Sep 28, 2023 8:47 AM
مقالات

لبنان بين "رئيس الساحة" و"رئيس الدولة"

عندما تسللت عبارة “الساحة اللبنانية” إلى القاموس السياسي بالتزامن مع إشتعال شرارة حروبنا الأهلية أو ما يفضل البعض تسميته “حروب الآخرين على أرضنا” في سبعينات القرن الماضي، لم يدرك أحد من حطب مواقد تلك النزاعات المستمرة مغزى العبارة التي كانت في مضمونها مقدمة لحالة “الساحة اللبنانية” الفعلية التي نعيشها حالياً: ساحة عصابات تقودها حفنة عرابين تمثل طغمة تحالف المال القذر وسلاح الغدر في مواجهة نخبة وطنية اتّعظت من دروس الماضي وصارت تسعى جاهدة لتحصين الكيان باستعادة صفة “دولة” له كي يحكمها رئيس “منتخب” لا متوافق عليه في الغرف السوداء حيث توزع الحصص على شركاء السوء.

حتى الآن نجحت الطغمة في الحؤول دون انتخاب رئيس يعيد للكيان صفة “دولة” لها “رئيس منتخب” وفقاً للدستور كي يقود عملية إصلاح حقيقية، تبدأ بتطهير البلد من عرابي مافيات الطغمة.
ولكن الطغمة التي أدارت البلد لأكثر من 30 سنة فشلت في فرض انتخاب من تختاره “وتتوافق عليه” مكوناتها ليكون “واجهة رئاسية” ينفذ أوامر المافيات ويصبغ على لبنان زوراً صفة دولة لم يعد لها من يؤيدها سوى من يشبهها في عالم شموليات الفساد وصناعة وتهريب المخدرات.
تمكنت النخبة الوطنية من إفشال محاولات الطغمة لإنتخاب مرشح الممانعة المتوافق عليه سليمان فرنجية خلال 11 جلسة نيابية دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون حليف محور الممانعة الممثل لحزب السلاح الإيراني والمحور الأسدي.
كما أفشلت النخبة المعارضة محاولة بري لتسويق مبادرته الداعية إلى حوار بين الكتل النيابية يستمر لسبعة أيام للتوافق على رئيس وإذا لم يتم التوافق يدعو المجلس النيابي إلى إنتخاب رئيس خلال جلسات “متكررة”.
وأخيراً أعلن بري، الذي يحتفظ بمقعد رئاسة البرلمان اللبناني لسبع دورات متتالية بدأت عام 1992، سحب مبادرته من التداول ما عكس حقيقة فشل الطغمة في الإستمرار بإمساك مقعد رئاسة الجمهورية في دولة منهارة لا تتمتع بأي من مقومات السيادة والإستقلال كما أنّ إمساكها بالأمن الإجتماعي، وحتى بعض الأمن السياسي، يبقى ظرفياً، بغض النظر عن أداء القضاء حيال ما ينجزه الأمن في شقيه الأمني والسياسي.

من غرائب الزمن اللبناني في الشق الأمني هو أن ما رشح حتى الآن من معلومات عن “سير التحقيق” مع مطلق النار على السفارة الأميركية في ضاحية عوكر شمالي بيروت المعروف بإسم محمد مهدي حسين خليل «قد يكون عصبياً أكثر من أي إنسان عادي. وقد عبّر بفعلته وبأفعال مشابهة سابقة عن هذا الحجم من عصبيته».

وذكرت صحيفة الجمهورية أن وزير الداخلية أبلغ وفداً من السفارة الأميركية “كامل التفاصيل والظروف التي دفعته (خليل) إلى فعلته، مما يحتسب على أنّها عملية فردية لا تحتمل أي تفسير سياسي يتخذ من الظروف التي يعيشها لبنان سبباً في ما حصل، ولا يمكن ربطها بأي موقف أو حدث سياسي.”

