Sep 19, 2023 1:47 PM
مقالات

الحوار للأحرار

الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليس مأموناً ولا مضموناً. فقد بدأ أول حوار جدي آخر، أسفر عن اعلان بعبدا تلبية للدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، انعقدت هيئة الحوار الوطني يوم الإثنين بتاريخ 11/6/2012 في مقر رئاسة الجمهورية في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ومشاركة افرقاء الحوار، وقد تغيّب منهم دولة الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، كما تغيب الوزير محمد الصفدي بداعي المرض.

بعد الوقوف دقيقة صمت إجلالاً لروح الراحل الكبير الأستاذ غسان تويني العضو السابق في هيئة الحوار، افتتح فخامة الرئيس الجلسة بإبراز الحاجة الملحّة التي دفعته للمبادرة للدعوة الى استئناف اعمال هيئة الحوار، والتي جاءت لتؤكدها الأحداث المؤسفة الأخيرة وخصوصاً في الشمال وتداعياتها السلبية على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، في وقت يتحضر فيه لبنان لموسم الإصطياف ولزيارة قداسة البابا الرسمية لأراضيه منتصف شهر ايلول المقبل، وهو البلد الذي يتوجب على اللبنانيين المحافظة عليه كرسالة حرية وعيش مشترك وحوار. وبعدما استعرض ما حققته الهيئة من ايجابيات في جلساتها السابقة ولاسيما منها مواكبة استحقاقات السنوات الأربع المنصرمة في اجواء ديمقراطية وهادئة، تطرق فخامة الرئيس الى الاعتبارات التي أدّت الى توقف اعمالها؛ مؤكداً ضرورة تذليل العقبات التي تقف في وجه نجاحها في تنفيذ قراراتها السابقة، وفي المضي بأعمالها بانتظام وثبات لغاية تحقيق كامل الأهداف الوطنية التي انشئت من أجلها. 

ولفت في هذا المجال الى ما حصل من وقائع وأحداث وتطوّرات داخلية واقليمية ودولية جديدة منذ توقف اعمال هيئة الحوار. تمت مناقشة عامة لبنود جدول الأعمال كما طرحها فخامة الرئيس، كذلك تمّ الإستماع الى آراء ومواقف افرقاء هيئة الحوار بمواضيع مختلفة وطارئة تستلزم اهتماماً ومعالجات فورية. 

وبنتيجة التداول تم التوافق على النقاط والمقررات الآتية: 
1. التزام نهج الحوار والتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.

2. التزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.

3. دعوة المواطنين بكلّ فئاتهم للوعي والتيقّن، بأنّ اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدّي إلى خسارة محتّمة وضرر لجميع الأطراف ويهدّد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة.

4. العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعيّة لحلّ أيّ خلاف أو إشكال طارئ.

5. دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنيّة، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنيّة الشرعيّة من التعامل مع الحالات الأمنيّة الطارئة وفقاً لخطة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار.

6. دعم سلطة القضاء تمكيناً من فرض أحكام القانون بصورة عادلة ومن دون تمييز.

7. الدعوة إلى تنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانيّة.

8. دعوة جميع القوى السياسيّة وقادة الفكر والرأي إلى الابتعاد عن حدّة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كلّ ما يثير الخلافات والتشنّج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقّق الوحدة الوطنيّة ويعزّز المنعة الداخليّة في مواجهة الأخطار الخارجيّة، ولا سيَما منها الخطر الذي يمثّله العدوّ الإسرائيلي، وبما ينعكس إيجاباً على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصاديّة والسياحيّة والأوضاع الاجتماعيّة.

9. التأكيد على ضرورة التزام ميثاق الشرف الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي، بما يساهم في خلق بيئة حاضنة ومؤاتية للتهدئة ولتكريس لبنان كمركز لحوار الحضارات والديانات والثقافات.

10. تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة.

11. التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده .

12. تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.

13. الحرص تالياً على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرّاً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحقّ في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفول تحت سقف الدستور والقانون .

14. التزام القرارات الدوليّة، بما في ذلك القرار 1701. 

15. مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليّات لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.
16. اعتبار هذا البيان مثابة «إعلان بعبدا» يلتزمه جميع الأطراف وتبلّغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربيّة ومنظمة الامم المتحدة.

