Jul 04, 2024 7:48 AM
صحف

واشنطن وباريس تطبخان التسوية

مع الإعلان الإسرائيلي عن قرب الدخول في ما سُمّيت المرحلة الثالثة من حربها على قطاع غزة، بدا انّ استنفاراً دولياً قد أُعلن لمواكبة المرحلة الجديدة من العدوان الاسرائيلي، بتحرّك تتصدّره الولايات المتحدة الاميركية، لترجمة مندرجات مبادرة الرئيس الاميركي جو بادين لوقف اطلاق النار وبلوغ صفقة تبادل للأسرى بين اسرائيل وحركة «حماس»، واحتواء التصعيد على سائر الجبهات، ولاسيما على جبهة لبنان، والدفع في اتجاه الحل السياسي.

ضمن هذا السياق، يندرج التحرك الأميركي عبر كبير مستشاري الرئيس الاميركي الوسيط آموس هوكشتاين في اتجاه باريس، وعقد لقاء مع الموفد الفرنسي جان ايف لودريان وبعض أركان الايليزيه، حول الملف اللبناني، وما يتصل حصراً بتبريد جبهة الجنوب وخفض التصعيد القائم فيها، والتأسيس لأرضية يُبنى عليها حل سياسي يلي مباشرة وقف اطلاق النار في قطاع غزة.

وبحسب ما جرى الاعلان عنه حول لقاء الأمس، فإنّ هوكشتاين التقى في باريس امس، لودريان والمسؤولة عن الملف اللبناني في قصر الايليزيه كلير لو جاندر، وانّ الجانبين الاميركي والفرنسي ناقشا الوضع اللبناني من مختلف جوانبه، ولاسيما الوضع المتفجّر في جنوب لبنان.

وخلصت هذه المحادثات إلى اتفاق على مواصلة التنسيق بين واشنطن وباريس حول هذا الملف، وكذلك على مواصلة الجهود لمنع تصاعد التوتر، وبالتالي منع توسّع الحرب بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي.

فرصة الحل ممكنة

وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أنّ الجانبين الأميركي والفرنسي يتقاطعان في حراكهما المتجدّد من اعتبار انّ فرص الحل السياسي باتت اكبر، في موازاة تضاؤل احتمال اندلاع حرب واسعة، جراء الضغوط الكثيفة التي مارستها واشنطن، وخصوصاً على إسرائيل، وتحذيراتها من النتائج المدمّرة لأي عمل عسكري ضدّ لبنان على جميع الاطراف.

واشارت المصادر إلى أنّ في خطط واشنطن حراكاً اميركياً مكثفاً لبلوغ حل سياسي على جبهتي غزة وجنوب لبنان، إن أمكن في آن معاً، او يليان بعضهما بفاصل زمني قصير، والظروف مؤاتية لذلك، وخصوصاً انّ كل الاطراف راغبة بالحل السياسي، ويبدو انّ واشنطن تلقّت من كل الاطراف اشارات بهذا المعنى، ومن هنا التأكيدات المتتالية من وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، بأنّ لا اسرائيل ولا «حزب الله» ولا لبنان ولا ايران تريد الحرب.

وفيما لم تستبعد المصادر عينها ان تعقب لقاء باريس بين هوكشتاين ولودريان وبعض المسؤولين في الايليزيه، حركة موفدين في الايام المقبلة، في اتجاه اسرائيل، تواكب التطورات المتسارعة في الميدان الغزي، وانتقال اسرائيل الى المرحلة الثالثة من الحرب، وكذلك في اتجاه لبنان، كشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» أنّ خطوط التواصل بين هوكشتاين ومستويات سياسية مختلفة، بقيت ساخنة منذ زيارته الاخيرة، وعنوان البحث الأساس الملف الجنوبي ومنع تفاقم التوتر وابقائه في نطاق السيطرة.

