Nov 05, 2023 7:30 AM
صحف

ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" غابت عن كلمة نصرالله واستبعد الأسد وسوريا

في قراءة متأنية للمضامين السياسية التي أوردها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مخاطبته جمهوره، مع تصاعد وتيرة الحرب الدائرة بين «حماس» وإسرائيل، لا بد من التوقف أمام الأسباب التي تكمن وراء إغفاله الحديث عن دور الدولة اللبنانية، وعدم إشارته لا من قريب أو بعيد لمروحة الاتصالات الدولية والعربية التي يتولاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لتوفير الحماية للبنان ومنع تدحرج الحرب إلى الجبهة الشمالية، التي ما زالت تشهد مواجهة غير مسبوقة قياساً على ما كانت عليه قبل اجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة.

فخطاب نصر الله، وإن كان اتسم بالواقعية والعقلانية، وأرخى حالة من الاطمئنان على اللبنانيين، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، فإنه في المقابل توخّى منه التوجّه بالدرجة الأولى إلى محازبيه، وأولهم ذوو الذين سقطوا في المواجهة المشتعلة مع إسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية.
ويسأل المصدر السياسي عن تغييبه لثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، التي يصر الحزب على إدراجها في صلب البيانات الوزارية للحكومة اللبنانية، وأيضاً عن إغفاله القرار 1701 وضرورة تطبيقه، خصوصاً وأنه كان وراء إرساء معادلة توازن الرعب في المواجهة مع إسرائيل المحكومة بعدم الإخلال بقواعد الاشتباك، وإن كانت تعرضت للإخلال بها من دون خروجها عن السيطرة، كما هو حاصل اليوم على طول الجبهة الشمالية.

ويلفت إلى أن نصر الله أراد أن يتوجّه إلى «ذوي الشهداء» الذين سقطوا في المواجهة مع إسرائيل، بقوله لهم بأنهم كانوا وراء إشغال العدو واضطراره إلى سحب أفواج من جيشه إلى الجبهة الشمالية، للتخفيف عن الحرب التي تستهدف قطاع غزة، ويقول إن الحزب دخل المعركة منذ اليوم الأول لاجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة، وهو يخوض الآن معارك تأتي في سياق مساندته لـ«حماس»، مع إبقائه على كل الاحتمالات مفتوحة والخيارات مطروحة، ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات في ضوء ما ستؤول إليه مجريات الحرب التي تحشد لها إسرائيل ضد غزة.

ويؤكد المصدر نفسه أن الحزب يخوض معركة مفتوحة ضد إسرائيل، وإن كانت أقل من انخراطه في حرب بلا ضوابط، ويرى أن نصر الله حرص على طمأنة اللبنانيين، في مقابل الإبقاء على إسرائيل في دائرة القلق معطوفة على مجريات الوضع الميداني في غزة.

ويضيف أن خطاب نصر الله اتسم بواقعية، آخذاً في الاعتبار المزاج الشعبي الذي لا يحبّذ استدراج البلد إلى حرب يعرف من أين تبدأ لكنه لا يستطيع أن يتكهّن إلى أين ستنتهي، ويقول إنه يدرك كسواه من القوى السياسية أن لبنان في ظل الأزمات التي تحاصره ليس مؤهلاً للانجرار إلى حرب على غرار حرب يوليو (تموز) 2006.

ويعد المصدر السياسي أن لبنان، بإمكاناته الراهنة، يفتقد إلى مقومات الصمود التي كانت قائمة إبان «حرب تموز»، وهذا ما ظهر للعيان من خلال الصعوبات التي تعترض الحكومة في تأمين الأكلاف المالية المترتبة على وضع خطة الطوارئ التي أعدّتها لاستيعاب ما يترتب على قيام إسرائيل بش عدوان واسع على لبنان.

ويرى أن هناك أكثر من ضرورة لاستحضار الدولة اللبنانية والوقوف خلفها، أو إلى جانبها، لاستيعاب التداعيات المترتبة على لجوء إسرائيل إلى توسيع رقعة النزاع لتشمل الجبهة الشمالية، ويقول إنه لا يكفي تبرئة الحزب وإيران بعدم معرفتهما المسبقة باجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية، بقول نصر الله: «أخذنا علماً بحصوله مثل كل العالم».