وقد شارك في الحوار ليس اركان السلطة والسياسة والمعارضة والحاكمين بل حرص الرئيس سليمان وقتها على اشراك رجال الفكر والثقافة والعلم المشهود لهم لبنانيا وعربياً ودولياً هكذا دُعي البروفسور فايز الحاج شاهين الى المشاركة في الحوار وأبدى كثيراً من الآراء التي كان لها صدىً عظيماً في الحكمة ومصلحة لبنان! 

وقد أُبلغ "اعلان بعبدا" الى الأمم المتحدة والى الجامعة العربية فأصبح وثيقة دولية واقليمية معترف بها. 

ولما جاء وقت تطبيق هذا التحييد قال لهم حزب الله "نقعوه وشربوا ميتو"! 

وهذا يثبت اننا في لبنان كما في البلاد العربية لم نتعوّد بعد اسلوب الحوار، فحواراتنا حملات كراهية وحروب بالكلمات وليس هناك ضمان لأي صاحب رأي يبديه بكل الموضوعية ان يجد رأيه في النهاية ذخيرة لمدافع لم يصنع لها في حملات الكراهية وحروب الكلمات. 

ولبنان ليس فريداً في موضوع فشل الحوارات الصريحة، فهناك قصة شهيرة عن خروشوف حينما وقف في اجتماع من الإجتماعات التي كان يعقدها الحزب الشيوعي السوفياتي في روسيا، وقتها وقف خروشوف يهاجم عهد ستالين ويتحدث عن المظالم التي وقعت فيه! 
وتلقى خروشوف اثناء الإجتماع ورقة مطوية من أحد الحضور كتب فيها: 
"أيها الرفيق نيكيتا خروشوف.. وأين كنت أنت عندما جرى هذا كله". 

وقرأ خروشوف الورقة على حضور الإجتماع ثم لاحظ ان مرسل السؤال لم يضع توقيعه عليه، وسأل: 

من هو صاحب هذا السؤال.. انني اطلب منه الوقوف لكي أرد عليه.
ولم يقف أحد.
وساد الصمت على الإجتماع كله..

ثم قال خروشوف: 
هذا الصمت هو اجابة السؤال.. لقد كنت مع الرفيق الذي لم يضع توقيعه على ورقة ارسلها الي!". 

فحزب الله يقف هذه الأيام موقف المنادي بالحوار للخروج من الأزمة التي نتخبط فيها. 
ولكن تجارب الحوار الكثيرة "نقعت وشربوا ماءها". 

فالحوار الذي يدعو اليه الرئيس نبيه بري، ماذا يضمن ان ينفذ ما يتوصل اليه المحاورون كما حصل سابقاً؟ وماذا يضمن ان يقول ويصارح المتحاورون بصراحة وصدق ما يرونه طريقاً لخلاص البلد. 

فقد اسفر حوار الطائف عن "اتفاق الطائف" وكان مشروعاً لإنهاء الحرب الأهلية!!! وكان اتفاقاً اخذ الطابع الدولي ايضاً من حيث ابلاغه للأمم المتحدة والى الجامعة العربية ولكن "اتفاق الطائف" بقي حبراً على ورق ولم يُطبق منه الا اسطراً قليلة! 

والأهم الأهم أُغفل منه، وغير المهم طُبِّق! فكان الحوار له شروطه وله سوابقه وله ضماناته التي تؤكد تطبيق ما يُتَّفق عليه. 

"ومن جرّب المجرّب" كان عقله مخرّب! 

هذا المثال قاله الرئيس نبيه بري ذاته، فالحوار يجب ان يضمن ما يتوصل اليه المتحاورن ولا بأس ان تشارك به الأمم المتحدة والدول العظمى لضمان تنفيذه وحتى لا يحصل في هذا الحوار ما حصل "بإعلان بعبدا" وبالسلاح الفلسطيني وباتفاق الطائف والحوار اذا عُقد فإن نجاحه يتوقف ليس على المشاركين به وهم اهل السياسة، ولكن اهله النخبة يجب ان يشاركوا به وان توضع ضمانات للتنفيذ والا بقي حبراً على ورق.

عبد الحميد الاحدب - النهار

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o