Aug 08, 2023 6:27 AM
مقالات

هل يكفي الهذيان السياسي لحماية لبنان؟

قابل المسؤولون في لبنان تحذيرات العديد من السفارات لا سيما الخليجية منها  لرعاياها بتوخي الحيطة والحذر في لبنان أو بدعوتهم للمغادرة باستغراب شديد، وسبق ذلك بأيام مواقف رسمية وحزبية جمعت بين التجاهل والتزام الصمت عند البعض والإكتفاء بتوصيف ما يجري والتهرب من المسؤولية عند البعض الآخر، حيال إشتباكات دامية عاشها مخيم عين الحلوة وعاشتها مدينة صيدا والمواطنون العابرون نحو الجنوب لأيام عديدة.

حالة الإستغراب التي عبّر عنها المسؤولون هي حقاً ما يدعو للإستغراب في غياب عوامل الإطمئنان والإستقرار على المستويات كافة. وأما محاولات الخارجية اللبنانية التواصل مع السفارات لاستيضاحها أسباب التحذيرات لمواطنيها فذلك قمّة في السذاجة أو في اصطناعها، أو محاولة للتظاهر بطفولية سياسية لا يمكن إيجاد ما يبررها. فكيف تطمئن الدول العربية أو الغربية على رعاياها في لبنان بعد الفشل المتمادي الذي اختبرته لسنوات طويلة في تكوين السلطة وتطبيق القرارات الدولية وغياب القدرة على حماية السيادة الوطنية إلى جانب شبهات دائمة في ميادين الفساد وهدر المال العام والحوكمة الرديئة؟ 

ما هي المصداقية المتوخاة من القول أن الوضع في مخيم عين الحلوة هو تحت السيطرة، وهل يمكن الركون الى وقف إطلاق النار  الذي توصل إليه المتقاتلون دون أية ترتيبات أو إجراءات حقيقية لتأكيد أن ما حصل لا يمكن أن يتكرر؟ أليس الوضع القائم حالياً في المخيم شبيهاً بما كان عليه قبل اندلاع الإشتباكات؟ وهل كانت الحال في حينه تحت السيطرة؟ وهل الإبقاء على الإجراءات المتخذة كاف لمنع الإقتتال بين فصائل فلسطينية متناحرة ليس فقط على السلطة بين رام الله وغزة بل على خيار الإلتحاق بمحاور إقليمية خارجة عن الإجماع العربي والقرارات الدولية ذات الصلة؟ إن التعبير اأاكثر واقعية عن العجز السياسي في لبنان هو  في انقسام السلطة بين الفريقين المتنازعين في عين الحلوة، هذا ما حال دون تنفيذ القرار الذي اتّخذته طاولة الحوار الوطني منذ العام 2006، وهو  ما أصبح أكثر تجذراً مع تحول هيمنة الميليشيات على الدولة إلى نموذج في ممارسة السلطة في أكثر من دولة عربية. 

إن المزيد من امتهان السذاجة في السياسة لا يعفي القيمين على المؤسسات الدستورية أو  الأحزاب السياسية من مسؤوليتهم حيال اللبنانيين، لا سيما مع توافر العديد من المؤشرات التي لا يمكن تجاهلها. تقدم أحداث عين الحلوة نموذجاً لسياسة الهروب الى الأمام وإقراراً بالعجز عن حماية اللبنانيين حيث يكتفي المسؤولون بالقول أن الإشتباكات لن تنتقل الى مخيمات أخرى في الوقت الذي يقدمون الأرضية الملائمة لهذه الاشتبكات.

لقد حفل الأسبوع المنصرم بجملة من المعطيات الإقليمية المتصلة بالوضع اللبناني على المستويين السياسي والأمني، والتي قد تؤشر الى توترات لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها. إن تأجيل إفتتاح السفارة السعودية في طهران ووقف مسار تبادل التمثيل الدبلوماسي بين المملكة وسوريا وإبلاغ السفير السوري في الرياض أنه شخص غير مرغوب فيه، تؤشر  بمجملها الى ترنح الإتفاق السعودي الإيراني،  وربما الإعلان عن تجميده أو إسقاطه، ما قد يعني عودة التوتر الى العلاقات بين السعودية وإيران. وهذا يعني إحتمال عودة استخدام لبنان كمنصة إعلامية في المواجهة التي قد تفتح مع المملكة.

من جهة أخرى يعبّر التوتر الأميركي الايراني في شمال شرق سوريا لا سيما بعد إعلان واشنطن عن إقفال المعابر  مع العراق وتعزيز وجودها العسكري في منطقة البوكمال، إلى جانب استقدام 3 آلاف من قوات المارينز الى منطقة الخليج العربي، عن مرحلة جديدة من التوتر في المنطقة قد تفضي الى مواجهات خطيرة ليس لبنان بمنأى عنها. إن إقفال الحدود السورية العراقية سيعزز دور مطار رفيق الحريري الدولي في الإمداد اللوجستي مما يضعه كأولوية على قائمة الأهداف الأميركية، كما أن أيّاً من المواجهات المحتملة ستضع لبنان في عين العاصفة.

أين يقف مسؤولو لبنان من كل هذه المتغيّرات؟ وكيف يمكن طمأنة اللبنانيين ومعهم الرعايا العرب والأجانب أن الوضع سيبقى تحت السيطرة مع استمرار حالة الهذيان السياسي التي تعيشها المؤسسات الدستورية ومعها القوى السياسية الأخرى؟ وهل يكفي الإستمرار في تجاهل ما يجري لحماية لبنان؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o