هديتان من سوريا في نفس اليوم
أي قرار جديد لإنهاء المعضلة اللبنانية، أكان ثنائياً أم أممياً، سيسقط كما سقط كل ما قبله عندما لم يعد لبنان طرفاُ في إتفاقية الهدنة مع إسرائيل التي صمدت 20 عاماً منذ توقيعها سنة 1949 حتى خروج لبنان منها وتنازله عن سيادته بموجبها وتسليمة دوره لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع إتفاق القاهرة العام 1969.
قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 الصادر بعد الإجتياح الإسرائيلي الأول سنة 1978 لم يطبق لتعذر نشر الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية نظراً لإلتزام لبنان بإتفاقية القاهرة التي أبقت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقوى اللبنانية اليسارية المؤيدة لها في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي المقنع للشريط الحدودي الذي أسمي “دولة لبنان الحر” بقيادة الرائد سعد حداد.
وبقيت قوة اليونيفل التي تكونت بموجب القرار الأممي الرقم 426 حارساً يتيماُ محايداً للشريط الحدودي إلى ما بعد الإجتياح الإسرائيلي الواسع الذي وصل إلى العاصمة بيروت في العام 1982.
ما بين الإجتياحين الإسرائيليين تم تجميع كل تناقضات العالم الثالث في لبنان تحت إشراف جيشين نظاميين أحدهما الجيش الإسرائيلي المدعوم من الغرب ويسيطر عبر شريط سعد حداد الحدودي الجنوبي والآخر جيش الرئيس السوري حافظ الأسد الذي أدخله العرب رسمياً إلى لبنان سنة 1976 تحت إسم “قوات الردع العربية” لحماية تحالف “الجبهة اللبنانية” الممثل للقوات المسيحية-اليمينية التي عاد وإشتبك معها لاحقاً وصولاً إلى إغتيال قائدها رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميل.
وتحت مراقبة وإشراف الجيشين الإسرائيلي والسوري تم تجميع باقة الإرهاب اليساري في لبنان الذي إعتمده إلييتش راميريز سانشيز المعروف باسمه الحركي كارلوس الثعلب قاعدة لعمله، كما الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا ASALA بقيادة المدعو هاغوب هاغوبيان أو “الذئب الأغبر” الذي خصص تنظيمه بإغتيال الشخصيات التركية من دبلوماسيين وإعلاميين في عدة دول قبل أن يُقتل في العاصمة اليونانية أثينا التي لجأ إليها بعدما غادر لبنان أثناء الإجتياح الإسرائيلي العام 1982.
ودخل لبنان أيضاً في حقبة تجميع الإرهاب حزب العمال الكردستاني PKK بقيادة عبد الله أوجالان الذي أسس مخيماً لقواته في البقاع بدعم من النظام السوري الذي عاد وأقفله بعدما هددت أنقرة بغزو سوريا في العام 1998 وإعتقلته مجموعة تابعة للمخابرات التركية في نيروبي وأحضر إلى تركيا حيث يمضي حكما بالسجن المؤبد.
كوكتيل الإرهاب اليساري الذي تم جمعه في لبنان تمهيداً لإنهائه لصالح نظام الولي الفقيه شمل أيضاً الجيش الأحمر الياباني إضافة إلى كتيبة يمنية جنوبية من ضمن قوات الردع العربيىة.
بعد إنتصار الثورة الخمينية في إيران أطل ظل نظام الولي الفقيه على لبنان بمجموعة “مجاهدين” يرتدون أكفاناً بيضاء ويتسلحون ببنادق كلاشنكوف وقاذفات قنابل مضادة للدروع من عيار ب-7 تم إدخالهم إلى بيروت عبر سهل البقاع المسيطر عليه سورياً وعبروا منطقة الأونيسكو إلى ضاحية الأوزاعي وسط ذهول ما تبقى من المدنيين في العاصمة وشاركوا في معركة خلدة ضد القوات الإسرائيلية وتوسعوا وأدخلوا إلى البلد ثقافة الإنتحاريين تحت مسمى الإستشهاديين ما أوصلهم إلى ما كانوا عليه من عز وسيطرة ميدانية وأمنية وسياسية قبل أن يزجهم حسن نصر الله في حرب مساندة طوفان السنوار في 8 أكتوبر 2023 عندما بدأ تراجعهم على وقع الإغتيالات والضربات الإسرائيلية وصولاً إلى ما هم عليه اليوم.