ويتوقف أمام ضرورة التناغم بين الحزب والدولة اللبنانية، ممثلة بحكومة تصريف الأعمال، وصولاً إلى توحيد الرؤية لتأمين شبكة أمان سياسية تحظى بدعم عربي ودولي، ويقول إن لا مصلحة للحزب بتغييبها في المطلق كونها تتمتع بمروحة واسعة من الاتصالات ليست في متناوله، في ضوء الانحياز الأوروبي لإسرائيل والتأييد المطلق لها من الولايات المتحدة الأميركية، وإلا لماذا حمّل نصر الله واشنطن المسؤولية الكاملة في منعها إدانتها من جهة، وفي ممارستها حق النقض، الذي حال دون توصل مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار يقضي بوقف إطلاق النار؟

ولا يكفي، كما يقول المصدر السياسي، بأن يسجّل الثنائي الشيعي عتبه الشديد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على خلفية انحيازه بلا شروط لإسرائيل، وهذا ما ظهر جليّاً من خلال توالي الإنذارات الفرنسية للبنان، بأنه لن تكون هناك منطقة لبنانية آمنة في حال قرر «حزب الله» الانخراط في الحرب.

يسأل المصدر السياسي: ما الذي يمنع «حزب الله» من الالتفات إلى الجبهة الداخلية والعمل من أجل تحصينها، بدلاً من أن يخوض منفرداً معركته ضد إسرائيل، ويتصرف وكأنه الآمر الناهي، ويحصر بنفسه قرار السلم والحرب، فلا يتواصل مع رئيس الحكومة للتفاهم على كيفية إدارة المعركة محلياً ودولياً وعربياً، خصوصاً أن الحزب على خلاف مع عدد من الدول ولا يقيم معها أي علاقة، فيما يشتبك سياسياً مع قوى محلية وازنة من غير الجائز تجاهلها؟

ويبقى السؤال: هل يراهن الحزب على تبدُّل في المواقف العربية والدولية، على الرغم من أن واشنطن، كما تقول مصادر أميركية في بيروت، تواجه مشكلة في إقناع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بوجوب الموافقة على هدنة إنسانية تسمح بإيصال المساعدات الضرورية إلى غزة، مع أنها سعت للوقوف إلى جانبه بلا شروط؟ وأين تقف إيران؟ وهل سيكون لها موطئ قدم في الوساطات الجارية لإطلاق المحتجزين لدى «حماس»؟

وعليه يأخذ المصدر السياسي على نصر الله عدم شموليته في خطابه السواد الأعظم من اللبنانيين، بدلاً من أن يحصره بجمهوره ومحازبيه، مع أن لا شيء يمنعه من الدخول في ربط نزاع مع خصومه من موقع الاختلاف، لأن لبنان ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) هو غيره اليوم، وبالتالي فإن الضرورات تبيح المحظورات وتفتح الباب أمام التوجُّه إلى اللبنانيين بخطاب شامل، لأن الأولوية الوحيدة على جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة تبقى محصورة بتحصين الجبهة الداخلية، والنأي بها، ولو مؤقتاً، عن «الحرتقات السياسية» لإخراج البلد من الغيبوبة المفروضة عليه. فهل يبادر الحزب قبل فوات الأوان للانفتاح على خصومه لئلا تبقى المواجهة على الأقل بشقها السياسي في عهدته، وكأن لا شركاء له في الوطن.

وبحسب "النهار" كان لافتاً في حديث نصرالله، تغييب النظام السوري بشكل كامل عن الخطاب، فلم يذكر سوريا لا من قريب ولا من بعيد، وكأنها ليست جزءاً من هذا التحالف الإقليمي العريض بقيادة إيران في المنطقة، ما بدا وكأنّه استثناء متعمّد. علماً ان نصرالله لطالما
أثنى على الدور السوري في أي عملية يقوم بها حزب الله أو أي فصيل ينضوي ضمن محور الممانعة، وكان الدور بحسب نصرالله يتراوح ما بين تسهيل نقل السلاح من إيران إلى لبنان وفلسطين المحتلّة، وتغطية العملية سياسياً وعسكرياً.

وفي المقابل، لم يكن خافياً دور سوريا المتفرّج في ما يتعلّق بالصراع الدائر في غزة، وفي حين اتخذت كل الدول المعنية مواقف على مستوى رؤسائها، كان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، غائباً، واقتصرت المواقف على "الإدانة" من قبل الخارجية السورية، ورغم استخدام الأراضي السورية لإطلاق بضعة تهديدات، إلّا أن المنفّذ كان فصائل إيرانية لا سورية.

