Apr 21, 2023 6:16 AM
صحف

ماذا وراء "تبرؤ" باريس من دعم فرنجية؟

بما يشبه سكب المياه الباردة على الرؤوس الحامية، جاء النفي الفرنسي المفاجئ لدعم باريس ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ليثير مزيدا من التخبط واللغط اللذين يطغيان على المشهد الداخلي واللذين كانت “النهار” اشارت اليهما امس كعلامة فارقة تواكب تصاعد “صراع الرهانات” في لبنان عقب الهجوم الارتدادي الذي تتولاه الجهات الداعمة لترشيح فرنجية منذ زيارته الأخيرة لبكركي واعلانه منها بيانه الترشيحي. واذا كانت التساؤلات الأولية تمحورت داخليا حول انعكاس “تبرؤ” باريس من أي تورط في دعم أي مرشح، كما اكدت الخارجية الفرنسية في موقفها المفاجئ امس، فان ثمة تساؤلات أخرى لا تقل أهمية ودلالة أثيرت لدى أوساط سياسية وديبلوماسية من ابرزها: لماذا تأخرت باريس الى البارحة في وضع حد حازم لتوظيف اسمها في السباق الرئاسي اللبناني ولم تبادر الى ذلك قبل الان؟ وهل ثمة عوامل خفية اصطدمت بها باريس بجدية حاسمة في اندفاعها نحو تسويق معادلة دعم ترشيح فرنجية في مقابل تعيين نواف سلام رئيسا للحكومة وقيام حكومة إصلاحية أدت الى نفيها الرسمي لدعم فرنجية ؟ والاهم ما هي حقيقة مواقف الشركاء الأربعة الاخرين لفرنسا ضمن خماسي الدول المهتمة والمتابعة للازمة الرئاسية اللبنانية وهي الى فرنسا الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، من “المبادرة” او الوساطة الفرنسية؟ وهل فعلا حصل أي تغيير إيجابي في الموقف السعودي من ترشيح فرنجية ام ان هذا الموقف لا يزال على تحفظه الثابت من لعبة الأسماء كلا ؟

بحسب التفسيرات الغالبة لبنانيا، يبدو الموقف الفرنسي نتيجة حذر شديد من توريط باريس في التوظيفات السياسية المضخمة التي سادت الساحة الداخلية في الأيام الأخيرة منذ اندفع الفريق المؤيد لفرنجية في تسويق وتعميم هجوم مضاد محوره الزعم بنجاح فرنسا في انتزاع مرونة متقدمة من السعودية حيال ترشيح فرنجية. اذ ان ذلك رتب محاذير على باريس ودورها ان لجهة الانعكاس السلبي على ما يدور حقيقة في كواليس المشاورات بين دول الخماسي، او لجهة “النقزة” المتعاظمة لدى جهات لبنانية عديدة تصنف تقليديا وتاريخيا في خانة أصدقاء فرنسا حيال ما باتت تراه هذه الجهات من انحياز وعدم موضوعية في الدور الفرنسي، وهو امر صار ينذر بعواقب غير مسبوقة على هذا الدور وفعاليته المحتملة. ويرجح ان تكون هذه المناخات وراء استدعاء باريس لسفيرتها في بيروت ان غريو في الأيام الأخيرة وتزويدها بتوجيهات جديدة قبل عودتها الى بيروت في الأيام القليلة المقبلة.

وفي أي حال يتعين انتظار مزيد من المعطيات والمعلومات لتبين الدوافع الكاملة وراء هذا الموقف وحقيقة المجريات التي تمر بها المشاورات المتصلة بملف الازمة اللبنانية. وفي هذا السياق كانت وزارة الخارجية الفرنسية اكدت أنّ باريس “ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان” لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر منذ ستة أشهر. وبحسب “وكالة الصحافة الفرنسية” قالت المتحدثة باسم الوزارة آن- كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحافي امس: “على اللبنانيين اختيار قادتهم”، في إشارة إلى الرسالة التي بعثتها باريس في الأشهر الأخيرة. واكدت المتحدّثة أنّ “على الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة”، قائلة انّ الشغور “يلقي بظلاله أولاً على الشعب اللبناني”.

