مكب برج حمود: حكاية نفايات سامة بين الحرب والسلم وانفجار الأزمة البيئية
هي قصّة مكبّ برج حمود - الجديدة من قصص عمر الحرب وآثارها السامة. هذا المكبّ الذي احترق في الأمس، أضيف إلى حكاية مكبّ برج حمود الذي "لمّ" نفايات سامة دفنت فيه أواخر الثمانينات. وبات عندنا "جبل نفايات"... ومنذ تلك اللحظة، بدأت الحكاية. هي محاور بارزة تكاد تختصر بالتواريخ.
في زمن الحرب، أدخلت نفايات صناعية ومواد كيماوية سامة وطمرت في برج حمود. وفي زمن السلم، غابت الحلول العلمية وسادت العقود بالتراضي حتى وصلنا إلى الحريق الكارثي...
أعوام مرّت... ولا حلول، وكان كثر "يتغنّون" من باب السخرية والازدراء "بجبل النفايات" هناك.
"طلعت ريحتكم"
إلى عام 2014... كان عقد "سوكلين" قد شارف النهاية، فسارعت حكومة الرئيس تمّام سلام إلى الاجتماع وقررت تجديد العقد مع "سوكلين" وإقامة مطمر برج حمود ... فوقفت الكتائب بالمرصاد، وطالبت بمناقصات جديدة وشفافة وتحسين دفتر الشروط عبر زيادة الفرز... رُفض طلبها، لا بل ذهبت "سوكلين" إلى التهديد بوقف لمّ النفايات... وهذا ما حصل... فغرقت الشوارع بالزبالة.
إلى كانون الثاني 2015، عاد مجلس الوزراء وحسّن دفتر الشروط، ومدّد لـ"سوكلين" ستة أشهر إلى حين إتمام المناقصة الجديدة... إلّا أنّه وفي تموز من ذاك العام، أقفل مطمر الناعمة بعدما وصلت قدرته الاستيعابية إلى حدودها القصوى. فكانت وسيلة أخرى للضغط والتهديد. في آب 2015، تمّ التلاعب بأسعار العروض. رفعت الكتائب مجدداً الصوت عبر وزرائها في الداخل، وقامت احتجاجات في الشوارع تحت عنوان عريض: "طلعت ريحتكم"، مطالبة برفع النفايات من الشوارع، فكان الردّ الرسميّ بتنحّي وزير البيئة آنذاك محمد المشنوق، لينوب عنه الوزير أكرم شهيب.
سريعاً، وضع شهيب الخطة، من العناوين الأساسية الآتية: "رفع النفايات المكدّسة ونقلها إلى عكار والسلسلة الشرقية، تطبيق اللامركزية الإدارية في الفرز"، ولكن لا شيء على الارض... إلّا النفايات. رفضت عكار وبعلبك "استقبال" النفايات...
في آذار 2016، عاد مجلس الوزراء وقرّر رفع النفايات المكدسة إلى مطمر الناعمة، وإنشاء مطمرَي "الكوستابرافا" وبرج حمود – الجديدة، فوضع مجلس الإنماء والإعمار دفاتر شروط، وكلّف جهاد العرب وداني خوري بالطمر الكليّ... فكانت استقالة وزراء الكتائب في 14 حزيران 2016، رفضاً "للتمريرات المشبوهة".
عقوبات... وحريق
بعدها، بدأت مرحلة جديدة من قصة ذاك المكبّ. أقفل حزب الكتائب مدخل برج حمود لمدة شهر ونصف شهر، رفضاً لما أسماه "الأساليب الملتوية"، فكان جواب الحكومة: المزيد من النفايات في الشوارع، وساندتها العديد من الأحزاب، وفي مقدّمها حزب الطاشناق.
مجدداً، حاول شهيب وضع "خطة طارئة" فسارع إلى تشكيل لجنة، وكانت من ضمن الأولويات "التشديد على الفرز قبل الطمر وتحرير أموال البلديات كي تستطيع معالجة نفاياتها"... ولكن، كانت سياسة الترقيع تعود إلى الواجهة!
كان عقد التلزيم يصرّ على استقبال المطمر نحو 900 إلى 1000 طنّ يومياً، فيما كان يستقبل نحو 1400 طنّ يومياً، ما سرّع حكماً في إنهاء عمره!
لا بل أكثر، وباعتراف وزير البيئة طارق الخطيب عام 2017، قال في تصريح صحافيّ مكتوب، إنّ "المتعهّد لم يحترم إقامة إنشاء "السنسول" البحريّ المطلوب لحصر النفايات وعدم انتشارها في البحر".
المفارقة أنّه تم وضع بند واضح في الخطة يقضي بأن تفرز النفايات قبل الطمر، إنّما لا معمل فرز أُنشئ ولا حتى مشروع معمل! كانت النفايات التي ترمى في البحر، يتمّ التخلص منها من دون معالجة وهي ترمى مع ما تتضمّنه من مواد سامة وبلاستيكية وغيرها...
ونتيجة لهذا المسار، كان من الطبيعي أن "تفيض"، وسريعاً، القدرة الاستيعابية للمكبّ في آب 2018، نتيجة السياسات الخاطئة والإدارة "المشبوهة"...
مذ ذاك، لم يعد يستوعب المكبّ المزيد، وسط غياب أيّ بدائل...
وما عزّز هذا الواقع، العقوبات التي فرضتها لاحقاً وزارة الخزانة الأميركية، وتحديداً في 28 تشرين الأوّل 2021، على رجلَي الأعمال جهاد العرب وداني خوري، "بشبهة الفساد والمساهمة في تقويض حكم القانون في لبنان".
يومها، قالت وزارة الخزانة في بيان أنّ "الاثنين استفادا شخصياً من الفساد والمحسوبية المستشريَين في لبنان لجمع ثروات شخصية على حساب الشعب اللبناني ومؤسسات الدولة"، علماً أنّ أمام القضاء دعوى مقدّمة من حزب الكتائب، منذ أيلول 2015، يدّعي فيها على كلّ من يُظهره التحقيق متورّطاً في القضية، وحتى الآن، لم يبتّ القضاء اللبنانيّ فيها.
هكذا، من الحرب إلى السلم، يمرّ شريط صور ذاك المكبّ الذي "أحرق" ساحل المتن الشماليّ في الأمس... من دون أن تتّضح بعد أيّ أفق لحلّ جذريّ... وعلمي.