مواجهة ميدانية تفرمل الغزو... وحراك سياسي يبحث عن حل
لم يوقف الهجوم الإيراني على إسرائيل الحرب الهمجية التي يشنها هذا العدو على لبنان المتواصلة براً وجواً. فمنذ فجر أمس لم يوفّر الطيران الحربي الإسرائيلي منطقة لبنانية زارعاً الموت في كل مكان مستهدفاً البشر والحجر، ما أدى إلى سقوط المزيد من الشهداء والجرحى بالإضافة الى الدمار هائل في الأبنية السكنية والممتلكات والقرى. وشهدت بيروت ليلة عنيفة جديدة، في ظل القصف الذي استهدف الضاحية الجنوبية طوال ليل الأربعاء الخميس، وطال هذه المرة أيضاً العاصمة بيروت بعد الغارة على مركز الهيئة الصحية الاسلامية في منطقة الباشورة وأدت إلى سقوط شهداء.
لا شكّ أن دخول إيران على خط المواجهات مع إسرائيل يهدّد بانزلاق الأمور الى حرب اقليمية لا يمكن لأحد أن يتوقع كيف ستكون نهايتها، كما تقول مصادر مراقبة عبر جريدة الأنباء الالكترونية، لكن الأمر مرهون بالردّ الإسرائيلي الذي سيتأخّذ على ما يبدو الى مساء يوم الجمعة، كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أمس.
ورغم أن حجم ردّ طهران أظهر عدم رغبة إيرانية بالدخول في حرب واسعة، لكن المصادر لا تخفِ تخوّفها من الجنوب الإسرائيلي، لا سيما بعد تجربة العدوان على غزة ولبنان، وإصرارها على الاجتياح البرّي للجنوب. وهنا تتوقّف المصادر عند اختبار العديسة ومارون الراس، في الساعات الماضية، وتكبيد العدو عدداً ليس بقليل من القتلى والجرحى في المواجهات الحدودية الدائرة.
في السياق، أشارعضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية إلى أن المواجهات الميدانية بين حزب الله والجيش الاسرائيلي تدور الآن على محور عيترون ويارين من دون أن يتمكن العدو من اختراق الحدود باتجاه الداخل اللبناني، متحدّثاً عن مسأفة أمتار فقط بين الطرفين.
وقال هاشم: "أمس الاول تركزت المواجهات على خط مارون الراس والعديسة والأمور حتى الساعة ما زالت تحت السيطرة ولا أحد يعلم كيف ستكون عليه في الأيام المقبلة ومَن يتحكم بالميدان. فما يمكن أن يقدم عليه هذا العدو مع ما يملك من قوة البطش غير معروف. وكذلك الأمر فالمقاومة لها جهوزيتها وإمكانياتها التي لا يستهان بها". وذكّر بتجربة حرب 2006 حيث تكبّد العدو خسائر فادحة وهو لم ينس بعد معارك وادي الحجير وسهل مرجعيون.
وأضاف هاشم: "مما لا شك فيه أن الهجوم الإيراني على إسرائيل واختبار العديسة وما لمسه العدو من جهوزية للحرب والمواجهة لدى المقاومة جعله يعيد النظر بخطته الهجومية. فبعد أن صادقت الحكومة الاسرائيلية على قرار الهجوم البرّي بدأ العدو بقصف المناطق الحدودية بضربات تمهيدية، لكنه عاد وقرّر التريّث. لكن ذلك لا يعني أنه عدل عن فكرة الهجوم التي يمكن ان تحصل في أي لحظة".
وعن الإتصالات الدبلوماسية التي يقوم بها الرئيس نبيه بري من أجل وقف التوصل لوقف إطلاق النار، أكد هاشم أن الاتصالات قائمة بهذا الشأن وإن كانت بعيدة عن الأضواء فهي ستستمر، ويُفترَض أن يكون هناك أولوية لوقف العدوان والحرب الهمجية، وهذا الأمر ضروري جداً.
