سكاف: أمران يطيلان الشغور الوحدة الشيعية والتشرذم المسيحي
كان من الضروري لكل الأطراف ذات الصلة، أن يستعاد ملف #الاستحقاق الرئاسي إلى دائرة الضوء بعد فترة من السبات، وأن تكون هذه الاستعادة محطة خصبة ورحبة، لإعادة استيلاد مبادرات رئاسية جديدة، أو إعادة التذكير بمبادرات سبق أن أطلقتها قوى سياسية، في رحلة بحث وتقصّ عن جدية إثارة الملف، وهل هو على جاري العادة مجرد "عملية تحريك" أو أنه "تحرير" جدي له من أسر اعتبارات معينة؟
أثبتت تجارب تلك المرات أن إنزال هذا الملف عن الرف إلى دائرة التداول يصير في خاتمة المطاف جزءا من "ملهاة" سياسية غايتها ملء الفراغ وأن يثبت كل معني أنه حاضر ناظر وأن شيئا لن يمر من دون علمه وبلا بصمته، واستطرادا غصبا عن إرادته.
وبناء عليه، فإن السؤال الأكثر إلحاحا هو: هل من مصير آخر سيؤول إليه الملف هذه المرة؟
للنائب المستقل الدكتور #غسان سكاف رأي يراه عقلانيا حيال إثارة الملف على النحو المباغت، يقوم على فكرة أن ثمة فرصة ذهبية سنحت أخيرا لإتمام الاستحقاق الذي بدا حتى اليوم مستحيلا، شرط التزام شروط وموجبات.
لذا، فمجرد أن أعيد الاعتبار إلى هذا الملف، شرع النائب سكاف في حراك مميز مبني كما يقول على قاعدتين اثنتين:
الأولى أنه كان له في المرات السابقة جولة اتصالات ولقاءات مقرونة بعرض أفكار ورؤى في هذا الخصوص، ووفق اقتناعه فقد قطعت شوطا متقدما خصوصا أن هذا الملف كان شغله الشاغل منذ انتخابه نائبا عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة راشيا - البقاع الغربي (وكان على لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي).
الثانية أن ثمة اقتناعا تولّد عنده ببروز معطيات ووقائع جديدة من شأنها أن تساهم في ملء الشغور الرئاسي المشكو منه، إذا ما حزم المعنيون أمرهم وحالوا دون تسلل اليأس إلى نفوسهم على غرار ما سلف.
وفي هذا السياق يقول سكاف لـ"النهار" إن إعادة ملف هذا الاستحقاق المهم إلى دائرة الضوء فرضته عناصر جديدة داخلية بالتوازي مع عناصر خارجية في مقدمها تحرك "اللجنة الخماسية".
وثمة عامل آخر عند سكاف يتمثل في "إعادة الرئيس بري الاعتبار إلى مبادرته التي أطلقها قبل عام في المناسبة عينها (ذكرى تغييب الإمام الصدر)، وهي وإن لم تتضمن أي جديد فإن اللافت كان إطلاق رئيس حزب "القوات ال#لبنانية" مبادرة يمكن مَن يتمعّن فيها أن يجد عناصر مستجدة مثل القبول بمبدأ الحوار بعد انتخاب الرئيس، وطرح تعديل الدستور بعد هذا الانتخاب، مع العلم أن كلمة تعديل مطاطة وحمّالة أوجه.
وإلى جانب هذين الأمرين، رفعت كل القوى المعنية الصوت مطالبة بالفصل بين ملف الاستحقاق إياه والتطورات الدراماتيكية في الإقليم عموما".
يضيف سكاف: "نستشف من هذا كله أمرا يبعث على الطمأنينة، فحواه أن القوى المعنية تجرأت على الإفصاح عن رغبة كامنة في إرجاع اللعبة الرئاسية إلى الداخل بعدما سرت سابقا مناخات فحواها أن هذه القوى استسلمت لعجزها عن إنتاج رئيس جديد يطوي عهد الفراغ. وهذا يعني أن ثمة فجوة جديدة في جدار الاستحقاق الرئاسي ربما نعثر في خلفيتها على وعي بأن المضي في هذا الاستسلام معناه أن لا رئاسة قبل عام، وهذا معناه استطرادا العودة إلى حلقة التعطيل والمراوحة التي تشرّع البلاد على احتمالات خطرة مثل إبقاء الوضع على هذا المستوى من الاعتلال والتأزم السياسي، وضرب الشراكة الوطنية، لأن الشغور وصفة لاستمرار الخلافات وتعمقها".
وردا على سؤال يقول سكاف: "كان يتعين على اللبنانيين إنجاز الاستحقاق قبل اندلاع الحرب على غزة والجنوب، ولكن بما أن الشغور استمر بعد اندلاع المواجهات، فالمهم ألا نربط إنجاز الاستحقاق بانتهاء الحرب، وعلى هذه القوى أن تحزم أمرها وتقدم على إنجازه لأن ذلك مصلحة لها وللبلاد".
ويشدد على نظرية أن "المواقف الأخيرة الجديدة للمعارضة وخصوصا ما أطلقه الدكتور جعجع، معطوفا على تجديد الرئيس بري مبادرته، هي نافذة ضوء يتعين استغلالها لإعادة اللعبة إلى الداخل وتحريرها من أسر لعبة الأمم، والتعجيل في انتخاب رئيس قبل صيف عام 2025، أي بعد انتهاء الانتخابات الأميركية وتمكن الإدارة الجديدة من ترسيخ أقدامها والشروع في تحريك محركاتها الخارجية، وهو أمر بات ثقيل الوطأة أعتقد أن البلاد لا تتحمله".
وردا على سؤال آخر، يجيب سكاف: "من كل هذه المقدمات انطلقنا في حراك جاء عودا على بدء، هو استئناف لجولة اتصالات كنا بدأناها، وعمادنا دائما قاعدة نشدد عليها، جوهرها أن انتخاب رئيس جديد من دون أن تشارك في انتخابه كل المكونات هو وصفة إضافية لرفع منسوب التأزم والاحتقان والتوتر".
وفي رأيه أن "أمرين يعطلان انتخاب رئيس جديد وملء الشغور: #الوحدة الشيعية في مقابل الانقسام المسيحي، لذا نقول إن من المعيب تصلب البعض ورفضه إعادة النظر في خياراته، بينما البلاد مهددة بالزوال، والمعيب أيضا أن يصرّ البعض على إطلاق معادلات معينة وربط كل شيء بها، وهذا يتجلى أكثر ما يكون في مطالبة فريق بالحوار قبل انتخاب الرئيس، بينما يدعو الفريق الآخر إلى انتخاب رئيس يليه حوار لكي لا يكون هناك تكريس لأعراف جديدة غير دستورية".
ويؤيد الدعوة إلى انتخاب رئيس قبل انتهاء الحرب الإقليمية "لأن الانتخاب بعد هذه الحرب له محاذيره إن لم نقل مخاطره، فالقاعدة تقول إن مواصفات مرحلة تفرض مواصفات الرئيس، وليس خافيا أن الوضع لا يتحمل انتخاب رئيس يشعر فريق بأنه فرض فرضا بعدما انتصر، فيما يشعر الآخر بأنه بات مغلوبا على أمره".
المصدر: النهار