وبحسب معلومات المصادر عينها، فإنّ واشنطن لا ترى بديلاً لحل سياسي يعيد الأمن والاستقرار الى منطقة الحدود، ويؤمّن عودة آمنة لسكان الجنوب والمستوطنين الى منازلهم. وهي وإن كانت قد أبعدت خيار الحرب انطلاقاً من جنوب لبنان، فهي تعتبر انّ ترسيخ الحل في جنوب لبنان مرهون بالحلّ السياسي في قطاع غزة، وفق ما هو محدّد في مبادرة الرئيس جو بايدن التي تهدف الى وقف الحرب.

وبحسب معلومات المصادر عينها ايضاً، فإنّ انتقال اسرائيل الى المرحلة الثالثة من الحرب، لا يزعج واشنطن، بل هي لا تمانعه، وحتى ولو تمّ الانتقال الى هذه المرحلة، فإنّها تبقي مبادرة بايدن كأساس لحل سياسي ينهي الحرب في غزة، ويمنع حرباً واسعة انطلاقاً من جنوب لبنان. وهي في هذا الاتجاه تقول انّها تكثف جهودها مع الجانب الاسرائيلي، وتعوّل في الوقت نفسه على ضغوط تُمارس على حركة «حماس» من القطريّين والمصريّين وحتى من الايرانيين وحلفائهم، للسير بالحل الاميركي.

الى ذلك، أكّدت مصادر مطلعة على محادثات هوكشتاين خلال زيارته الاخيرة الى بيروت لـ«الجمهورية»، انّ الموقف الاميركي ما زال يصوّر «حماس» على انّها الطرف الوحيد المعطّل للمبادرة الاميركية، وهوكشتاين في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين عبّر عن هذا الموقف بطريقة ديبلوماسية وصل فيها الى حدّ الطلب بصورة واضحة بأن يقوم «حزب الله» بتليين موقف «حماس» من مبادرة بايدن. حيث عبّر عن حرص الولايات المتحدة على انّها لا تريد أن ترى حرباً بين لبنان واسرائيل، مشيراً الى ما مفاده بأنّ «مبادرة الرئيس بايدن التي ألزمنا اسرائيل بها، هي الحل، واذا لم تقبل بها «حماس»، يعني ذلك أنّ الحرب ستبقى مستمرة، وفي هذه الحالة امام إسرائيل خيارين، الاول، هو أن تعلن انتهاء العملية العسكرية في رفح، وتجمع قواتها من رفح ومن غزة وترسل أكثرها الى الشمال، وفي الوقت ذاته يبقي الجيش الاسرائيلي على حصار غزة ويقوم بعمليات انتقائية انقضاضية كلما رأى ذلك ضرورياً. ووجود الجيش في الشمال وضغط سكان المستوطنات ومطالبتهم بإجراءات تمكنهم من العودة معناه انّ احتمال الحرب وتوسعها يصبح اكبر، فيما قدرتنا (الاميركيون) على الضغط على الاسرائيلي من اجل عدم الذهاب الى الحرب تصبح ضعيفة».

لا خطط رئاسية

رئاسياً، البديهي مع الاستنفار الاميركي والفرنسي لاحتواء الملف الأمني ومنع تصاعد التوتر على جبهة الجنوب، افتراض أن لا خطط او افكار جديدة مرتبطة بالملف الرئاسي. ويؤّكد ذلك مرجع سياسي بقوله لـ»الجمهورية»: «الملف الرئاسي «نايم وشبعان نوم، وواضح انو مطوّل ليفيق» حيث لا يوجد شيء حياله على الاطلاق، لا مبادرات ولا حراكات».

ورداً على سؤال عن الوقت الذي سيستغرقه تنييم الملف الرئاسي، قال: «هناك طريقة واحدة ما زالت ممكنة لحسم هذا الملف، هي أن نجلس على الطاولة ونتفاهم، فننتخب رئيساً للجمهورية ونشكّل حكومة ونضع البلد على سكة النهوض. الّا انّ هذه الطريقة رُفضت، وطالما هي مرفوضة فأمامنا وقت طويل جداً من الانتظار. وبالمناسبة، حكومة تصريف الاعمال القائمة، تربّعت على عرش حكومات تصريف الاعمال، حيث انّها صارت صاحبة اطول فترة تصريف اعمال بتاريخ لبنان، وما زال الوقت مفتوحاً امامها لفترات اطول، طالما لم نتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية».