يبقى السؤال عن ماهية الأعمال السابقة التي قام بها خليل وعبّرت عن عصبيته “المشابهة”؟
يقول مصدر أمني رفيع إن المدعو خليل يحمل بندقية كلاشنكوف ذات عقب يطوى في الحقيبة التي ينقلها على ظهره والمخصصة لنقل ما يوصله إلى الزبائن. وبالتالي قبل السؤال عن عصبيته المرضية المزعومة التي تهيّئ، ربما، لإعلانه غير سويّ نفسياً، وجب التساؤل:

كيف تسمح شركة توصيل (ديليفيري) لأحد موظفيها بنقل سلاح حربي قاتل في “حقيبة المهنة” العائدة للشركة والتي يرجح أنها تحتوي على مخبأ سري للسلاح، على إفتراض أن “أمن شركة الديليفيري”، إذا وجد، يدقق في مقتنيات العمال وعدة العمل.

وأضاف المصدر الرفيع أن خليل “كان قد أطلق النار مرتين على مركز الأمن العام لتوزيع جوازات السفر في بيروت زاعماً أن حراس المركز الذي يغص بالطوابير قد أهانوه.”

وأوضح أن خليل أطلق النار على مركز الأمن العام في المرتين من البوليفار المشرف على الطوابير المكتظة عادة بالمواطنين المنتظرين للحصول على جوازات السفر وفرّ من دون التمكن من إلقاء القبض عليه قبل الآن وزعم خلال التحقيق الأخير معه أن حراس المركز أهانوه، وهو نفس العذر الذي استخدمه ليقول إن حرس السفارة الأميركيه قد أهانوه”.
وتساءل المصدر الأمني الخبير: “هل هو اعتراف ملقّن لُقّم لخليل كي يساهم في تصنيفه غير عاقل؟”
وختم بقوله: “سأكتفي بهذا القدر من التساؤلات الآن ولن أسأل عن الطريق الذي استخدمه العاقل جداً للتسلل إلى مقر السفارة الأميركية المحروسة أكثر من المراكز العسكرية والأمنية اللبنانية.”

وفي سياق التناقضات اللبنانية الركيكة التي يعتمدها بعض الإعلام للترويج لمسارات سياسية تخدم ثنائي الطغمة تتردد جعدنات على نسق مقالات تتحدث عن تقدّم في المفاوضات الأميركية-الإيرانية والسعودية-الإيرانية بما يخدم تسوية مزعومة تقوم على مقايضة مكسب سعودي مزعوم في اليمن بتعزيز قدرة حلفاء إيران في لبنان على الإحتفاظ بمكتسبات كانوا قد حقّقوها سابقاً ما يمكنهم من الإحتفاظ بقدرتهم على الإمساك بالقرار اللبناني.

مروّج هذه الجعدنات فاته أن في بداية هذا الأسبوع، وتحديداً يوم الإثنين، أعلن الجيش البحريني في بلاغ عن “استشهاد ضابط وفرد (عنصر)، وسقوط عدد من الجرحى” نتيجة هجوم بمسيرات حوثية على جنوبي السعودية.
فأي مكسب ستحققه السعودية من التصعيد الحوثي، وهل أساساً المملكة مستعدة لأي مقايضة مع إيران على حساب أي طرف ثالث؟

يتناسى بوم الممانعة أن أميركا كما السعودية تدفع لإيران “من حساب إيران” لا من حساب طرف ثالث، ما يكشف كابوس أتباع الطغمة الذين يحاولون إطفاء نيرانه بالإيحاء بأنهم سيحتفظون بنموذج “رئيس للساحة” اللبنانية الذي حكموا لبنان بموجبه لمدة أكثر من 30 عاماً حتى الآن منذ إنتخاب الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني سنة 1989 بعد يومين من إغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض الذي كان قد إنتخب في 5 تشرين الثاني من نفس السنة.
السؤال يبقى: هل ستستعيد المعارضة الوطنية زمن “رئيس للدولة” قادر على قيادة الإصلاح وتنقية البلد من “رؤساء الساحة”؟

محمد سلام - هنا لبنان

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o