هوكشتاين.. أيّ أجندة يخدم من زاوية التناقضات اللبنانية؟
بقطع النظر عن مقاربة القوى السياسية في لبنان لشخصية الموفد الشخصي للرئيس الأميركي جو بايدن وكبير مستشاريه لشؤون الأمن والنفط آموس هوكشتاين أو للدور الذي يضطلع به في المرحلة الراهنة، لا يمكن تجاهل أن الزيارة الخاطفة التي قام بها أخيراً لبيروت، شكلت محور اهتمام الساحة المحلية الغارقة في حال من الترقب والرصد وسط حالة من القلق إزاء تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بضرب لبنان وتوسيع رقعة الاعتداءات لتطال مناطق آمنة أو مرافق حيوية من شأنها أن تشل البلاد وتغرقها مجدداً في مستنقع الأزمات والانهيارات.
فالرجل تحرك على خط بيروت تل أبيب في أكثر الساعات دقة، نظراً إلى أن المخاوف من بدء الضربات كانت مركزة على هامش زمني يرتبط ببدء المفاوضات بين الإسرائيليين وحركة "حماس" في الدوحة أمس الخميس، بحيث كانت التوقعات بأن تستبق إسرائيل المفاوضات واحتمالية التوصّل إلى وقف لإطلاق للنار في غزة يلتزم به "حزب الله"، بتوجيه ضربات استباقية إلى الحزب. فجاءت زيارته ومرور الساعات الـ٤٨ التي سبقت استئناف المفاوضات لتؤكد مجدداً أن الحرب النفسية على لبنان مستمرة، وأن احتمالات الذهاب إلى حرب استنزاف باتت أكبر بكثير من احتمالات الحرب الموسعة، من دون أن يعني ذلك أن الاستنزاف لن يستمر في توسيع نطاق قواعد الاشتباك كما هو حاصل تدريجاً منذ الثامن من تشرين الأول الماضي.
منذ بدأت حرب غزة وجبهة الإسناد اللبنانية لها، اقتصرت زيارات الموفد الاميركي على الجهات المعنية بهذه الحرب، مستبعداً القوى السياسية إلا من باب لقاءات بروتوكولية محدودة. فكانت لقاءاته تشمل في الدرجة الأولى رئيس المجلس نبيه بري لما يمثله بالنسبة إلى واشنطن كمفاوض باسم الثنائي الشيعي، إضافة إلى موقعه على رأس السلطة التشريعية، وهي السلطة الوحيدة التي لا تزال تتمتع بالشرعية بعد شغور موقع الرئاسة الأولى وتحول الحكومة إلى تصريف الأعمال بعد اعتبارها مستقيلة حكماً منذ الانتخابات النيابية وتشكل مجلس نيابي جديد في أيار ٢٠٢٢.
يأتي في درجة موازية قائد الجيش العماد جوزف عون، حيث تنظر واشنطن إلى قيادة الجيش بأهمية نظراً إلى الدور الذي تعوّل عليه للمؤسسة العسكرية في أي تسوية مقبلة تلحظ تنفيذ القرار الدولي ١٧٠١.
في مرحلة ثانية يأتي اللقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من باب ديبلوماسي أكثر منه عملياً وتنفيذياً نظراً إلى عدم وجود أي سلطة تنفيذية في يد الحكومة في ما يتصل بقرارات الحرب والسلم أو أي تسوية محتملة في المرحلة المقبلة.
تتضارب تصنيفات القوى السياسية لشخصية هوكشتاين أو الدور الذي يضطلع به. ففيما يُنظر إليه في بعض الأوساط التي تدور في فلك "حزب الله" على أنه وسيط إسرائيلي أكثر منه أميركياً نظراً إلى أصوله اليهودية ووقوفه فريقاً في المفاوضات أكثر منه وسيطاً، يتعامل معه أفرقاء آخرون، ومن بينهم رئيس المجلس، على أنه المفاوض الأميركي الرسمي باسم الإدارة الأميركية، نظراً إلى أنه الممثل الشخصي للرئيس جو بايدن، بقطع النظر عما ستحمله الانتخابات الأميركية المقبلة. فصفة هوكشتاين ملزمة له في الأشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات، ما لم يسحبها منه بايدن نفسه، وملف لبنان والجنوب تحديداً في يده مباشرة، تماماً كما كان ملفّ الترسيم البحري. مع إشارة مهمة إلى أن بعض القوى على مقلب المعارضة ترى في الرجل مفاوضاً ناجحاً تمكن من استدراج الحزب إلى الموافقة على الترسيم البحري بالشروط المناسبة لإسرائيل لا للبنان، خلافاً لما تم تظهيره في الإعلام، الأمر الذي يجعل من الرجل متمتعاً بقدرات تفاوضية ناجحة.
وإن كان التعامل مع زيارته الأخيرة سلبياً في أوساط الحزب على قاعدة أنه لم يحمل جديداً أو أي رسالة أميركية باستثناء تأكيد أهمية عدم تخريب مساعي التهدئة ودور الحزب في هذا المجال، فإن الأكيد أن هوكشتاين تمكن من توفير فترة سماح جديدة أمام مفاوضات الدوحة، وأن الرسالة الأساسية التي حملها ضمنياً ربما وليس في شكل مباشر أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تصعيد قد تجرّ طهران المنطقة إليه مباشرة أو عبر أذرعها العسكرية، وبالتالي فإن المواجهة بهذا المعنى ستكون مع واشنطن لا مع إسرائيل. من هنا، يمكن فهم حجم الضغط الذي يمارس على طهران والحزب، والتهديد الأميركي بالمشاركة في الضربات في حال التصعيد.
ولذا، فإن رسائل هوكشتاين واضحة، بقطع النظر عن أي بعد سياسي يمكن أن يُعطى لتحركه الرامي في نظر بعض الأوساط إلى تحقيق إنجاز لبايدن والديموقراطيين على مشارف الانتخابات الرئاسية الأميركية!
المصدر - النهار