية" و"صندوق الطفولة الدولي" (اليونيسيف) وغيرها كثير. وتصل المساهمات إلى "قوات حفظ السلام المؤقتة العاملة في الجنوب" (اليونيفيل)، ومراقبي الهدنة. فالأمم المتحدة موجودة في لبنان منذ أكثر من 70 سنة، أما عدد مكاتب الأمم المتحدة الموسع في البلاد فله دور يتجاوز لبنان، ليشمل دوراً إقليمياً".

يرأس المنسق المقيم للأمم المتحدة فيليب لازاريني فريق الأمم المتحدة في البلاد، الذي يضم كل مكاتب الأمم المتحدة المعنية بالبرامج المكرسة كلياً لدعم لبنان ويتألف من 26 عضواً، وهذه المكاتب لا تضم بالتأكيد قوة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة التي لا ينحصر دورها في لبنان فقط.

ويشير لازاريني في حديث لـ"الشرق الأوسط" إلى "ان الأمم المتحدة طوّرت خلال السنوات الثلاث الماضية ما يسمى المقاربة الكاملة للبنان"، لافتاً إلى "ان مساهمتنا في لبنان ستتمثل في تقديم الدعم في الصعوبات، وأثناء التعرض للأزمات في المنطقة، وفي وقت الضعف". ويؤكد "ان الدعم للحفاظ على الاستقرار والمساعدة في التعامل مع تأثير الأزمات الإقليمية".

ويؤكد لازاريني "ان لبنان حظي باهتمام كبير من المجتمع الدولي"، مشيراً إلى "ثلاثة مؤتمرات دولية عقدت على التوالي في عام 2018 بدءاً من مؤتمر روما الهادف للتركيز على دعم الأمن والقوى العسكرية واستقرار البلاد، ثم عقد مؤتمر في بروكسل الهادف إلى المساعدة على التخفيف من تأثير أزمة النازحين، مع التركيز بشكل رئيسي على اللاجئين السوريين والمجتمعات اللبنانية المضيفة على المستوى الاقتصادي، إضافة إلى مؤتمر "سيدر" في فرنسا الذي جمع ما يناهز الـ12 مليار دولار، على شكل قروض وبعض الهبات، وجميعها مشروطة بالإصلاحات.

ويقول لازاريني "لذلك، كان هناك كثير من الاهتمام. ظل لبنان على رأس جدول أعمال المجتمع الدولي على رغم الأولويات المتنافسة في جميع أنحاء العالم". ومع أن لبنان ليس في البيئة الملائمة لاستعادة المسار الطبيعي من الازدهار، بالنظر إلى أن الحرب السورية لا تزال قائمة، يؤكد لازاريني "لا يزال كفاحنا مستمرا لإبقاء البلد في صدارة جدول أعمال المجتمع الدولي. نجحنا حتى الآن وآمل أن نواصل النجاح".

آلاف الموظفين ومليار دولار: تستقطب مؤسسات الأمم المتحدة في لبنان مئات الموظفين، توفّر فرص عمل للبنانيين. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن هناك ما يزيد على 2700 موظف يعملون ضمن وكالاتها في البلاد. وتشير الأرقام إلى أن غالبية الموظفين، أي نحو 80 في المائة منهم لبنانيون و20 في المائة دوليون، وتتفاوت الأرقام بين منظمة وأخرى من حيث عدد الموظفين اللبنانيين والدوليين ونسبتهم، بالنظر إلى طبيعة عملها. ولا تشمل تلك الأرقام "قوات حفظ السلام العاملة في الجنوب" (اليونيفيل) التي يفوق عددها الـ10500 جندي في اليونيفيل. وتُعد ميزانية الموظفين جزءاً من المساعدات بشكل عام التي تقدمها الأمم المتحدة للبنان.

ويضيف المسؤول الأممي "إذا قارنت لبنان مع كثير من البلدان الأخرى في العالم، تجده قد تصدر على مدى السنوات الأربع الماضية مجموعة المتلقين للمساعدات الإنسانية أو الدولية، لكون حجم التقديمات يفوق المليار دولار سنوياً، من غير أن يشمل هذا الدعم للقوات المسلحة اللبنانية، وقوى الأمن الداخلي، كما لا يشمل الميزانية السنوية لبعثة اليونيفيل. صحيح اننا لم نعوّض عن تباطؤ نمو الاقتصاد لكننا ساهمنا في منع المزيد من التراجع في الاقتصاد. لأن مليار دولار وما يزيد عليها، تُضخ كحقنة في الاقتصاد، وهذا يساعد على التخفيف من الأعباء".

ولا تخفي الأمم المتحدة أن الهدف من الحضور أولاً المساهمة في استقرار لبنان، وبعد ذلك لمساعدة البلاد على معالجة بعض الأهداف المتعلقة بالازدهار، والمرتبطة بالتحديات التي قد تواجهها البلاد مع انعدام المساواة والفقر والبيئة. وبالنظر إلى ان جدول الأعمال الشهير لعام 2013 يتحدث عن التنمية المستدامة، يعرب مسؤولو المنظمة الأممية أن وجودهم ساهم خلال السنوات الثماني الماضية في مساعدة البلاد على التعامل مع الوضع الاستثنائي والتعرض للأزمات في المنطقة، كما ساهم في تعزيز السلام والأمن الاجتماعي - الاقتصادي.

يتذكر لازاريني بدايات عمله في لبنان قبل أربع سنوات. يومها قال له مسؤول كبير في الأمم المتحدة كان عائداً للتو من بيروت "سترى أن البلد يشبه رجلاً معلقاً في الطابق الثاني عشر من المبنى، ويتوقع الحي بأكمله أن هذا الرجل سيسقط. بعد ثلاثة أشهر لم يتغير شيء". ويضيف "كان هذا المشهد ليقول كيف تختبر البلاد التجاذب، لأن الجميع على مدى السنوات السبع الماضية كان يخشى من سقوط البلد، لكنه في الواقع يتدلى ولا يسقط".

ويعتقد المسؤول الأممي "ن بصمة الأمم المتحدة وأنشطتها ساهمت أيضاً في الحفاظ على بعض الاستقرار، لكن دون إبقاء لبنان بعيداً من المخاطر. واستهلت الأمم المتحدة عام 2019 بأسئلة وإجابات حول التحديات بشأن البيئة والسلامة المالية ومستوى الفقر المرتفع، ووجود 1.5 مليون لاجئ، وتراجع فرص العمل، إضافة إلى ضبابية تحيط بديناميات المشهد السياسي والأمني في المنطقة. مع ذلك، يؤكد لازاريني أن البلاد "لا تزال خارج منطقة الخطر، لكنها أظهرت قدرتها في السنوات الثماني الأخيرة على عدم الوقوع فيها، وسنضاعف الجهود لإخراجها من منطقة الخطر".

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o