وأضافت: “يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مع كامل الصلاحيات تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان والشعب اللبناني بشكل عاجل في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّان بها”. وأشارت الوزارة إلى أنّ فرنسا تجري “اتصالات كثيرة مع الجهات السياسية لبنانية”.

من جهة ثانية، أشارت "اللواء" الى ان التكهنات تكثر حول مدى حظوظ رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية لجهة التقدم الثابت نحو قصر بعبدا رئيساً للجمهورية، طال خلو الرئاسة الأولى أم قصر، وسط صمت مريب، يعتمدة مرشح 8 آذار، وهو يحضر أوراقه للمضي قدماً في مشوع الرئاسي او الانسحاب، بطريقة تحترم مكانته السياسية وتاريخه السياسي ايضاً، اذا ما اقتضت معطيات التفاهمات الكبرى، هذا التوجه أو ذاك..

ولحظت مصادر سياسية ان المرشح الرئاسي فرنجية، المدعوم من ثنائي امل- حزب الله أرجأ او ألغى اطلالته الاحد المقبل مع برنامج «وهلق شو» على قناة الجديد، ليحل مكانه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ضيفاً رافضاً للمرشح فرنجية او سواء المدعوم من قوى 8 آذار.

وقالت اوساط مراقبة لـ«اللواء» أن الموقف الفرنسي الذي صدر عن وزارة الخارجية يستأهل التوقف عنده وعند توقيته لاسيما تأكيده أن باريس «ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان» لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر منذ ستة أشهر.

ولفتت هذه الأوساط إلى أن هذا الموقف المعلن يحمل في طياته إشارات متعددة أبرزها عدم الخروج عن ثوابت ما صدر في اجتماعات خارجية سابقة لجهة أن «على اللبنانيين اختيار قادتهم». ودعت «إلى انتظار ردود الفعل على هذا الموقف والذي ترافق مع دعوة الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة».

ورأت أن البيان جاء بعيد زيارة رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية إلى بكركي ومواقفه ولاحظت أن لا مبادرات جديدة في الملف الرئاسي والحراك حوله لم يتقدم بأي شكل ولولا زيارة فرنجية لكان الملف في جمود كلي.

وعليه، فحسب دبلوماسيين في بيروت ان ترشح فرنجية دخل فعلياً في «المرحلة الرمادية» بانتظار بلورة حصة لبنان من التسويات الكبرى، ويلاحظ هؤلاء ان فرنسا انكفأت الى الغرف المغلقة، بعد الاعلان عن ان لا مرشح لها للرئاسة، ونفضت يدها عما يحكى عن تسوية نلحظ انتخابات الرئاسية وتسوية رئيس الحكومة الاصلاحية، امتداداً الى الوزراء والبرنامج، في ضوء اتصالات فرنسية مستمرة على مراجع رفيعة سياسية وروحية لبنانية، من بينها اتصالات مع الرئيس نبيه بري.

وكان المصدر ان باريس تشجع الرئيس بري على الدوة مجدداً للحوار اللبناني.

وكشف قيادي في «الثنائي الشيعي» لـ «اللواء» ان الرئيس بري يعتزم الدعوة مجددا لحوار لباني- لبناني، مع تحرك فرنسي باتجاه القيادات المسيحية، عبر دعوة كل من «القوات اللبنانية» والتيار الوطني الحر الى زيارة فرنسا والاجتماع مع المسؤول عن الملف الرئاسي اللبناني باتريك دوريل، وسط معلومات عن ضمانات فرنسية للمسيحيين اذا اقتضى الامر.