وفي هذا الإطار، حضر العدوان الاسرائيلي على لبنان في لقاء بين وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي جان أيف لودريان. حيث جرى مناقشة التطورات الراهنة على الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.
بالتزامن مع الميدان المشتعل، تنشط الساحة السياسية الداخلية على أكثر من خط، بين عمليات الإغاثة للنازحين الذين توزّعوا على مختلف المناطق اللبنانية، والجهد الدبلوماسي في دوائر القرار لا سيما السراي الحكومي وعين التينة، واللقاءات السياسية اللافتة والزيارات المهمة لأكثر من فريق سياسي إلى عين التينة حتى من القوى السياسية المعارضة في السابق. وفي هذا السياق، شكلت عين التينة مقراً لحركة ناشطة، وأوضحت مصادر زوار عين التينة لجريدة "الأنباء" الإلكترونيّة بالإشارة أن الرئيس بري مُنفتح على الطروحات التي من شأنها المساهمة في معالجة الأزمات. وأوحت المصادر أنّ "الأزمة الأمنية ستطول وليس هناك من مؤشرات توحي باقتراب نهايتها، وهذا ما يستدعي تكاتفاً من قبل كافّة اللبنانيين لتحريك الملفّات الأخرى التي تُحصّن الوضع الداخلي من أجل مواجهة التداعيات الكارثية للحرب والتي لا يُمكن للبنان تحمّلها لأكثر من شهر".
وأشارت المصادر إلى عودة تحريك ملف رئاسة الجمهورية بشكل كبير في الكواليس، وكان بارزاً ما نُقل عن الرئيس بري بأنه لم يعد متمسكاً بجلسات حوار تسبق جلسات انتخاب الرئيس، ما يوحي بأن خرقاً ما قد يحدث في هذا الخصوص.
وقد برز أمس الاجتماع الثلاثي الذي جمع كل من بري والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي أكد على ضرورة وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس توافقي.
وكشف النائب قاسم هاشم أن التواصل والتشاور بين الكتل النيابية لم يتوقف خاصة بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، مشدداً على أهمية أن يكون هناك تضامن وطني وهذا وحده يتطلب المزيد من التشاور والتباحث وهذا أهم وجه من وجوه المواجهة مع العدو فوحدة الموقف الداخلي مهمة جداً، وهي عامل قوة، وإضعاف الموقف الداخلي يمكّن العدو من اللعب على التناقضات.
ورأى هاشم أن هذه اللقاءات يمكن أن تساهم بحل ما في الإطار العام، ولا شك بأن انتخاب رئيس جمهورية هو من الأولويات من أجل انتظام المؤسسات. لكن هناك ضرورة لا ننساها التي تتمثل بكرامة المواطن الجنوبي فمن الضروري أن نقدم له أدنى مقومات الحياة، رغم الامكانيات المحدودة وعدم توفر الخطط المتكاملة وأعداد النازحين الكبير.
وعلمت "الأنباء" أن اللقاء الثلاثي في عين التينة هو محاولة لإطلاق تحرك داخلي للمطالبة بوقف إطلاق النار ولإنجاز الاستحقاق الرئاسي. وقد شددت مصادر "الأنباء" الالكترونية على أنه ليس اصطفافاً جديداً، وأن الاتصالات ستشمل الجميع.
كما أشارت المصادر الى أن اللقاء بحث أيضاً في موضوع النازحين من أبناء الجنوب، وهو أمر مهم لجهة ضرورة القيام بالواجب الوطني تجاههم، إضافة الى تفادي أية توترات.
هذا الحراك يؤكد مرة جديدة أن لا حلّ إلا بالسياسة والدبلوماسية، والتصعيد الميداني لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخراب والدمار والردود والردود المضادة، وقد تتطوّر الأمور بأي لحظة إلى حرب كبرى لا يسلم منها أحد.
المصدر: الانباء الالكترونية