خسائر المصرف المركزي السويسري 143 مليار دولار
منسى: خسائر المصارف المركزية لا يعني إفلاس البلد
أعلن المصرف المركزي السويسري أنه تكبّد خسائر بلغت 132 مليار فرنك سويسري، أي ما يعادل 143 مليار دولار أميركي في العام 2022، وهي أكبر خسائر له منذ انشائه منذ 116 سنة. ونجمت هذه الخسائر عن خسائر قدرها 131 مليار فرنك سويسري من مراكز القطع في العملات الأجنبية وخسائر إضافية بلغت مليار فرنك سويسري جرّاء مراكز القطع بالفرنك سويسري.
بالمقارنة، خسر المصرف 23 مليار فرنك في العام 2015، وهي كانت أعلى خسائر له لغاية اﻟ2022. أيضًا، جاء جزء من خسائر السنة الماضية نتيجة خسائر على محفظة المصرف من الأسهم والسندات، لكنّه حقّق أرباح بلغت 400 مليون فرنك بسبب ارتفاع قيمة احتياطه بالذهب.
ولكن هذه الخسائر لن تُرغم المصرف المركزي السويسري على تعديل أو تغيير سياسته النقدية وسيستمر في سياسة رفع الفائدة المرجعية. والمعروف أن المصرف السويسري سيحتاج إلى بعض الوقت لإعادة تكوين احتياطه وسيأخذ وقت أقلّ ليحقّق أرباحًا مجدّدًا. وبالتالي، خلال هذه الفترة، لن يوزع المصرف المركزي أرباحا" للحكومة الفيديرالية او للكانتونات، مما سيضطرهم الى تخفيض نفقاتهم العامة عوض الاستدانة.
كما أن البنك المركزي الأسترالي صرّح أنه تكبّد خسائر على محفظته من السندات بلغت 45 مليار دولار أسترالي، أي ما يعادل 35 مليار دولار أميركي خلال الفترة الممتدّة بين اﻟ2021 واﻟ2022. وأضاف أنّ هذه الخسائر تراكمت بسبب برنامج تحفيز اقتصادي طارئ بلغ 300 مليار دولار استرالي طبّقته السلطات بين تشرين الثاني 2020 وشباط 2022. وجاءت هذه الخسائر لتلغي مجمل احتياطي المصرف المركزي، مما نتج عن وضعية صافية سلبية لرأس مال المصرف بلغت 12.4 مليار دولار. وإذ أن هذا المركز السلبي يؤدّي إلى إفلاس مؤسسة تجارية عادية فإن التزامات المصرف المركزي هي مضمونة من قِبَل الحكومة، وهذا يعني أن المصرف المركزي الأسترالي ليس مفلسًا، مما لن يؤثّر على قدرته على القيام بعمله. وأضاف أن المصرف المركزي يعتزم الاحتفاظ بالسندات لغاية استحقاقها مما سيساعده على تحقيق أرباح عند استحقاقها ويعوّض عن هذه الخسائر.
وأضاف المصرف المركزي الأسترالي انه يواجه خسائر مالية مستمرة على محفظة السندات التي يملكها والتي قد تصل إلى 58 مليار دولار استرالي لغاية سنة 2033 حين ستستحق آخر هذه السندات. لذلك، يتوقّع المصرف المركزي أن يحتفظ بأيّة أرباح يحققها في المستقبل لإعادة تكوين رأس ماله ولن يتمكّن من توزيع أرباح للحكومة لعدد من السنوات. وهذا يعني أن المصرف المركزي لن يطلب من الحكومة ضخّ سيولة في رأس ماله كما حصل في اﻟ2013 حين تكبّد خسائر جرّاء إعادة تقييم احتياطه بالعملات الأجنبية، وكان قد وافق وزير الخزينة الأسترالي على موقف المصرف المركزي وأكّد أن الهند سات المالية التي أجراها من خلال شراء السندات لَعِبت دورًا حيويًّا وأساسيًّا في الاستقرار الاقتصادي خلال جائحة كورونا.
في هذا السياق، قال الأستاذ أنطوان منسّى، رئيس مجلس رجال الاعمال اللبنانيين في فرنسا، ان "هناك عدد من المصارف المركزية حول العالم ستواجه خسائر مماثلة بسبب الإجراءات والبرامج التي نفذتها للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي او المالي او النقدي في بلادهم". ولاحظ ان "حكومات هذه البلدان لم تعتبر مصارفها المركزية مفلسة والأحزاب في هذه البلدان لم تشن حملات عشوائية على المصرف المركزي في بلدانها. أولا" لأنهم يدركون ان هكذا خسائر تحصل عند الضرورة وتأتي من ضمن طبيعة عمل المصارف المركزية، وثانيا" لأنهم يعلمون جيدا" ان أي تهجم وافتراء على هيبة المصرف المركزي تطال جميع مؤسسات الدولة وتطيح بالثقة بالاقتصاد وبالبلد وبمصداقيته كما تبعد المستثمرين والشركات عنه."
وأضاف منسّى "ليت بعض الأحزاب والسياسيين في لبنان يتعّظون من تجارب المصارف المركزية في سويسرا واستراليا مع موضوع الخسائر، ويعون عقم حملاتهم التدميرية والعبثية. ولاحظ بالتحديد موضوع ضمان الحكومة الاسترالية لالتزامات مصرفها المركزي مما يحافظ على الاستقرار و يعزز الثقة و يسمح للمصرف المركزي باستمرار عمله بشكل طبيعي".
وشدد على "ضرورة استبدال في لبنان سردية الخسائر وتوزيعها بقرار جريء للسلطات التنفيذية والتشريعية بضمان التزامات مصرف لبنان، مما يؤدي الى استرداد المودعين لودائعهم بشكل تدريجي ومنظّم، بعيدا" عن المزايدات الفارغة والشعبوية الزاحفة."
وختم رئيس مجلس رجال الاعمال اللبنانيين في فرنسا، "ان هكذا قرار يتطلب جرأة أخلاقية لأن التاريخ سيذكر ان نظرية الخسائر وتحميلها للمودعين وتنصّل السلطات عن مسؤولياتهم ستؤدي الى فقدان الثقة بالاقتصاد والقطاع المصرفي والبلد الى اجل غير مسمّى".
والمعروف ان دور المصارف المركزية اجمالا" هو تحقيق الربح الاقتصادي وليس الربح التجاري، حتى لو أدّت إجراءاتها الى خسائر مالية في ميزانياتها، اذ ان مهمتها الأساسية هي الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي ولجم التضخم وتعزيز الحركة الاقتصادية. من هذا المنطلق يجب إبقاء المصارف المركزية بعيدا" عن التجاذبات السياسية حفاظا" على الاستقرار والثقة والسمعة المالية للبلد، وذلك لمساعدة الاقتصاد تحقيق التوازن بعيدا" عن أي ضغوط قد تؤثر على ثقة المواطن المقيم والمغترب والقطاع الخاص والمستثمرين.