لغياب سوريا عن المشهد أسباب كثيرة محتملة، منها ما قد يكون مرتبطاً بالعلاقة الشائكة التي تربط النظام السوري بحماس، على الرغم من المصالحة التي تمت بين الطرفين قبل فترة، فالعلاقة لا يبدو أنها وصلت إلى الحدود المطلوبة من الصفاء بين الطرفين، والنظام السوري قد لا يكون تخطّى مواقف حماس عند بداية الثورة السورية، واشتباكات مخيّم اليرموك بين النظام وحماس، وبالتالي فإنه فضّل البقاء خارج المعادلة.
كما للحسابات الإقليمية والدولية دور في موقف سوريا أيضاً، أولاً، التأثير الروسي في سوريا الذي يعتبر الأكبر حجماً من التأثير الإيراني، وبالتالي فإن الأمر مرتبط أيضاً بروسيا ومواقفها، وثانياً، إن الأسد حاول في الفترة الأخيرة التقرّب من العرب ودول الخليج بشكل خاص، وعدم اتخاذه موقفاً حازماً كإيران قد يحمل إشارات تجاه العرب تحمل في مضمونها نوعاً من التمايز عن إيران وحزب الله، لكن ذلك من المستبعد أن يُصرف عربياً.

موقف مؤثر لروسيا؟

منسّق "التجمّع من أجل السيادة" نوفل ضو يرى أن "عدم تطرّق نصرالله إلى سوريا سببه تخلّف سوريا عن المشاركة في الصراع، هذا الأمر ناتج بجزء منه عن رغبة روسية بتحييد سوريا وعدم استفزاز إسرائيل، لأن موسكو ورغم موقفها من الصراع في غزّة لم تقطع الخطوط مع تل أبيب ولا تُريد التصعيد معها".

وفي حديث لـ"النهار"، يلفت ضو إلى الأزمة الموجودة بين سوريا والإخوان المسلمين وحركة حماس وتركيا، ويُذكّر بمواقف حماس مع بداية الثورة السورية، ليقول إن ذلك قد يكون سبباً في عدم دخول النظام السوري المعركة، خصوصاً وأن حسابات سوريا مختلفة عن حسابات الفصائل الإيرانية، وهذه الحسابات قد تكون منعت الأسد من اتخاذ أي موقف مباشر.

وعن مشاركة النظام السوري في المعركة من خلال نقل السلاح أو ما شابه، يعتبر ضو أن "الأسد لا يمتلك صلاحية السماح بنقل السلاح عبر الأراضي السورية أو منع ذلك، خصوصاً وأن إيران وفصائلها يُسيطرون على مواقع ويستطيعون نقل السلاح دون الأسد".

نصرالله لا يتكلم نيابة عن سوريا!
الكاتب السياسي قاسم قصير يُشير إلى أن "في الحديث عن سوريا، فإن ثمّة حديثاً عن دولة وحكومة تعبّر عن موقفها، ولا يُمكن لنصرالله التكلّم نيابة عنها، عكس الوضع عند الحديث عن الفصائل اليمنية أو العراقية، علماً أنه يُنسّق مع قيادات هذه الفصائل".

وفي حديث لـ"النهار"، يرد على سؤال عن سبب عدم شكر نصرالله لسوريا على أدوارها في نقل السلاح لحماس أو ما شابه، ويعتبر أنّه "قد لا تكون ثمّة مصلحة اليوم للحديث عن دور سوريا، ولكن يمكن لاحقا الإشارة الى ذلك، والهم اليوم لدى محور إيران انتهاء المعركة وتحقيق النصر، وعند ذاك ترسل رسائل الشكر".

إذاً فإن ابتعاد سوريا عن معركة "طوفان الأقصى" بات واضحاً باعتراف محور الممانعة نفسه على لسان نصرالله، ما يُشير إلى أن النظام السوري خارج الحسابات، لكن ذلك لا يعني بتاتاً وجود أزمة بين النظام وإيران، لأن الأسد اليوم أضعف من أن يفتعل أزمة مع إيران أو يؤثّر على الموضوع حتّى، وقراره روسي إيراني بحت.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o