الطرف الوحيد الذي لم يتراجع هو “الدولة” اللبنانية ليس لأنها لا تريد أن تتراجع، بل لإنها تراجعت أساساً إلى قعر ما بعده من قعر، عندما ألزمت نفسها بتنفيذ كل ما لا تستطيع ، او ما لا تريد، تنفيذه، بدءاً بالقرار 425 وصولاً إلى القرار 1701 الذي لم ينفذ أي من بنوده منذ إعلانه في العام 2006 مع إصرارالمنظومة الحاكمة على الإلتزام به لحل معاناة لبنان الحالية وفق ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمته أمام القمة العربية الإسلامية في الرياض إذ أكد ” التزام لبنان الكامل والواضح بالقرار 1701 ونشر الجيش بالجنوب” وهي الصيغة التي تعتمد حالياً كأساس لخطط حل معضلة لبنان التي تبدو عصيّة على أي حل.
ودعا ميقاتي أيضاً إلى “وقف النار فوراً” وهو ما لا يحظى بأي أمل لتطبيقه من دون إقرار تكوين قوة متعددة الجنسيات تضبط عدم إدخال إسلحة وذخائر إلى لبنان خلال فترة وقف إطلاق النار، وهو ما يرفضه حزب الله، وسترفضه المنظومة الحاكمة التي لا تخالف توجيهات معسكر إيران المسلح.
وأعلن ميقاتي أيضاً أن حكومته “… بصدد إنشاء صندوق تشرف عليه الأمم المتحدة لإعادة الإعمار ولتمويل إعادة النازحين” الذين بلغ عددهم، حتى الآن، أكثر من 1،2 مليون شخص، إلى مناطقهم.
المنظومة الحاكمة تغفل حقيقة إستحالة إعادة النازحين إلى مناطقهم، لا سيما المناطق التي تعرضت للقصف بالقنابل الزلزالية لأن الهزات الناتجة عن إنفجاراتها والتي سجّلتها بعض مراصد الزلازل تسببت بتسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية وتلويثها، ما يحتاج إلى سنوات عديدة لتنقيتها، ويحول بالتالي دون إعادة بناء هذه المناطق التي يتعذر تأمين موارد مائية لها، إضافة إلى عدم جدوى جر مياه شفة لمناطق الجنوب من نهر الليطاني الذي تحوّل بسبب تلويثه من قبل البيئات المدنية المحيطة بمجراه من قرى وبلدات ومطاعم ومصانع ومخيمات نازحين سوريين إلى ما يشبه مجروراً للصرف الصحي.
القمة العربية الإسلامية التي عرض ميقاتي أمامها الواقع كما يراه والمستقبل كما يتمناه تلقت قبل يوم من إنعقادها نبأ إغتيال إسرائيل لقاتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله المدعو سليم عياش في غارة إسرائيلية على مكان تواجده في منطقة القصير السورية علماً بأن نصر الله كان قد تعهد بأنه “لن يكون بالإمكان توقيف المتهمين لا في 30 يوماً أو 60 يوماً أو 30 سنة أو 300 سنة.”
وتلقت القمة العربية-الإسلامية،أيضاً قبل يوم من إنعقادهاً، نبأ إغتيال مسؤول حزب الله عن ما يعرف بجبهة الجولان علي موسى دقدوق في غارة جوية استهدفت شقة في منطقة السيدة زينب.
يذكر أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كان قد أبلغ رئيس الحكومة العراقي الأسبق نوري المالكي في 16 كانون الأول العام 2012 بموافقة البيت الأبيض على تسليمة الدقدوق الذي كان سجيناً لدى القوات الأميركية في معتقل أبو غريب بالعراق.
وبعد تسليمه للعراق، أحاله المالكي إلى الحرس الثوري الإيراني الذي كلفه بتأسيس جبهة الجولان لحساب حزب الله من دون إطلاع القيادة السورية.
يذكر أن المالكي كان قد إتهم بتخطيط تفجير السفارة العراقية في بيروت في 15 كانون الأول العام 1981 عندما فجر إنتحاري عرف بإسم “أبو مريم” شاحنة مفخخة قادها إلى مرآب السفارة ما أسفر عن هدم مبنى البعثة ومقتل 61 شخصاً وإصابة 104 أشخاص بجراح. وعرف من القتلى السفير العراقي عبد الرزاق لفتة ومديرة مكتبه بلقيس الراوي زوجة الشاعر نزار قباني.
حاولت عائلة الراوي وضحايا تفجير السفارة العراقية الإدعاء على المالكي مؤسس خلية حزب الدعوة العراقي في سوريا ومهندس تفجير ال سلفارة العراقية في بيروت، لكن عجز فريق المحامين عن إيصال القضية إلى النيابة العامة في حقبة التحالف العراقي-الإيراني.
إنهاء عياش والدقدوق تلميذ المالكي في نفس اليوم وفي سوريا بالتحديد سيترك حتما بصماته على صيغ الحلول التي يجري إعدادها لمنطقة الشرق الأوسط من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق، والأردن، والتي لن تكون حتماً لصالح أذرع إيران .
محمد سلام - هنا لبنان