الحزب يجتهد على جبهتين: تحقيق بالتفجيرات وردّ موجع
بلغت حراجة الوضع العسكري مرحلة لا يمكن العودة عنها. عمليتا تفجير أجهزة الاتصال لدى حزب الله، لم تعودا في سياق الضربة الأمنية، بل هي جولة جديدة من حرب واسعة وجديدة أيضاً. ما تعرّض له الحزب هو عملية موسعة طالت الجسم التنظيمي والكادر العسكري بشكل أفقي وعمودي. أفقياً وعمودياً أيضاً، تتركز تحليلات الحزب والإيرانيين وغيرهم حول كيفية حصول عملية التفخيخ والتفجير وكيف مرّت الأجهزة على أجهزة المسح من دون اكتشاف تفخيخها. على مسار آخر، وهو المسار العسكري والمعنوي، يعمل الحزب أيضاً في سبيل استعادة الردع وترميم الصورة.
تقصي الحقائق
على مستوى التحقيقات، يتلمّس حزب الله خيوطاً كثيرة، خصوصاً أن ما تبيّن حتى الآن، هو تفخيخ هذه الأجهزة التي تم استيرادها عبر شركات متعددة ما بين لبنان وإيران بالتعاون مع مكتب "إسمي" لشركة في هنغاريا. تشير المعطيات إلى أن هذه الشركة كان قد أسسها الإسرائيليون بطريقة خلفية. وقبل أشهر عندما طُلبت هذه الأجهزة، جرى التقصي من قبل الإسرائيليين حول الجهة التي طلبتها فاستطاعت معرفة أن وجهتها لبنان.
تشير المعلومات إلى فرضيات كثيرة، بعضها يحتمل أن تكون الأجهزة قد احتوت إلى جانب المادة المتفجرة والتي تبلغ زنتها 13 غراماً، أجهزة تنصت وتتبع تم اخفاؤها بطريقة احترافية. وهنا يتم تحليل وقائع كثيرة للتحقيق فيها، خصوصاً ما إذا كانت عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي حصلت بحق كوادر ومسؤولي الحزب ناتجة عن عمليات التنصت والتجسس أو التتبع.
تستكشف التحقيقات إذا كان هناك تورط لعملاء في عملية التفخيخ أو التغاضي عن إدخالها. بينما في المقابل هناك وجهة نظر أمنية أخرى تشير إلى أن المتفجرات أدخلت إلى "هيكل الجهاز" أي تم دمجها مع المواد التي يتكون الجهاز منها وتوزعت على كل الهيكل ولم تتركز في مكان معين، ولذلك تمكنت من المرور على أجهزة المسح والكشف. مقابل هذه الفرضية، تشير المعطيات إلى أن المواد التي وضعت في الأجهزة، لها تقنية تنجح في تجاوز أي اختبار لعملية المسح الأمني، ولذلك لم يتم اكتشاف أي تلاعب أو تخريب في هذه الأجهزة. على هذا المستوى من الخطورة والأهمية يتعاطى حزب الله مع هذه العملية الهجومية الممنهجة، والتي ينظر إليها باعتبارها مهاجمة للحزب بأسره من خلال قطع أواصر الاتصال بين الكوادر والمسؤولين والعناصر.
خيارات الرد
لذلك، فعلى المستوى العسكري يعمل الحزب على دراسة كل خياراته للردّ، على أن يكون رداً قوياً يمكّنه من استعادة منظومة الردع والقوة، واستعادة الثقة في صفوف كوادره وعناصره وبيئته. بعيد ساعات من العمليتين، لجأ الإسرائيليون إلى تسريب أخبار حول ممارسة الضغوط الكبيرة على الحزب لدفعه إلى وقف الحرب والانفكاك عن جبهة غزة لعدم تعرّضه للمزيد من الضربات، خصوصاً أن المسؤولين الإسرائيليين قد صرحوا بشكل واضح بأنه لم يستخدموا كل إمكانياتهم ولا يزال لديهم المزيد من الخطوات.
تعاطى حزب الله بعقل بارد مع كل هذه الرسائل والإشارات، وبقي مصراً على عدم الرضوخ والخضوع، خصوصاً أن أي تراجع يقدم عليه أو تنازل يقدّمه سينزع منه قوته. وهو ما لا يمكن أن يقبل به. درس الحزب الكثير من الخيارات العسكرية لتنفيذ الردّ. وكانت النقاشات قد تركزت حول إمكانية تنفيذ عملية نوعية وقوية تترافق مع إطلاق مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل، بالتزامن مع كلمة الأمين العام للحزب حسن نصرالله. أو إمكانية تنفيذ عمليات نوعية على طريقة التصعيد التدريجي وإلحاق أذى مباشر بالإسرائيليين وقواتهم على الحدود وفي مناطق مختلفة. كان لدى حزب الله قرار واضح بأنه لا مجال للتفاوض أو للديبلوماسية قبل تنفيذ العملية القوية.
محاولات الاحتواء
تزامناً، كانت الرسائل الإسرائيلية تتواصل عبر موفدين دوليين لدفع الحزب إلى التراجع وعدم التصعيد، وسط معلومات ديبلوماسية تتحدث عن مهلة أيام منحها الإسرائيليون لحزب الله للموافقة على المقترح الأميركي، وتطبيق القرار 1701 كاملاً، وانسحابه من مسافة جغرافية معينة في الجنوب وسحب الأسلحة الثقيلة، ووقف المواجهات أو جبهة الإسناد، وضمان عودة آمنة لسكان المستوطنات الشمالية. وبحال لم يستجب، فإن إسرائيل ستلجأ إلى توسيع عملياتها وتنويع ضرباتها بأشكال مختلفة. بحسب ما تقول مصادر ديبلوماسية، فإن مهلة الأيام التي وضعها الإسرائيليون ترتبط بزيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى تل أبيب وعقده لقاءات مع المسؤولين هناك، والتي يعتبرها الإسرائيليون أنها ستكون فرصة أخيرة قبل تصاعد الحرب وانفجارها.
تشير المعلومات الديبلوماسية إلى تخوف كبير من احتمال انفجار الصراع أو اتساعه. تجري اتصالات عديدة لمنع اتساع الحرب، ومن ضمن الاتصالات يأتي الاجتماع الذي يعقد في باريس بين مسؤولين من فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا وإيطاليا، أولاً للضغط في سبيل منع توسيع الحرب، وثانياً لدراسة كل الخيارات المحتملة في حال اندلعت وكيفية التعاطي مع الرعايا الأجانب في لبنان، واحتمال حصول موجات لجوء جديدة باتجاه أوروبا.
منير الربيع - المدن