Jul 07, 2023 6:17 AM
صحف

نواب الحاكم يهدّدون بالفراغ الأخطر.. والحزب يتمايز عن بري

بدت كل الرهانات على نهاية آمنة اوانتقال سلس عقب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في نهاية تموز الحالي، مهددة باخطر ما تماثل من سيناريوهات رسمها بيان غير مسبوق لنواب الحاكم الأربعة يلوحون فيه، بل يهددون عمليا، بالفراغ الشامل في حاكمية المصرف عبر استقالاتهم الجماعية ان لم يعين مجلس الوزراء حاكما اصيلا بديلا قبل نهاية ولاية سلامة. البيان الصادم الذي أصدره النواب الأربعة لحاكم المصرف المركزي، شكل سابقة اذ عكس جدية قصوى لديهم وتوافقا كاملا ظاهريا في ما بينهم حيال اطلاق صدمة استثنائية للسلطة الحكومية والقوى السياسية قاطبة عبر الضغط بالتهديد بالاستقالة في حال عدم تعيين حاكم جديد للمركزي قبل نهاية تموز. ولكن معطيات أخرى اشارت الى ترجيح ان يكون هذا التطور نتيجة توافق بين نواب الحاكم وكل من رئيسي مجلس النواب والحكومة لاحداث امر واقع يفضي الى تعيين مجلس الوزراء حاكما جديدا خلال أسبوعين.

هذا التطور وضع لبنان امام استحقاق يتجاوز بتداعياته الحرجة تلك التي تشبه تداعيات الفراغ الرئاسي لاعتبارات أساسية ليس اقلها خطورة ان الاستقرار المالي في حدوده الدنيا سيغدو مهددا بقوة بما يترتب عليه نشوء مرحلة غير مسبوقة بغموضها وتفلتها من الضوابط في حال تحقق فعلا الفراغ الشامل على مستوى حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي للحاكمية بنوابه الأربعة الامر الذي يطلق العنان لتداعيات فوضى مالية ومصرفية لم يسبق ان شهدتها البلاد منذ اللحظة الأولى للانهيار الذي بدآ عام 2019. وسواء صحت الاجتهادات التي اطلقها بيان النواب الأربعة للحاكم ام لم تصح، وابرزها امكان اللجوء الى التمديد لرياض سلامة على الصعوبة الكبيرة التي يتسم بها هذا الخيار الشاق ، فان التهديد بالاستقالة وضع الحكومة والقوى السياسية وجها لوجه امام سابقة الرضوخ للسلطة المالية والمصرفية الأعلى في البلاد بما يرشح الفترة المتبقية من ولاية سلامة لتوهج ضاغط كبير ليس لبت الخيار الممكن والمتاح لملء فراغ الحاكمية فقط بل للدفع قدما أيضا نحو اختراق الانسداد الذي يحكم ازمة انتخاب رئيس الجمهورية.

وترصد الأوساط المالية والاقتصادية بدقة عالية ماذا ستكون عليه مواقف القوى السياسية من هذا التطور اذ من المعروف ان القوى المسيحية الأساسية تجمع على رفض التسليم بصلاحية حكومة تصريف الاعمال في تعيينات الفئة الأولى بما يعني رفض تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.

وسيرتب البيان الضاغط لنواب الحاكم صراعا خطيرا واتجاهات نحو خيارات قد لا يكون أيا منها متاحا ما لم يحصل توافق واسع على أي منها علما ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اكد انه مع “تعيينات الضرورة” وان الضرورات تبيح المحظورات كما ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤيد الاتجاه الى تعيين حاكم للمركزي قبل نهاية ولاية سلامة .

ولعل العامل البارز في ترددات بيان نواب الحاكم تمثل في التمايز في موقف “حزب الله” عن موقف حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، اذ ابلغ الحزب المعنيين امس انه ضد تعيين حاكم لمصرف لبنان في ظل الحكومة الحالية وانه لن يحضر جلسة لمجلس الوزراء لتعيين حاكم وهو مع تسلم النائب الأول للحكم مسؤولياته بعد انتهاء ولاية سلامة .