ويقول دبلوماسي اوروبي بأن على المسيحيين الذهاب الى التسوية الرئاسية برضاهم او غصبا عنهم، كاشفا عن معطيات حول ارسال السعودية اشارات ايجابية حول التسوية الفرنسية، حيث ابدت استعدادا للبحث بالاسماء الرئاسية المطروحة، واعلنت للمرة الاولى بشكل واضح عدم مناعتها خيار فرنجية.

مما يؤشر ان درب فرنجية الى القصر الجمهوري باتت ميسَّرة أكثر.

وفي هذا الوقت، تتحدث مصادر عن بروز كتلة نيابية قوامها النواب الياس بوصعب، آلان عون وابراهيم كنعان وسيمون ابي رميا تعمل بالتنسيق مع بعضها للتوجه الى انتخاب فرنجية، اذا اقتضت المصلحة المسيحية او الوطني ذلك، من جانب توفير الميثاقية المسيحية لانتخابه.

ما بعد العطلة غير ما قبلها رئاسياً: وفي سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" أنّ الاتصالات ناشطة بين كل العواصم العربية والدولية المهتمة بالوضع اللبناني، في شأن الاستحقاق الرئاسي، وتتركّز كل هذه الاتصالات على ملاقاة جملة من المحطات المهمّة في المنطقة، والتي سيكون لبنان حاضراً فيها، ولا سيما منها القمة المرتقبة في الرياض بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي، التي ستدشن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، والقمة العربية المقرّرة في العاصمة السعودية في 19 ايار المقبل.

في هذه الاجواء أكّدت وزارة الخارجية الفرنسية امس، أنّ باريس «ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان» لرئاسة الجمهورية، وذلك بعيد حديث وسائل إعلام لبنانية عن دعم فرنسي محتمل للوزير السابق سليمان فرنجية لهذا المنصب الشاغر منذ 6 أشهر.

وفي أول تفسير لهذا الموقف الفرنسي المستجد، قالت مصادر لبنانية معارضة لـ «الجمهورية»، انّها لم تفهم المناسبة التي دفعت الخارجية الفرنسية الى إعلان مفاجئ من هذا النوع، فهي وحتى الأمس القريب اكّدت على لسان مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الاوسط جوزف دوريل، انّ المَخرج الوحيد للخروج من المأزق ما زال رهناً بالتفاهم على الربط بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، طارحاً تسوية شاملة استفزت المعارضين لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ودفعتهم إلى التشكيك بالحيادية الفرنسية التي رعت اللقاء الخماسي في 6 شباط الماضي في باريس.

وقالت هذه المصادر، «انّ الفوارق الكبيرة بين الموقعين والاستحقاقين تميّز بينهما في شكلهما وتوقيتهما والآليات الدستورية المؤدية إلى كل منهما، عدا عن ولاية كل منهما، فالأول يتمتع بولاية لست سنوات، اما الثاني فهو عرضة للتغيير في لحظة من فقدان الثقة النيابية بدوره او لأي سبب آخر».

الّا انّ المصادر عينها اعتبرت «انّ هذا الموقف قد يشكّل محطة لانتقال الملف إلى مكان آخر، بعدما عجزت باريس عن إتمام المهمة التي وعدت بها، وقد يكون مقدّمة طُلِبت من باريس من اجل تسهيل الحراك على الخط المفتوح بين طهران والرياض بدلاً من باريس، وهو أمر لا يمكن التثبت منه قبل عبور عطلة عيد الفطر وصولاً إلى تحديد موعد القمة السعودية - الايرانية وما يمكن ان تحققه بناءً لإصرار وطلب من «الثنائي الشيعي» معاً او «حزب الله» بطريقة منفردة الذي طلب العون من طهران لتسهيل الوصول إلى الموقف الايجابي السعودي من فرنجية».