رهان على الحرب

وفي سياق متصل، أبلغت مصادر سياسية مستقلة الى «الجمهورية» قولها، إنّها لا ترى فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور.

وفي قراءة متشائمة للوضع الرئاسي، اعتبرت أنّ الرئاسة تحوّلت الى لعبة قمار، بدليل الرهانات على الحرب. وقالت: «منذ بداية الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وتمدّدها الى جبهة الجنوب اللبناني قبل نحو 9 أشهر، توالت تأكيدات من اكثر من طرف سياسي بأن لا ربط بين الملف الرئاسي وبين المواجهات الدائرة بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي. الّا انّه ثبت بما لا يرقى إليه ادنى شك لديهم، أنّ تلك التأكيدات ليست اكثر من مجرّد كلام لا يعبّر عمّا هو حاصل على أرض الواقع».

فالملف الرئاسي، تضيف المصادر، ونتيجة لنزق اطراف التعطيل، صار مركوناً على هامش الاولويات والمتابعات الجدّية، حتى لا أقول انّه صار مُهملاً؛ كان قبل الحرب معلقاً على حبل طويل من الشروط التعطيلية ومحاولات التشاطر والتذاكي، وكلّ طرف يتلطّى خلف معطّلات و«فيتوات» من الداخل والخارج، ويستقوي بقدرته على تعطيل نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وقد صرّحت اطراف التعطيل علناً بذلك. وأمّا مع اندلاع الحرب واحتدامها على جبهة جنوب لبنان، وضعوا كلّ بيضهم في سلّتها، في ما بدا انّه رهان – غير معلن انّما هو مؤكّد بالممارسة – بين اصطفافين، على متغيّرات سيفرضها الميدان العسكري، تتحدّد في ضوئها هوية رئيس الجمهورية، وكلّ من هذين الاصطفافين يُمنّي نفسه بأنّ هذه المتغيّرات ستمكّنه من ادارة الدفة الرئاسية وفق سياسته وتوجّهاته ومواصفاته. فأيّ مراهقة هذه، بل أيّ غباء هذا الذي يراهن على خراب ودمار»؟

وتلفت المصادر الى «انّ اطراف الانقسام الرئاسي تنفي تهمة الرهان على متغيّرات الحرب، ولكن ما يعزّز هذه التهمة ويؤكّدها، هو عدم الاستجابة للنداءات والدعوات المتتالية الى تحصين البلد في وجه العاصفة التي تضرب المنطقة، والإمعان في سدّ الأفق الرئاسي والإجهاز الكامل للمبادرات واحباط كلّ جهد او مسعى يحاول التأسيس لمساحة رئاسية مشتركة، والإمعان في سدّ الافق الرئاسي والهروب من الجلوس على طاولة التوافق والتفاهم، اللذين يشكّلان المفتاح الوحيد لعقد جلسات متتالية بدورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية كإجراء فوق الضرورة والإلحاح، لوضع البلد على سكة الخروج من أزمته، وإعادة انتظام مؤسساته الدستورية وبنيانه السياسي».

وتخلص المصادر الى القول: «وسط هذه الصورة، يبدو أنّ كل طرف قد اتّخذ لنفسه زاوية انتظار لما ستؤول اليه الحرب المتدحرجة من غزة الى جنوب لبنان، ويبدو انّه انتظار طويل وبلا سقف زمني، وخصوصاً انّ أفق هذه الحرب، ومع فشل محاولات احتوائها وإطفائها، يكتنفه غموض واحتمالات مجهولة مزدحمة في الميدان العسكري، يستحيل معها تحديد متى ستضع هذه الحرب أوزارها، وكيف، وايّ واقع جديد سينتج منها بل أيّ منطقة وأيّ لبنان»؟.

المصدر: الجمهورية

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o