وتضمن بيان نواب حاكم مصرف لبنان تشديدا “على ضرورة تعيين حاكم جديد عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت ممكن وإلّا سنضطر إلى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسبًا للمصلحة العامة”. واعتبروا انه “في غياب خطة شاملة وواضحة لاعادة التوازن المالي والمصرفي، كما وتحقيق توازن في موازنة الدولة، مما يسمح للمصرف المركزي بوضع الاسس النقدية والمالية لاعادة الثقة، لا يجوز ان ينسحب مفهوم تصريف الاعمال الى السلطة النقدية الاعلى في الدولة، لذلك، ومع إقتراب تاريخ انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في ٣١ تموز ٢٠٢٣، نرى من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف في أقرب وقت، وإلا سنضطر الى اتخاذ الإجراء الذي نراه مناسباً للمصلحة العامة”.

وفي هذا السياق، بدا التحذير من “إجراءات” وكأنّه تلويح باستقالة النوّاب الأربعة، وهو ما أشار إليه نائب الحاكم سليم شاهين، الذي قال في حديث لـ”رويترز” إنّ النوّاب الأربعة “قد يستقيلون جميعاً”، ما لم يتمّ تعيين حاكم جديد للمصرف بعد انقضاء مدّة الحاكم الحاليّ رياض سلامة نهاية هذا الشهر.

وقالت مصادر متابعة للملف لـ”النهار” أنّ “المصرف المركزيّ أمام ثلاثة خيارات لا رابع لها، إمّا تعيين الحكومة حاكماً جديداً لمصرف لبنان، وإمّا استلام النائب الأوّل وسيم منصوري مهام الحاكميّة، وإمّا تمديد الحكومة ولاية سلامة”. وقرأت المصادر في تحذيرات النوّاب الأربعة تلويحاً بالاستقالة وعدم رغبة منصوري في الحلول مكان سلامة، وحذّرت من “سيناريو الفراغ التامّ في حاكميّة مصرف لبنان في حال لم تستدرك الحكومة الوضع، ولم تعيّن حاكماً جديداً أو تُمدّد لسلامة، لأنّ حينها، يُصبح “المركزيّ” دون إدارة فعليّة، والقانون لا يُجيز نقل صلاحيّات هذا الموقع إلى أيّ موقع آخر”.

صعوبة المهمة: من جهة أخرى، اعتبرت اوساط مواكبة لتطورات ملف مصرف لبنان ان البيان الصادر عن نواب الحاكم الأربعة «يندرج في إطار محاولة الضغط، خصوصا على الكتل المسيحية، لتعيين حاكم جديد قبل نهاية ولاية سلامة في أواخر تموز الحالي». وقالت هذه الاوساط لـ«الجمهورية» ان النواب الأربعة «يَتهيّبون على ما يبدو الموقف ويعرفون صعوبة المهمة التي تنتظرهم في حال عدم تعيين حاكم أصيل للمصرف المركزي». ولكنها أكدت استحالة تعيين حاكم في الفترة الفاصلة عن انتهاء ولاية سلامة في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال واستمرار الشغور الرئاسي. ولفتت الى «ان الخيار الاضطراري الذي ربما لا مفر منه في نهاية المطاف هو تسلّم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري صلاحيات سلامة».