ولفتت المصادر إلى «ضرورة انتظار ما يمكن ان يكون واضحاً من المواقف الخارجية. فالحديث المتمادي عن مواصفات الرئيس التي يمكن تفسيرها على اكثر من موجة، لا يمكن الفصل في ما يمكن ان يؤدي اليه الحراك الخارجي ما لم ينتقل بطريقة اوضح الى إسقاط المواصفات على الأشخاص».

على صعيد آخر وعشية دخول البلاد عطلة عيد الفطر السعيد، قالت مصادر عليمة كانت حتى الأمس القريب تقوم بوساطة بين مختلف الاطراف «انّ اللعبة الداخلية ما زالت مقفلة ولا يمكن الرهان على جدّية السعي إلى حوار داخلي طالما أنّه بقي ملغوماً ورهناً بالشروط المسبقة غير المعلنة قبل الاتكال على الخارج في رعايته أي حل».

وقالت احدى الشخصيات التي شاركت في التوصيف عينه، انّ كل الابواب قد سُدّت امام المساعي التي بُذلت من أجل حوار داخلي، وانّ اتصالات بعض الوسطاء قد توقفت تباعاً في محطات متتالية، فجمّدت أنشطتها واحدة بعد أخرى في انتظار ما يمكن ان يقود اليه التدخّل الخارجي.

إلى ذلك، استغربت مصادر معارضة عبر «الجمهورية» الكلام عن الاستحقاق الرئاسي «وكأنّه قضي الامر»، علماً انّ هناك ثلاثة عوامل غير متبدّلة حتى اللحظة ما يحول دون انتخاب رئيس للجمهورية:

العامل الاول، من طبيعة خارجية، حيث انّه حتى اللحظة لا تبدّل في الموقف السعودي الذي لا يزال على الموقف نفسه لجهة ضرورة ان يكون الاستحقاق الرئاسي مدخلاً لتسوية تجمع فريقي المعارضة والموالاة، وليس ان تشكّل انتصاراً لفريق على آخر.

ـ العامل الثاني، يرتبط بالبعد الداخلي لجهة انّ ميزان القوى الداخلي، وتحديداً المعارض، والذي اظهر في جلسة التمديد للبلديات انّه قادر على التعطيل، وانّ الموالاة لا تملك 86 نائباً، وبالتالي المعارضة في غير وارد الذهاب لتسوية حول اسم يُشتّم منه انّه انتصار لفريق وهزيمة لفريق آخر، ولا تبدّل لا بل بالعكس هناك تشدّد في الموقف المعارض.

العامل الثالث، يتعلق بحليف «حزب الله» «التيار الوطني الحر» الذي لم يبدّل بدوره موقفه من انتخاب النائب السابق سليمان فرنجية، وحتى لو بدّل النائب جبران باسيل في موقفه، فإنّ المعطى الخارجي غير متبدّل، والمعطى في ميزان القوى المعارضة في غير وارد المساومة على موقفه».

وتعتبر مصادر المعارضة «انّ كل هذا المناخ الذي يتمّ بثه لا أساس له من الصحة. صحيح انّ المنطقة دخلت في زمن التسويات وهناك ديناميكية التسويات التي انطلقت من اليمن على إثر الاتفاق السعودي ـ الايراني، لكن هذه الديناميكية لا تعني اطلاقاً انّ التسوية ستكون لمصلحة فريق على حساب آخر، انما تسوية ستكرّس واقع لا غالب ولا مغلوب، وليس ان تكون مدخلاً لتكريس منطق الغالب والمغلوب». وبالتالي تعتبر المصادر انّ «هذه الاجواء لا تستند إلى معطيات جدّية، جلّ ما هنالك انّ هناك قراءة مختلفة لهذه التطورات من كلا الفريقين، حيث انّ المعارضة لا تسلّم بالمعطيات التي تتحدث عنها الموالاة بقراءتها للتطورات الخارجية، بل ترى انّ هذه التطورات تخدم مصلحة قيام دولة حقيقية وليس إرساء استقرار وهمي، وانما الذهاب الى استقرار فعلي».

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o