"الموج العالي" يغرق "المسودات": اقتراحات دولية متضاربة
ليست مسوّدة القرار التي تم تسريبها حول لبنان إلا أبرز الدلائل على غياب أي رؤية سياسية أو ديبلوماسية جدّية لوقف الحرب في لبنان. لا بل إن ما يُكتب في القرار هو نتاج للعجز الدولي عن إنتاج حلّ ديبلوماسي وإعطاء مجال لإطالة أمد الحرب الإسرائيلية المستمرة على لبنان والتي قد لا تتوقف عند حدوده. في الموازاة، نجح الإسرائيليون في تركيز الأنظار وتحويلها على الساحة اللبنانية في مقابل تفرّغهم لتنفيذ المزيد من المجازر والارتكابات والتجاوزات في قطاع غزة، ولا سيما في شمال القطاع حيث يتم، بشكل يومي، ارتكاب الكثير من المجازر.
مسوّدة "أفكار سياسية"
مسوّدة القرار التي نشرتها "المدن" وحتى الآن لم يتم تقديمها إلى مجلس الأمن لتبنيها أو التصويت عليها، هي عبارة عن مجموعة "أفكار سياسية" تصلح لأن تكون شفهية في نقاش سياسي، خصوصاً أنه ليس من واجب مجلس الأمن تحديد موعد لإجراء انتخابات نيابية أو الدخول في تفاصيل التفاصيل حول القوات الأجنبية وغيرها من الأفكار. تبقى هذه الأفكار المجمّعة، عبارة عن نقاشات وطروحات قيلت سابقاً من جهات دولية عديدة على مسامع اللبنانيين، غالبيتها تعود إلى فترة ما بعد تفجير مرفأ بيروت، وهي تتجاوز القرار 1701، الذي لا تزال الدول المعنية تشير إلى التزامها به، علماً أن إسرائيل هي التي ترفضه وتطالب بتعديله أو تغييره وصولاً إلى تطبيق القرار 1559.
الموج العالي
حصل التباس في لبنان بشأن الموقف الأميركي، إذ يبلغ المسؤولون الأميركيون اللبنانيين بشكل رسمي بالالتزام بالقرار 1701، فيما يتم تناقل معطيات حول اعتماد صيغة "1701 Plus" والتي غير معروفة تفاصيلها حتّى الآن. لا تنفصل هذه المسوّدة عن الضغوط السياسية التي مورست سابقاً على القوى السياسية اللبنانية لأجل تغيير موازين القوى السياسية وحصول إنقلاب سياسي، وهو ما وصفته وزارة الخارجية الأميركية بالخروج من هيمنة حزب الله وتراجع قبضته على الدولة ومؤسساتها. لذلك فإن هذا النص، الذي تشير مصادر ديبلوماسية إلى استحالة تمريره في مجلس الأمن، يندرج فقط في سياق التهديد ورفع السقوف، ويصح في وصفه ما يستخدمه رئيس مجلس النواب من عبارات، أبزرها "حالياً الموج عال". ما يعني أن رفع مثل هذه السقوف يحصل في المراحل الأولية للتفاوض، وعندما يهدأ الموج يعود الجميع إلى واقعيته.
المقترح الفرنسي
يختلف النص الذي تم تسريبه عن مقترح فرنسي كانت باريس تعمل على إعداده وتقديمه لمجلس الأمن، أو ربما لمناقشته في المؤتمر الذي دعت إليه لدعم لبنان، إذ بحسب المعلومات فإن المقترح الفرنسي يركز على الدعوة لوقف إطلاق النار في لبنان بشكل فوري، ووقف إسرائيل لعمليتها العسكرية، بالإضافة إلى وقف حزب الله لتنفيذ العمليات العسكرية ضد إسرائيل، كما يشتمل على ضرورة تطبيق القرار 1701، خصوصاً أنه خلال الاتصالين الهاتفيين اللذين أجراهما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي جدد التمسك بالقرار 1701، بينما تسعى دول أخرى إلى التعديل على هذا القرار.
وهنا يتكرر مشهد "الاقتراحات الدولية المتضاربة" كما حصل سابقاً قبل اندلاع الحرب البرّية، إذ في حينها عمل الأميركيون على مقترح عبر المبعوث آموس هوكشتاين، فيما تقدّمت بريطانيا بمقترح لإنشاء أبراج مراقبة، أما فرنسا فقدمت مقترحات تتعلق بكيفية تعزيز دور الجيش وإعادة إحياء عمل لجنة مراقبة الهدنة، كما عادت إلى تفاهم نيسان 1996. حتى ألمانيا دخلت على خط التفاوض حينها، وزار رئيس مخابراتها بيروت والتقى بالشيخ نعيم قاسم أيضاً في سبيل لعب دور تفاوضي.
حالياً، يتكرر هذا التضارب في التوجهات والرؤى الدولية على صعيد النصوص والمقترحات، في وقت لا تبدو إسرائيل في وارد الالتزام بأي مسار تفاوضي أو قرار دولي، وهو الذي يهاجم قوات اليونيفيل ويطلب منهم المغادرة، وأعلن أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخص غير مرغوب في إسرائيل وممنوع من زيارتها، كما أن ممثل إسرائيل في مجلس الأمن مزّق ميثاق الأمم المتحدة. من يُقدم على كل هذه الخطوات، لا يمكنه أن يلتزم بقرار دولي، لكنه في المقابل يسعى مع بعض الدول إلى التدخل والضغط لأجل تمرير مسودات أو اقتراحات أو مشاريع قرارات تتلاءم مع مصلحته، على غرار التعديلات التي يقترحها الإسرائيليون على أي مشروع قرار يتعلق بالوضع في لبنان. ذلك يتقاطع مع ما يستخدمه الإسرائيليون في رفع سقوفهم التفاوضية للمطالبة بتطبيق القرار 1559 بدلاً من القرار 1701.
رهان على الميدان والديبلوماسية
بالنسبة إلى لبنان فإن هذا القرار لا يمكنه أن يمرّ، طالما أنه لا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ويحتوي على محاولة لاستخدام الضغط العسكري واستثماره سياسياً، في مسعى يتطابق مع الشروط التي أبلغت للبنان عبر رسائل متعددة حول ضرورة انتاج تسوية سياسية تقلب التوازنات، وهو ما لا يمكن تحقيقه. في هذا السياق، لا يزال حزب الله ورئيس مجلس النواب يراهنان على الميدان وإمكانية تعديل بعض الموازين خصوصاً من خلال رفع الحزب لمستوى عملياته التي وصلت إلى حيفا وحقق فيها إصابات مباشرة، إلى جانب توسيع مدى استهدافاته، وثقته الكبيرة في قدرته على صدّ الهجوم البري ومنع الإسرائيليين من تحقيق أهدافهم.
ذلك أيضاً يتلاقى مع مساع سياسية لبنانية لتعزيز موقفه الديبلوماسي والوصول إلى حصانة إقليمية توفر الظروف لإنتاج تسوية سياسية توافقية لا يكون فيها انكسار لطرف لحساب الآخر. في هذا السياق يندرج اتصال رئيس وزراء دولة قطر وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني برئيس مجلس النواب نبيه بري على قاعدة التشديد على التوافق بين اللبنانيين والخروج من هذه الحرب، وهو ما قصده بيان عين التينة حول التطابق في وجهات النظر.
منير الربيع - المدن