الى ذلك قالت مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ«الجمهورية» انها فوجئت ببيان نواب الحاكم. وقالت ان مثل هذا البيان يفتح المجال أمام مجموعة من التفسيرات غير المفهومة حتى اليوم في ظل ما تحتمله من مواقف وقراءات متناقضة، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام مناقشات دقيقة لا بد ان تخضع لها هذه المواقف فهي لم تصدر عن موظفين عاديين انما عن مجموعة من المسؤولين الكبار المكلفين إدارة ملف بدقة واهمية النقد الوطني ومهمات حاكمية مصرف لبنان. واعتبرت ان الحديث عن تعيينات مستحيلة أمر لا يستقيم، فالضرورات ستحتّم على الحكومة اتخاذ مواقف نهائية وضرورية قد لا يكون هناك اي مفر منها ان تطورت الامور الى مرحلة لا يمكن مواجهتها إلا بمثل هذه القرارات فهناك كثيرا مما كان مستحيلا وقد صار أمرا واقعا.

وقال احد الخبراء الاقتصادييين لـ«الجمهورية» ان البيان الذي اصدره نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة يطرح كثيرا من التساؤلات، اولاً من ناحية التوقيت حيث كان البلد في جو ان النائب الاول للحاكم الدكتور وسيم منصوري زار واشنطن وكانت الاجواء ايجابية، وبالتالي كانت هناك تحضيرات ليتسلم دفة قيادة حاكمية مصرف لبنان بعد انتهاء وكالة الحاكم رياض سلامة في نهاية تموز الجاري، وبالتالي فإنّ التساؤل الاول حول هذا الموضوع بالذات هو هل ان هذه الاجواء الايجابية لا تعكس الواقع، وبالتالي هناك اعتراض في مكان على تسلم الدكتور منصوري للحاكمية سواء من الجهة الاميركية ام ان هناك تغييرا في الموقف من الجهة اللبنانية، والمقصود قد يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان مترددا في السابق في قبول أن يستلم منصوري الحاكمية وبَدّل رأيه الآن. اما التساؤل الآخر فهو هل يلعب نواب الحاكم دورا في الموضوع السياسي بمعنى هل يحاولون التأثير على موضوع حكومة تصريف الاعمال للضغط عليها لتعيين حاكم؟ وبالتالي اذا اردنا تفسير هذا الموقف في السياسة نصبح ملزمين بالقول انهم يدعمون موقف رئيس حكومة تصريف الاعمال الذي يميل الى التعيين في حين ان قوى سياسية اخرى كثيرة ومن بينها كان حزب الله يرفضون ان تقوم حكومة تصريف الاعمال بتعيين حاكم للمركزي، وبالتالي هذا سؤال يصرّف بالسياسة. اما السؤال الاهم: هل هناك عودة الى السيناريو القديم الذي تم تسريبه منذ شهر، والذي يقول بأن يتم دفع نواب حاكم مصرف لبنان الى الاستقالة الجماعية بالتزامن مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان بحيث تصبح قيادة المصرف المركزي» خالية تماماً، ولأن القانون لا يلحظ من يتسلم القيادة في مثل هذه الحال بحيث اذا كان الحاكم قد خرج ... ونوابه جميعا خرجوا بالاستقالة لا يلحظ القانون كيف يكون الحل وبالتالي هل السيناريو القديم سيعود اي يستقيل نواب الحاكم وتنتهي ولاية الحاكم، وبالتالي تتلقف الحكومة الكرة وتقول بما اننا اصبحنا في فراغ تام وحاكم مصرف لبنان ونوابه جميعا اصبحوا خارج الخدمة، نطلب منهم بمرسوم اداري او ما شابه ذلك تصريف الاعمال او الاستمرار في تسيير وتشغيل المرفق العام في انتظار ملء الفراغ، وبالتالي وبهذه الطريقة يكون حاكم مصرف لبنان ونوابه قد بقوا جميعا في مراكزهم واكملوا مهماتهم وكأن شيئا لم يكن. وهذا السيناريو يريح الحكومة من الاحراج في الداخل وتجاه المجتمع الدولي على اساس انها تبدو في مظهر المضطر لاتخاذ هذه الاجراءات لأن الفراغ اصبح شاملا على مستوى الحاكمية ونواب الحاكم.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o